"غض البصر" بين العبادة والمفاهيم الاجتماعية !
"غض البصر" بين العبادة والمفاهيم الاجتماعية !
ميرفت عوف
قال الله -
تعالى -: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ
وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ
بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ
أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) الآية (النور: 30-31).
قد لا يدرك الكثير من
الشباب المسلمين أن غض البصر فريضة وخلق فتراهم ينظرون بكل جرأة في كل شيء
وكأن لهم الحق في النظر إليه، حتى أن بعض المصطلحات انتشرت تدعم هذه
المواقف المرفوضة كقولهم: "الفرجة ببلاش" أو "إلى على باله ما يحرم حاله"،
"راحت عليك هالشوفة يا فلان"، وينبهون بعضهم البعض للنظر للفتيات
المتبرجات، بل إن البعض يبرر بوقاحة سبب عدم غض بصره فيقوله إن الكثير من
الفتيات يخرجون كي ننظر إليهن.
واحد من هؤلاء الشباب
الذين تاب الله الكريم عليهم يقول لنا: " اعتدت كما الكثير أن أمشي في
الشارع أتفقد كل شيء فيه وكأنني أخرج إلى منتزه طبيعي، إلى أن قرأت موضوعا
عن أهمية غض البصر "، ويضيف: " كنت أنظر إلى المحرمات في التلفاز على
أنها مجرد صورة لا آثم على عدم غض بصري عنها "، ويتابع: " الحمد لله الذي
هداني لهذا، وأدعو الله أن يهدي الجميع لما يحبه خاصة أن هناك الكثير من
الشباب يصرون على النظر للفتيات في الأسواق والشوارع دون حياء ".
مشاهد من المجتمع
على رغم المزايا الكثيرة
التي توجد في هذا العريس وقفت نهى معجبة بكونه حريص على غض بصره وعدم
النظر إلى البنات، وكأن هذه الصفة نادرة في شباب هذا الزمن.
نهى التي أيقنت أهمية هذه
العبادة والخلق في شريك حياتها قالت أنها كانت قلقة جدا من ألا يكون
زوجها حريصا على غض بصره كما الكثير من الشباب في المجتمع الذين يكادون
يعتقدون أن من حقهم النظر إلى ما هو مكشوف أمامهم دون أن يأثموا على ذلك.
بينما تقول فاطمة -32 عام
أن الكثير من الزوجات تشتكي من أن أزوجهن كما يعرف في المصطلح الشعبي"
عينه زايغة " على أساس أن القضية اجتماعية بحتة تهان فيها الزوجة فقط،
وتضيف فاطمة أن تلك المفاهيم الخاطئة تؤلم النفس فالكثير يعتقد بأن الرجل
البصاص بمجرد تزويجه " سيعقل ويركز " وهم بذلك لا يدركون خطورة عدم امتثال
هذا الشخص لأوامر الله - عز وجل - على أساس أنه قد يكون من المؤدين
للصلاة والصيام وغيره، وتؤكد أن المجتمع فعلا لا يدرك أهمية عبادة " غض
البصر " من خلال تلك المفاهيم المنتشرة أو على الأقل لا يضعها في خانة
الحرام بل المكروه وغير المرغوب فيه.
غض البصر فريضة وخلق
في كتابه العظيم أمر الله
- سبحانه وتعالى - في الآية 30، 31 عباده من المؤمنين والمؤمنات بغض
البصر لتطهر قلوبهم وتصفية نفوسهم فقال - سبحانه - جل وعلا – (قل للمؤمنين
يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون *
وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن)، وفي ذلك بيان أن المجتمع
الإسلامي متميز عن غيره من المجتمعات الأخرى بالعفة والطهر والنظافة
والفضيلة.
يؤكد على ذلك أستاذ
الشريعة في الجامعة الإسلامية بغزة د. ماهر السوسي، إلا أنه يستدرك بالقول
أن الكثيرين في الوقت الحالي لا يمتثلون لأوامر الله - سبحانه - وتعالي
في غض البصر، فهناك أفراد يسمحون لأنفسهم بالنظر إلى ما حرم الله - سبحانه
وتعالى - عليهم ويعتبرون ذلك أمراً لا علاقة له بالتدين وأنه مجرد أمر
للتسلية وإضاعة الوقت، وأضاف: " الأدلة سواء بالقرآن أو السنة الشريفة على
أهمية الامتثال لأمر الله وغض البصر عن المحارم كثيرة، فغض البصر عبادة
من العبادات فرضها الله - سبحانه وتعالى - على الإنسان وشدد عليها القرآن
حيث جاء الأمر بغض البصر جاء بسياق مختلف عن الأوامر الأخرى في القرآن حيث
خاطب الله - سبحانه وتعالى - الرجال على حدة والنساء على حدة على عكس
الغالب في خطابات القرآن التي تشمل الجهتين مفسراً أن خطاب الرجال على حدة
والنساء على حدة في موضوع غض البصر للتأكيد على خطورة عدم الامتثال له
وللتنبيه عن أن غض البصر معني به كل المسلمين بلا استثناء سواء كانوا ذكور
أو إناث.
ووجه د. السوسي رسالة
للشباب بأن يراعوا المحرمات التي حرمها الله - سبحانه وتعالى - وأن يعلموا
أن غض البصر هو فريضة تماماً كالصلاة والصيام والزكاة والحج وأن من يخالف
أمر الله في غض البصر فهو يرتكب معصية وعليه انتظار عقوبته من الله -
سبحانه وتعالى - وعليه أن يحضر إجابته حينما يقف بين يدي الله ويسأل عن
المعصية، وتابع: " على كل شاب لا يغض البصر أن يفترض أن الفتاة التي ينظر
إليها شقيقته أو أمه أو قريبته فكيف يكون به الحال هل يرضى لأحد أن ينظر
إليهنَّ بهذه الطريقة المزرية " مؤكداً أنه لا إنسان يمتلك نفساً سويةً
يسمح لأحد أن ينظر لمحارمه.
فوائد غض البصر
يقول ابن القيم في (الداء
والدواء) أن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، ومن أطلق لحظاته دامت
حسراته، ويعدد ابن القيم في غض البصر منافع كثيرة أولها أنه امتثال لأمر
الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده، كما أن غض البصر يمنع من
وصول أثر السهم المسموم الذي فيه هلاكه إلى قلبه و يورث القلب أنساً بالله
وجمعية عليه، فإطلاق البصر يفرق القلب ويشتته ويبعده عن الله.
ويشير ابن القيم إلى أن
غض البصر يقوي القلب ويفرحه ويكسبه نوراً وثباتاً وشجاعة وقوة، و يورث
المسلم فراسة صادقة يميز بها بين الحق والباطل، فالله - تعالى - يجزي
العبد على عمله بما هو من جنس العمل، فإن غض بصره عن محارم الله عوضه الله
بأن يطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والإيمان والمعرفة والفراسة
الصادقة، كما يذكر ابن القيم أن من أهم فوائد غض البصر أنه بين العين
والقلب منفذاً وطريقاً يوجب انفصال أحدهما عن الآخر، وأن يصلح بصلاحه
ويفسد بفساده فإذا فسد القلب فسد النظر وإذا فسد النظر فسد القلب، وكذلك
في جانب الصلاح