رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وحقوق المرأة
رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وحقوق المرأة
أحمد بن عثمان المزيد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..
لا يخفى على المتأمل في
سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته تلك النقلة النوعية التي حدثت
للمرأة في ظل تعاليمه - صلى الله عليه وسلم - وهَدْيه، حتى ليمكن القول
بأنه أحدث ثورة على ما كان مألوفا ًتجاه المرأة في هذا العصر وما سبقه من
عصور.
لقد أحيا النبي –صلى الله
عليه وسلم- هذا الكيانَ المستضعف الذي ظُلم واضطهد، وامتُهنت كرامته،
وسلبت إرادته، وكبت وأقصي على مدى حقبٍ طويلة وأزمان متباعدة، لا شيء إلا
لكونه أنثى، حتى بلغ الظلم والقسوة بأن كان أحدهم يغذي كلبه ويئد ابنته!!
حمل النبي - صلى الله
عليه وسلم - لواء الدفاع عن حقوق المرأة، في زمن لم يكن للمرأة فيه أدنى
حق، وانطلق في حملته لتكريم المرأة من قوله - تعالى -: (ولقد كرمنا بني
آدم)، ومن قوله - تعالى-: (ولهنَّ مثل الذي عليهن بمعروف).
أما الحقوق التي ظفرت بها
المرأة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فهي كثيرة، منها: المساواة
بين الرجل والمرأة في التكريم والتكليف والجزاء الأخروي قال –تعالى-: (من
عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنُحْيينه حياة طيبةً ولنجزِينَّهم
أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
ومن ذلك حقها في التعليم:
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( طلب العلم فريضة على كل مسلم ))
[الطبراني]، وهذا يشمل النساء؛ لأنه ليس هناك ما يدل على اختصاص الرجال
بالخطاب، فالأصل العموم. وقد قالت النساء للنبي –صلى الله عليه وسلم-: ((
غَلَبَنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما ً من نفسك، فوعدهن يوماً لقيهن فيه،
فوعظهن وأمرهن )) [متفق عليه].
ومن ذلك حقها في اختيار
الزوج: فعن خنساء بنت خدام –رضي الله عنها-: "أن أباها زوجها وهي ثيب،
فكرهت ذلك، فأتت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فردَّ نكاحها" [البخاري]،
وقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (( لا تنكح البكر حتى تُستأذن ))
[متفق عليه].
ومن ذلك حقها في الحياة
الكريمة والأمن والقضاء العادل: فقد ورد أن نسوة ذهبن إلى بيوتِ أزواج
النبيِّ يشتكين أزواجهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (( لقد أطاف
بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم )) [أبو داود]،
وهكذا أسقط النبي - صلى الله عليه وسلم -خيرية هؤلاء الرجال لمجرد شكوى
زوجاتهم، وهذا غاية الإنصاف للمرأة.
وجعل النبي - صلى الله
عليه وسلم - للمرأة حقا ًفي الخروج من بيتها لقضاء الحاجات وحضور الصلوات
في المسجد وغير ذلك، وفي الصحيحين: (( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله )).
ومن الحقوق المالية
للمرأة: حقها في المهر؛ لقوله - تعالى -: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة)،
أي: أعطوهن مهورهن فريضة. وحقها في النفقة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -:
(( ابدأ بمن تعول )) [متفق عليه]، وقوله: (( امرأتك ممن تعول )) [أحمد]،
وحقها في المسكن، لقوله - تعالى -: (أسكنوهن من حيث سكنتم من وُجْدكم)،
وحرية التصرف في التعاقدات المالية كالبيع والشراء والدَّيْن والرهن،
والقرض، والوكالة، والإجارة، والوقف، والتبرعات المالية وغير ذلك. ومن ذلك
حقها في فراق زوجها بالخُلع، وقد ورد: أن امرأة ثابت ابن قيس -رضي الله
عنها- قالت: "يا رسول الله! ثابت بن قيس، ما أعتب عليه في خلق ولا دين
ولكني أكره الكفر في الإسلام". فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((
أتردين عليه حديقته؟)) قالت: نعم قال: (( اقبل الحديقةَ، وطلقها تطليقة ))
[البخاري].
ومن ذلك حقها في الميراث،
فبعد أن كانت تورث كالمتاع، فيرثها أقارب الزوج، فإن شاء ابنه الأكبر
تزوجها، وإن شاؤوا زوجوها أحدهم، وإن شاؤوا عضلوها حتى تموت أو تفدى نفسها
بالمال، بعد كل هذا أصبحت من جملة الورثة أصحاب الفروض.
ومن الحقوق السياسية
للمرأة: حقها في البيعة والحسبة والشورى والأمان والإجارة والنصيحة وغير
ذلك، فقد أجارت أم هانئ -رضي الله عنها- رجلا ًمن المشركين، وأقر النبي -
صلى الله عليه وسلم – أمانها، وقال: (( قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ ))
[متفق عليه].
وهذه امرأة تستوقف عمر بن
الخطاب - رضي الله عنه - وهو خليفة، وحوله الناس، فوعظته وقالت له: "يا
عمر! قد كنت تدعى عميراً، ثم قيل لك أمير المؤمنين، فاتق الله يا عمر،
فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن بالحساب خاف العذاب"، وهو واقف
يسمع كلامها. فقيل له في ذلك. فقال: "والله لو حبستني من أول النهار إلى
آخره لا زلت إلا للصلاة المكتوبة، أتدرون من هذه العجوز؟ هي خولة بنتُ
ثعلبة سمع الله قولها من فوق سبع سماوات، أيسمع رب العالمين قولها ولا
يسمعه عمر!!".
وجعل النبي للمرأة حقها
في الخروج للعمل وذلك بالضوابط الشرعية المعروفة، ومن الأدلة على ذلك أن
امرأة ابن مسعود –رضي الله عنها- كانت ذات صنعةٍ تبيعُ منها وتنفق على
زوجها وولدها من ثمرة صنعتها، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت:
"يا رسول الله، إني امرأة ولي صنعة فأبيع منها وليس لي ولا لزوجي ولا
لولدي شيء، وشغلوني فلا أتصدق، فهل لي في النفقة عليهم من أجر؟" فقال -
صلى الله عليه وسلم -: ((لك في ذلك أجر)) [ابن حبان].
ومن أعظم الحقوق التي
نالتها المرأة حقُّها في الحضانة، فقد أتت امرأة النبي - صلى الله عليه
وسلم - فقالت: "إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحِجري له
حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزِعَه مني". فقال: ((أنت أحقُّ به ما لم
تنكحي)) [أحمد وأبو داود].
لقد أصلح النبي - صلى
الله عليه وسلم - أحوال المرأة، وبين مكانتها وحقوقها في الإسلام، وأكثر
من الوصاية بها، وحذر من ظلمها وقهرها، ومنعها شيئاً من حقوقها وذلك من
خلال نصوص عامة هي كمنارات الطريق لكلّ منصفٍ مسترشد، وذلك مثل قوله - صلى
الله عليه وسلم -: (( إنما النساء شقائق الرجال )) [أحمد والترمذي]. أي:
نظائرهم وأمثالهم في الأخلاق والطباع، كأنهن شُققن منهم. وقوله - صلى الله
عليه وسلم -: (( حُبّب إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في
الصلاة )) [النسائي]، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( لا يفرك مؤمنٌ
مؤمنة -أي لا يبغضها- أن كره منها خلقاً رضي منها آخر)) [مسلم]، وقوله -
صلى الله عليه وسلم -: (( استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع،
وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل
أعوج، فاستوصوا بالنساء خير)) [متفق عليه]، وهذا فهم عظيم لطبيعة المرأة
وحثٌّ على معاملتها بالرفق واللين والمداراة لا بالقسوة والغلظة.
وحذر النبي - صلى الله
عليه وسلم - من ظلم المرأة، وجعل ظالمها واقعاً في الضيق والحرج والعنت
غير معفوِّ عنه، فقال: ((اللهم إني أحَرِّجُ حقَّّّ الضعيفين اليتيم
والمرأة)) [ابن ماجه].
وبين النبي - صلى الله
عليه وسلم - أن خير الرجال هو الذي يُحسن معاملة النساء، فقال: ((خياركم
خياركم لنسائهم)) [الترمذي]، ولم يضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة
قط كما قالت عائشة - رضي الله عنه - [مسلم]، بل إنه عنف الذين يضربون
نساءهم فقال: ((يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد، ثم يعانقها آخر النهار!))
[متفق عليه].
وهذا درس تربوي رائع في مراعاة مشاعر المرأة وبخاصة حال طلبها للفراش.
إننا نعتقد أن من أهم
أسباب معاناة المرأة في مجتمعنا... هو حرمانها من بعض حقوقها الشرعية،
وأن أفضل وسيلة لإسعادها وإسعاد المجتمع إعطاؤها تلك الحقوق.
ومن هنا، فإننا ندعوا إلى
القيام بحملة توعوية لإبراز تلك الحقوق الشرعية للمرأة للمعنيين بشئون
المرأة من كتاب وإعلاميين ومعلمين وتربويين ودعاة ومصلحين وخطباء مساجد
وأصحاب رأي وغيرهم وأن تدرس هذه الحقوق للطلاب والطالبات في مدارسهم
وجامعاتهم، وأن تسهم المرأة بدورها في هذه الحملة، فهذا كفيل بإسعاد
المرأة وإعطائها كافة حقوقها الشرعية وحمايتها من مظاهر الانحراف،
وسلامتها من كل ما يؤثر على دينها، وهو أيضًا عبادة عظيمة كسائر العبادات
التي شرعها الله - تعالى -.
تميز هدي النبي محمد -
صلى الله عليه وسلم - في تأكيد وتأصيل حقوق المرأة بالشمولية والاستيعاب
لجميع مراحلها العمرية، فأعطاها حقوقها بنتاً وأختًا، وزوجة وأماًّ، فتاة
وعجوزاً، حرًّة وأمةً، صحيحة ومريضة، غنية وفقيرة، حتى المرأة المشركة كان
لها من رحمة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -نصيب..
فأما البنت: فقد أبطل
الإسلام عادة كراهية البنات، وبدأ القرآنُ بذكر الإناث كنعمةٍ من أعظم
نعمه على الإنسان: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهبُ لمن يشاء
إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور)، وأبطل عادةَ دفن البنات: (وَإِذَا
الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ* بأي ذنب قتلت)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم
-: ((إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً وهات، ووأد البنات))
[مسلم]، وأبطل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عادة التفضيل بين الأبناء
فقال: ((اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)) [متفق عليه].
وعلم النبي - صلى الله
عليه وسلم - أن تربية البنات تحتاج إلى صبر ونفقات كثيرة، فرتب على ذلك
الأجر العظيم، فقال: ((من عال جارتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو
وضم أصابعه)) [مسلم].
وانظر إلى هذا المشهد
الرائع الذي ترويه السيدة عائشة - رضي الله عنه - فتقول: "جاءت مسكينة
تحمل ابنتين لها، فأعطت كل واحدة تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها،
فاستطْعَمَتْها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما،
فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛"
فقال: ((إن الله قد أوجب لها بها الجنة)) [متفق عليه].
وأمر النبي - صلى الله
عليه وسلم - بالإحسان إلى البنات، فقال: ((ما من مسلم تدرك له ابنتان
فيُحسن إليها ما صَحِبتَاه أو صَحِبهما إلا أدخلتاه الجنة)) [أحمد].
وكان العربيُّ في
الجاهلية يأنف من أن يداعب وليدته أو يقبلها، فأبطل النبي - صلى الله عليه
وسلم - هذه العادة، وكان يحملُ أُمامة بنت ابنته على عاتقه وهو يصلي،
فإذا ركع وضعها، وإذا رفع رفعها. [متفق عليه].
وكان يقول - صلى الله
عليه وسلم - في ابنته فاطمة –رضي الله عنها-: ((فاطمةُ بضعة مني، يريبني
ما رابها، ويؤذيني ما آذاه)) [متفق عليه].
وانظر إلى حسن تعامله
ولطفه عند لقائها، فقد أتت تمشي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
((مرحباً بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسرَّ إليها حديثاً
فبكت، ثم أسرَّ إليها حديثاً فضحكت)) [متفق عليه].
وأما الأخت: فقد قال
النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من عال ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو
أختين أو ابنتين فأدبهن وأحسن إليهن وزوجهن فله الجنة)) [أبو داود].
وأما الزوجة: فقد ورد عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأنها من حسن العشرة ولطف المعاملة وكرم
النفس والمروءة ما يعجز القلم عن وصفه، ولكن حسبنا ذكر بعض ما ورد في ذلك،
فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم
لأهلي)) [ابن حبان].
وقال جابر –رضي الله عنه-
في معاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - زوجته عائشة –رضي الله عنها-:
"وكان رسول الله رجلاً سهلاً إذا هَوِيَتْ -أي عائشة- الشيء تابعها
عليه" [رواه مسلم].
فأين هذا ممن يظنون أن
القوامة هي رفض كل ما تطلبه الزوجة وإن كان يسيراً؟! ومن أجمل المواقف ما
حدَّثت به عائشة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال لها: ((إني لأعلم إذا كنت عني راضيةً، وإذا كنت عليَّ غضبى! قالت: من
أين تعرف ذلك؟ قال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا وربُّ محمد،
وإذا كنت غضْبَى قلت: لا وربُّ إبراهيم. قالت: أجل والله يا رسول الله،
ما أهجُرُ إلا اسمك)) [متفق عليه]. فأين نحن من هذا الدفء والعطف والحب
والمودة؟ وعنها قالت: "خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض
أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم. فقال للناس ((تقدموا)) ثم قال لي:
((تعالي حتى أسابقك)) فسابقته فسبقتُه، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم
ونسيتُ خرجت معه في بعض أسفاره. فقال للناس: ((تقدموا)). ثم قال: ((تعالي
حتى أسابقك)) فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول: ((هذه بتلك))" [أحمد
أبو داود].
وقد راعى النبي - صلى
الله عليه وسلم - حاجة المرأة الجنسية فرغب الأزواج في إشباع هذه الحاجة
لدى المرأة، حتى لا تنحرف وتلتفت لغير زوجها، فقال ((وفي بضع أحدكم صدقة))
قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: ((أرأيتم إن
وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟ كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر))
[مسلم].
ومن تكريم النبي - صلى
الله عليه وسلم - للمرأة أن نهى الأزواج عن سوء الظن بنسائهم وتلمس
عثراتهن، قال جابر –رضي الله عنه-: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أن يطرق الرجلُ أهله ليلاً، يتخوَّنُهم أو يلتمسُ عثراتهم)) [متفق عليه].
فأي تكريم للمرأةِ فوقَ أن يُمنع الرجلُ من دخول بيته ليلاً دون أن يُعلم امرأته إن كان يقصد التجسسَ عليها وتلمسَ عثراتها!
ورغب النبي - صلى الله
عليه وسلم - الأزواج في التوسعةِ على الزوجات بالنفقة، فقال لسعد –رضي
الله عنه-: ((إنك لن تنفق نفقةً تبتغي بها وجه الله إلا أُجرت عليها، حتى
ما تجعله في فِيْ - أي فم- امرأتك)) [متفق عليه]، وقال - صلى الله عليه
وسلم -: ((أفضل دينارٍ دينارٌ ينفقه الرجل على عياله)) [مسلم]. وقال - صلى
الله عليه وسلم -: ((إن الرجل إذا سقى امرأته من الماء أُجر)) [أحمد].
وقال - صلى الله عليه
وسلم -: (( إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه، حفظ ذلك أم ضيع، حتى يسألَ
الرجلَ عن أهل بيته )) [ابن حبان]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الدنيا
متاع، وخير متاعها المرأةُ الصالحة)) [مسلم].
وأما الوفاء للزوجة بعد
وفاتها: فقد ضرب النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة في ذلك، قال
أنس –رضي الله عنه-: (( كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا أتي
بالهدية قال: اذهبوا إلى فلانة، فأنها كانت صديقة لخديجة)) [الطبراني].
ولم ينس النبي - صلى الله
عليه وسلم - المرأة الأم التي تتجاهلها تشريعات حقوق الإنسان الدولية،
فإنه لما سأله رجل: "من أحق الناس بحسن صحبتي"؟ قال: ((أمك)) قال: "ثم
من؟" قال: ((أمك)) قال: "ثم من؟" قال: ((أمك)) قال: "ثم من؟" قال:
((أبوك)) [متفق عليه].
وجاء رجل إلى رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - فقال: "يا رسول الله! أردت أن أغزو وقد جئت
أستشيرك". فقال: ((هل لك من أم؟)) قال: "نعم". قال: ((فالزمها، فإن الجنة
تحت رجليه)) [النسائي].
لقد أنصف النبيُّ - صلى
الله عليه وسلم - المرأة أينما كانت وأياً كان وضعها ومكانتها، قال أنس
–رضي الله عنه-: "كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - فتنطلق به حيث شاءت في حاجتها" [البخاري].
ولم يطق النبيٌّ - صلى
الله عليه وسلم - أن تضرب أَمَة، فقال لمن ضربها: ((أعتقها فإنها مؤمنة))
[مسلم]. فكانت اللطمة سبباً كافياً في تحرير العبيد عند محمد رسول الله -
صلى الله عليه وسلم -.
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضى لهما الحاجة [النسائي].
ولكبار السن مع النساء
مكانة عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن عائشة –رضي الله عنها- قالت:
"جاءت عجوز إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عندي، فقال لها رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من أنت؟))، قالت: أنا جثامة المزنية.
فقال: ((بل أنت حسّانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟))
قالت: بخير، بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فلما خرجت، قالت عائشة: يا رسول
الله! تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: ((إنها كانت تأتينا زمن
خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان)) [الحاكم].
واعتنى النبي - صلى الله
عليه وسلم - بذوي الاحتياجات الخاصة من النساء، فعن أنس بن مالك –رضي الله
عنه-: أن امرأة في عقلها شيء، قالت: "يا رسول الله! إن لي إليك حاجة،
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أم فلان! انظري أيَّ طريقٍ
شئت قومي فيه حتى أقوم معك، فخلا معها رسول الله يناجيها حتى قضت حاجته)).
[مسلم].
وأما المرأة المشركة: فقد
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء في الحروب، ومرَّ على
امرأة مقتولة في بعض الغزوات فوقف عليها، ثم قال: ((ما كانت هذه لتقاتل))،
ثم نظر في وجوه أصحابه، وقال لأحدهم: ((الحق بخالد بن الوليد، فلا
يقتلنَّ ذريةً ولا عسيفاً - أي أجيراً- ولا امرأة)) [أحمد وأبو داود].
هذا بعض ما جاء في حقوق
المرأة ومكانتها عند رسولنا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فما
أحوجنا في واقعنا المعاصر إلى تعلم هذا الهدي والعمل به، وإعطاء المرأة
كامل حقوقها والنظر على أن ذلك عبادة وقربة إلى الله - تعالى -، وهذا أبلغ
في نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - من مجرد الهتافات ورفع الشعارات
دون عمل، إننا إذا فعلنا ذلك قدمنا للعالم صورة مشرقة عن الإسلام وربما
كان هذا سبباً في إقبال الناس على الإسلام أكثر مما نراه اليوم