جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة
جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة
أمجد عمران سلهب
[/size]
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه.
إن من مكارم الأخلاق التي بعث بها محمد صلى
الله عليه وسلّم، ذلك الخلق الكريم، خلق الحياء الذي جعله النبي صلى الله
عليه وسلّم من الإيمان، وشعبة من شعبه، ولا ينكر أحد أن من الحياء المأمور
به شرعاً وعُرفاً احتشام المرأة وتخلقها بالأخلاق التي تبعدها عن مواقع
الفتن ومواضع الريب.( العثيمين) فهذه رسالة قصيرة موجهة إلى الأخت المسلمة
تتعلق بمسألة جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة ، ولا يخفى على عاقل
ما عمت به البلوى في كثير من بلاد المسلمين من تبرج كثير من النساء وعدم
التزامهن بالجلباب، ولا شك أن هذا منكر عظيم، وسبب لنزول العقوبات
والنقمات. وفي هذا الرسالة بيان لفرضية الجلباب وفضائله وشروطه، نسأل الله
أن ينفع بها أخواتنا المؤمنات، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أدلة الجلباب من الكتاب والسنة
وفي هذه الأدلة برهان ساطع على وجوب الجلباب، وإفحامٌ واضح لمن زعم أنه عادة موروثة أو أنه خاصٌّ بعصور الإسلام الأولى.
أولاً: أدلة الجلباب من القرآن:
الدليل الأول: قوله تعالى: وَقُل للمُؤمِنَاتِ
يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِن وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُن وَلاَ يُبدِينَ
زِينَتَهُن إِلا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِن عَلَى
جُيُوبِهِن وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُن إلى قوله: وَلاَ يَضرِبنَ
بِأَرجُلِهِن لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِن وَتُوبُوا إِلَى
اللهِ جَمِيعاً أَيهَا المُؤمِنُونَ لَعَلكُم تُفلِحُونَ (النور:30).
قالت عائشة رضي الله عنها: { يرحم الله نساء
المهاجرات الأُول؛ لما أنزل الله: وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِن عَلَى
جُيُوبِهِن شققن مروطهن فاختمرن بها }( رواه البخاري).
الدليل الثاني: قوله تعالى: يأَيهَا النبِي
قُل لأزواجِكَ وَبَناَتِكَ وَنِسَاء المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِن مِن
جَلابِيبِهِن ذلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلاَ يُؤذَينَ وَكَانَ اللهُ
غَفُوراً رحِيماً )الأحزاب:59(.
الدليل الثالث: قوله تعالى: وقَرنَ فِي بُيُوتِكُن وَلاَ تَبَرَّجنَ تَبَرجَ الجاَهِلِيةِ الأولَى )الأحزاب:33(.
أدلة الجلباب من السنة
الدليل الأول: في الصحيحين أن عمر بن الخطاب
قال: يا رسول الله، احجب نساءك. قالت عائشة: فأنزل الله آية الحجاب.
وفيهما أيضاً: قال عمر: يا رسول الله، لو أمرتَ أمهات المؤمنين بالحجاب.
فأنزل الله آية الحجاب. الدليل الثاني: عن ابن مسعود عن النبي قال:
{المرأة عورة }) الترمذي وصححه الألباني(.
الدليل الثالث: عن ابن عمر رضي الله عنهما
قال: قال رسول الله :{ من جرَّ ثوبه خُيَلاء لم ينظر الله إليه يوم
القيامة } فقالت أم سلمة رضي الله عنها: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ قال: {
يرخين شبراً } فقالت: إذن تنكشف أقدامهن. قال: { فيرخينه ذراعاً لا يزدن
عليه }) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح(.
شروط الجلباب الشرعي
1-استيعاب جميع البدن إلا ما استثني. ( وهو الوجه والكفان)
وَقُل للمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِن
وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُن وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُن إِلا مَا ظَهَرَ مِنهَا
وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِن عَلَى جُيُوبِهِن وَلاَ يُبدِينَ زِينَتَهُن إلى
قوله: وَلاَ يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِن لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِن
وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيهَا المُؤمِنُونَ لَعَلكُم تُفلِحُونَ
(النور:30). قال ابن حزم في (المحلى): (( فأمرهن الله تعالى بالضرب
بالخمار على الجيوب، وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر، وفيه نص على
إباحة كشف الوجه لا يمكن غير ذلك)).
والخمار: هو غطاء الرأس
والجلباب: هو رداء ولملاءة التي تلتحف به المرأة فوق ثيابها ساتر من القرن(أي الرأس) إلى القدم.
والوجه: هو من منبت شعر الرأس إلى أسفل الذقن، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن.
واعلم أن هذا الجمع بين الخمار والجلباب من
المرأة إذا خرجت قد أخل به جماهير النساء المسلمات فإن الواقع منهن إما
الجلباب وحده على رؤوسهن أو الخمار وقد يكون غير سابغ في بعضهن كالذي يسمى
اليوم ب ( الإشارب ) بحيث ينكشف منهن بعض ما حرم الله عليهن أن يظهرن من
زينتهن الباطنة كشعر الناصية أو الرقبة مثلا .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (
شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل
الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث
على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال :
تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء ( أي : جالسة في
وسطهن ) سفعاء الخدين ( أي : فيهما تغير وسواد ) فقالت : لم يا رسول الله ؟
قال : لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير قال : فجعلن يتصدقن من حليهن
يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتمهن ) رواه مسلم.
والحديث واضح الدلالة على جواز كشف الوجه، وإلا لما استطاع الراوي أن يصف تلك المرأة بأنها: سفعاء الخدين.
مشروعية ستر الوجه
وليعلم أن ستر الوجه والكفين له أصل في السنة
وقد كان ذلك معهودا في زمنه صلى الله عليه وسلم وأن نساءه كن يفعلن ذلك
وقد استن بهن فضليات النساء بعدهن.
فهو فرض على أمهات المؤمنين لقوله تعالى:{
وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ
ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ }. الأحزاب 33 . قال
القاضي عياض : فرض الحجاب مما اختصصن به (أي: أمهات المؤمنين)، فهو فرض
عليهن بلا خلاف في الوجه والكفين.
فقد كان ذلك معهودا في زمنه صلى الله عليه
وسلم كما يشير إليه صلى الله عليه وسلم بقوله : ( لا تنتقب المرأة المحرمة
ولا تلبس القفازين ) رواه البخاري.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان الركبان
يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا
أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه ) صحيح أبو
داود.
2-أن لا يكون زينة في نفسه.
لقوله تعالى في الآية المتقدمة من سورة النور :
( ولا يبدين زينتهن ) [ النور : 31 ] فإنه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة
إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجال إليها ويشهد لذلك قوله تعالى في [
الأحزاب : 33 ] :
( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى )
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا تسأل
عنهم : رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا وأمة أوعبد أبق فمات
وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤونة الدنيا فتبرجت بعده فلا تسأل عنهم )
( صحيح الأدب المفرد ).
والتبرج : أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجل )
والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة وهذا كما ترى بين لا يخفى.
واعلمي أنه ليس من الزينة في شيء أن يكون ثوب
المرأة الذي تلتحف به ملونا بلون غير البياض أو السواد كما يتوهم بعض
النساء الملتزمات.
3-أن يكون صفيقا لا يشف .
وصفيق: هو السميك، الكثيف.لأن الستر لا يتحقق إلا به وأما الشفاف فإنه يزيد المرأة فتنة وزينة وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم :
( سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العنوهن فإنهن ملعونات ) زاد في حديث آخر :
( لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا )
قال ابن عبد البر :
( أراد صلى الله عليه وسلم النساء اللواتي
يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر فهن كاسيات بالاسم عاريات
في الحقيقة ) .
4- أن يكون فضفاضا غير ضيق .
لأن الغرض من الثوب إنما هو رفع الفتنة ولا
يحصل ذلك إلا بالفضفاض الواسع وأما الضيق فإنه وإن ستر لون البشرة فإنه
يصف حجم جسمها أو بعضه ويصوره في أعين الرجال وفي ذلك من الفساد والدعوة
إليه ما لا يخفى فوجب أن يكون واسعا وقد قال أسامة بن زيد : ( كساني رسول
الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها
امرأتي فقال : مالك لم تلبس القبطية ؟ قلت : كسوتها امرأتي فقال : مرها
فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها ) الثمر المستطاب. فقد
أمر صلى الله عليه وسلم بأن تجعل المرأة تحت القبطية غلالة - وهي شعار
يلبس تحت الثوب - ليمنع بها وصف بدنها والأمر يفيد الوجوب كما تقرر في
الأصول ولذلك قال الشوكاني في شرح هذا الحديث ( 2 / 97 ) ما نصه : (
والحديث يدل على أنه يجب على المرأة أن تستر بدنها بثوب لا يصفه وهذا شرط
ساتر العورة وإنما أمر بالثوب تحته لأن القباطي ثياب رقاق لا تستر البشرة
عن رؤية الناظر بل تصفها ).
فليتأمل في هذا مسلمات هذا العصر اللاتي يلبسن
من هذه الثياب الضيقة التي تصف نهودهن وخصورهن وألياتهن وسوقهن وغير ذلك
من أعضائهن ثم ليستغفرن الله تعالى وليتبن إليه وليذكرن قوله صلى الله
عليه وسلم
( الحياء والإيمان قرنا جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر ). ( صحيح الأدب المفرد ).
5- أن لا يكون مبخرا مطيبا .
لأحاديث كثيرة تنهى النساء عن التطيب إذا خرجن من بيوتهن فعن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية ) صحيح النسائي.
وعن موسى بن يسار عن أبي هريرة :
( أن امرأة مرت به تعصف ريحها فقال : يا أمة
الجبار المسجد تريدين ؟ قالت : نعم قال : وله تطيبت ؟ قالت : نعم قال :
فارجعي فاغتسلي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( ما من امرأة تخرج إلى المسجد تعصف ريحها فيقبل الله منها صلاة حتى ترجع إلى بيتها فتغتسل ) الصحيحة.
6-أن لا يشبه لباس الرجل .
لما ورد من الأحاديث الصحيحة في لعن المرأة
التي تتشبه بالرجل في اللباس أو غيره . وإليك ما نعلمه منها : عن أبي
هريرة قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة
والمرأة تلبس لبسة الرجل ) صحيح سنن أبي داود
وعن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : ( ثلاث لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم
القيامة : العاق والديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث ) صحيح
النسائي
وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على تحريم تشبه النساء بالرجال وعلى العكس وهي عامة تشمل اللباس وغيره.
7- أن لا يشبه لباس الكافرات.
ما تقرر في الشرع أنه لا يجوز للمسلمين -
رجالا ونساء - التشبه بالكفار سواء في عباداتهم أو أعيادهم أو أزيائهم
الخاصة بهم، قال تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا
يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ
الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}الحديد 17
. قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية: ( ولهذا نهى الله المؤمنين أن
يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية ).
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ( رأى
رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال : إن هذه من ثياب
الكفار فلا تلبسها ) أخرجه مسلم.
8- أن لا يكون لباس شهرة .
لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب
مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارا ) صحيح أبي داود.
لباس المرأة أمام النساء المسلمات
عموم أدلة الشرع الدالة على أن النساء عورات
يجب سترهن ، ومن ذلك ما رواه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما عن
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( المرأة
عورة ) ، فدل هذا الحديث على أن الأصل في المرأة أنها عورة فلا يستثنى
إلا ما دل الدليل عليه ، وقد دل عمل الصحابة أن للمرأة أن تظهر للمرأة ما
يظهر منها غالبا كالوجه واليدين والقدمين والشعر والجيد ونحوها ، أما عدا
ذلك فلم يرد دليل على جواز إظهاره للنساء أو المحارم بل هو على الأصل في
المنع ، وهذا الذي تدل عليه أقوال الصحابة فيما تظهره المرأة أمام المحارم
لباس المرأة أمام النساء الكافرات
فعورتها جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين فإنهما ليسا بعورة.
كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
يجب على كل مسلم أن يتقي الله فيمن تحت ولايته
من النساء فلا يتركهن يلبسن ما حرمه الله ورسوله من الألبسة الخالعة
والكاشفة والفاتنة وليعلم أنه راع ومسئول عن رعيته يوم القيامة لحدبث
الرسول صلى الله عليه وسلم:( كلكم راع ومسئول عن رعيته فالإمام راع ومسئول
عن رعيته والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته والمرأة في بيت زوجها
راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته
قال فسمعت هؤلاء من النبي صلى الله عليه وسلم وأحسب النبي صلى الله عليه
وسلم قال والرجل في مال أبيه راع ومسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول
عن رعيته) صحيح البخاري