كيف نحيا بالقرآن؟ 1- 2
كيف نحيا بالقرآن؟ 1- 2
علي مختار محفوظ
تمر
بالمسلمين الأزمات، ويتعرضون لعدد من المؤمرات، وتعترضهم العديد من
المشكلات، سواء على المستوى الشخصي، أو العائلي، أو المجتمعي، وقد يصاب بعض
المسلمين باليأس أو القنوت، والكل يتسائل عن الحلول الناجعة لهذه الفتن؟
أو كيف نخرج من حالة الإحباط، أو نواجه تلك المشكلات. والأسئلة تتضاعف عن
المخرج مما نحن فيه من ابتلاءات، وبعض المسلمين يتوجه شرقا للبحث عن
الحلول، ويجرب الحلول المستوردة من الدول الشرقية فترة من الزمن فلا تنجح،
وبعضهم ينبهر بالتجارب الغربية فيجلبها ويطبقها فترات أخرى فلا تفلح.
واقتنع الكثيرون أخيرا
بالتوجه إلى الله الكريم المتعال، يستلهم منه الهداية والتوفيق، ويسأله
فرجا للضيق الذي يعيش فيه المسلمون، ويبحث عدد كبير من المسلمين عن
المخرج، ويوفق الكثيرون بالوصول للحل الأمثل، وهو التمسك بكتاب الله -
تعالى - الذي يجدون أن فيه الحلول لكل ما يعانون، مع العمل بسنة الحبيب
المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، فهي الموضحة لآيات الكتاب الكريم، لأنها
تفسر القرآن الكريم وتشرحه عملياً، وتبين أحكامه، وتفصل مجمله وتوضح
معانيه.
وكل يوم تزداد القناعات
بالعودة للعمل بكتاب الله - تعالى -، بل والعيش في ظلال القرآن، وكيف لا؟
والتجارب تثبت أن من يحيا بكتاب الله - تعالى - يعيش سعيدا في الدنيا،
وينال في الآخرة الفوز والفلاح.
فكيف نحيا بكتاب الله تعالى ؟
لماذا نتمسك بكتاب الله ؟:
قبل أن نوضح الجواب لا بد
من بيان السبب في الاعتزاز بكتاب الله - تعالى -والإيمان به وتعظيمه و
تقديمه على غيره، فالله - عز وجل - قد أنزل كتابا: (اللَّهُ نَزَّلَ
أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ
مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ
وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ
مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر: 23.
وجعله خاتما ومهيمنا
وناسخا لكل الكتب السابقة، والتي لم يتكفل - سبحانه وتعالى - بحفظها من
التغيير والتبديل والتحريف، (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا
عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ
أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ
شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) المائدة 43، وتكفل الله - تعالى - فقط بحفظ القرآن
الكريم: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ
لَحَافِظُونَ) الحجر 9.
فقد حفظ الله - تعالى -
الذكر الكريم من التحريف الذي أصاب الكتب السابقة، قال - تعالى -:
(أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ
يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا
عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) البقرة: 75، وقد أثبت الباحثون المنصفون من
غير المسلمين فضلا عن علماء المسلمين أن القرآن الكريم حفظ في الصدور و
كتب وجمع الجمع الأول في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم في العصور
التالية في عهد الخلفاء - رضي الله عنهم -، ومازال المسلمون يحافظون على
كتاب الله ويساهمون في ذلك باستخدام جميع الوسائل الحديثة.
وكما أثبت عدد كبير من
الكتاب والباحثين من المسلمين وغيرهم: أن القرآن الكريم كتاب خالد معجز،
تظهر معجزاته المتنوعة في كل عصر؛ لتثبت أنه من عند الله، فالقرآن الكريم
قد اشتمل على أصول التشربع التي تقوم عليها حياة البشر قال - تعالى -:
(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)النحل: 89، ففيه كل ما يهم الناس من
عقائد وعبادات وأحكام، وأخلاق ومعاملات وسلوك وآداب، قال الله - تعالى -:
(مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ) الأنعام: 38.
وتحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو سورة مثله فعجزوا، فدل ذلك وغيره على أنه من عند الله - تعالى -.
كيف نواجه الفتن؟:
فنحن نتمسك بكتاب الله -
تعالى -، أيضا لأنه المخرج مما نحن فيه من فتن؟ عَنْ علي - رضي الله عنه
- قال: قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
يَقُولُ: ((أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ)) فَقُلْتُ: مَا
الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((كِتَابُ اللَّهِ،
فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا
بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ. مَنْ تَرَكَهُ
مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي
غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ
الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وهُوَ الَّذِي
لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ
الْأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ
عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي
لَمْ تَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: (إِنَّا
سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) مَنْ
قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ
وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) (1).
فالقرآن العظيم فيه حياة
القلوب، ونور العقول، وفي اتباعه الوصول للهُدى وللصراط المستقيم، وإذا
أصيب المسلمون باليأس لكثرة تكالب الأعداء عليهم، فليعودوا لكتاب الله -
تعالى - فينهلوا من أحكامه، ويستفيدوا بالقصص القرآني وبعتبروا بالمواعظ
الواردة فيها، فقد أنزله الله - تعالى - لتثبيت فؤاد النبي - صلى الله
عليه وسلم -، والمؤمنين من بعده، وبذلك يمكن الخروج من حالة اليأس إلى
الأمل، فالمنهج القرآني يزرع الثقة وبنشر الأمل ويرسخ اليقين أن المستقبل
لهذا الدين.
وهو القائد إلى رضوان
الله - تعالى - وإلى جنات النعيم، وهو حرزٌ من الشيطان، وقربة إلى الرحمن،
تلاوته عبادة، والتفكر في معانيه فوز وسعادة، والعمل به يوصل للنجاة
والفلاح يوم القيامة.
فكيف نحيا بكتاب الله تعالى؟
بأن نعيش في ظلاله، ونحيا
تحت سمائه، ويكون ذلك بتلاوته والاستماع إليه مع الإيمان به، وأيضا بتدبر
آياته والتفكر قيها، مع الوصول للثمرة من ذلك بالعمل بآياته، وتطبيق
أحكامه، والتحاكم إليه، والاستشفاء به، فإذا فعلنا ذلك فسنحيا حياة هنيئة،
ونبتعد عن هجر القرآن الكريم، قال الله - تعالى -: (وَقَالَ الرَّسُولُ
يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) الفرقان
30.
يقول ابن القيم - رحمه الله -: هجر القرآن أنواع:
أحدها: هجر سماعه والإيمان به.
والثاني: هجر العمل به، وإن قرأه وآمن به.
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه.
والرابع: هجر تدبره وتفهم معانيه.
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب.
وكل هذا داخل في قوله - تعالى -: (إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض(2).
ويقول ابن كثير: "إن
المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يستمعونه"، كما قال - تعالى -: (وقال
الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه)) الآية.. فكانوا إذا يتلى
عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعونه، فهذا من
هجرانه وترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه وترك تدبره وتفهمه من
هجرانه وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه والعدول
عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من
غيره من هجرانه (3).
ويقول سيد قطب في الظلال
(4): "لقد هجروا القرآن الذي نزله الله على عبده لينذرهم، ويبصرهم. هجروه
فلم يفتحوا له أسماعهم إذ كانوا يتقون أن يجتذبهم فلا يملكون لقلوبهم عنه
ردا. وهجروه فلم يتدبروه ليدركوا الحق من خلاله، ويجدوا الهدى على نوره.
وهجروه فلم يجعلوه دستور حياتهم، وقد جاء ليكون منهاج حياة يقودها إلى أقوم طريق".
"وإن ربه ليعلم، ولكنه دعاء البث والإنابة، يشهد به ربه على أنه لم يأل جهدا، ولكن قومه لم يستمعوا لهذا القرآن ولم يتدبروه".
وذكر القرطبي وغيره من معاني مهجورا: متروكا.
ولكي نحيا بالقرآن ينبغي ألا نهجر تلاوته، والاستماع إليه، وألا نهجر تدبره و العمل به، والتحاكم إليه، وأيضا لا نهجر الاستشفاء به.
فكيف نحيا بالقرآن؟ سنتابع ذلك في الحلقة القادمة إن شاء الله.
_____________
الإحالات(الهوامش):
1. رواه الترمذي في
سننه، في كتاب فضائل القرآن، وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا
نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ وَفِي
الْحَارِثِ مَقَالٌ.
والصحيح في هذا الحديث
أنه موقوف على الإمام علي - رضي الله عنه - كما قال الإمام ابن كثير في
فضائل القرآن: 45 مشهور من رواية الحارث الأعور، وقد تكلموا فيه وقصارى
هذا الحديث أن يكون من كلام أمير المؤمنين علي وقد وهم بعضهم في رفعه وهو
كلام حسن صحيح، وأما من رواه مرفوعا فهو ضعيف. راجع أيضا ضعيف الترمذي
2906.
2. راجع: صفوة التفاسير، عن تفسير محاسن التأويل سورة الفرقان آية 30.
3. راجع تفسير ابن كثير سورة الفرقان آية 30.
4. في ظلال القرآن سورة الفرقان آية 30