نماذج من الآداب الفاضلة وضدها محمد بن صالح العثيمين
نماذج من الآداب الفاضلة وضدها
محمد بن صالح العثيمين
الحمد لله
الذي أرسل رسله بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن
ربهم إلى صراط العزيز الحميد الله، الذي له ما في السماوات وما في الأرض،
فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وهدى به إلى صراط مستقيم، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة من العذاب
الأليم والفوز بالنعيم المقيم، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله المصطفى
الكريم صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
وسلم تسليماً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله
–تعالى-؛ وتخلقوا بمكارم الأخلاق، وتجنبوا أراذلها، فإنكم إن فعلتم ذلك
هديتم إلى سنة نبيكم، ونلتم سعادة الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون: لقد جاء
الإسلام آمراً، وداعياً، ومرغباً في مكارم الأخلاق، وناهياً، ومحذراً عن
مساوئ الأخلاق، ألا وإن من مكارم الأخلاق لزوم الصدق في الأقوال والأفعال،
فإن الصدق يهدي إلى البر، والبر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق،
ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، ولقد أمر الله بالصدق، وأثنى على
أهله فقال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، وقال: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ
وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ* لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ
عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ). ولقد رفع الله للصادقين
ذكرهم في حياتهم، وبعد مماتهم، فكانوا محل ثقة الناس، وبذكرهم تطيب
المجالس، ويثنى عليهم. ألا وإن من مساوئ الأخلاق أن يكون الإنسان كاذباً
في قوله وفعله، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار،
ولا يزال الرجل يكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، ولقد أخبر
الله - تعالى - في كتابه أن الكذب من صفات من لا يؤمنون بالله فقال -
تعالى -: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ
بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ)، وقد جعل النبي - صلى
الله عليه وسلم - الكذب من علامات النفاق، فقال: ((آية المنافق ثلاث: إذا
حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان))، والله - سبحانه وتعالى - بحكمته
وضع الكاذبين في الموضع اللائق بهم، فكانوا محلاً للقدح وعدم الثقة، وذلك
جزاء الكاذبين. ألا وإن من مكارم الأخلاق أن يعامل الرجل الناس بالنصيحة
والمعاملة الحسنة، يعاملهم بما يجب أن يعاملوه به يعاملهم بالصراحة، فلا
يخون، ولا يغدر، ولا يغش، فالخيانة والغدر، والغش أخلاق ذميمة يحذر منها
الدين، ويستقبحها كل عقل سليم، وهي من الفساد في الأرض، وقد أخبر الله -
تعالى - في كتابه أن الله لا يهدي كيد الخائنين، ولا يصلح عمل المفسدين،
وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به،
ويخزى به بين الناس، يقال: ((هذه غدرة فلان ابن فلان))، وقال - صلى الله
عليه وسلم -: ((من غشنا فليس منا))، وقال: ((ما من عبد يسترعيه الله - عز
وجل - رعية يموت يوم يموت، وهو غاش رعيته، إلا حرم الله عليه الجنة)).
أيها المسلمون: إن من
المؤسف جداً أن يتخذ بعض المسلمين من هذه الأخلاق الذميمة أخلاقاً له،
فيهلك نفسه، ويحط معنويته، وينقص إيمانه، لقد كان بعض الناس يتخذ الكذب
شطارة ومهارة، فيقابل هذا بوجه، وهذا بوجه، وشر الناس ذو الوجهين ثم يفتي
نفسه بأن الكذب مباح إلا ما كان يتضمن أكلاً للمال، فيجمع بين الكذب على
الناس، والكذب على الشريعة، وإن من أقبح الكذب أن يقرن الكاذب قوله
باليمين الكاذبة، وأقبح من ذلك أن يتضمن كذبه أكلاً للمال بالباطل أيضاً،
فيجتمع له ثلاث مساوئ الكذب، والحلف عليه، وأكل المال بغير حق، وفي
الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من حلف على يمين يقتطع
بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان))، وهذا ربما
يوجد عند البيع والشراء والخصومة، تجده أنه يحلف أنها سميت كذا وكذا، وهو
يكذب، ولكن قصده أن يأخذ من أموال الناس زيادة ثمن، تجده يحلف عند القاضي
أن ليس في ذمته لفلان كذا، وهو كاذب، ويرى بعض الناس أن الغش والخداع حذق
وعقل وغنيمة وكسب، فيفرح إذا غش غيره، أو خدعه، ويرى أن ذلك منقبة له
ورفعة، والواقع أن الغش سفه، وغرم ووضيعة وهلاك وخسارة، فاتقوا الله أيها
المسلمون، والزموا الأخلاق الفاضلة، وتجنبوا الأخلاق السافلة، وأطيعوا
الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.
وفقني الله وإياكم لمكارم
الأخلاق ومحاسن الأعمال، ورزقنا الصدق في الأقوال والأعمال، وجنبنا
منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء إنه جواد كريم