يقول ابن القيم رحمه الله "جلاء الأفهام" (1/424) :
" والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كانت من أفضل الأعمال وأحبها إلىالله تعالى ، فلكل ذكر موطن يخصه لا يقوم غيره مقامه فيه ، قالوا ولهذا لا تشرعالصلاة عليه في الركوع ولا السجود ولا قيام الاعتدال من الركوع "انتهى.
نعم ، وردت أحاديث في التشديد في أمر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنها:
عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْيُصَلِّ عَلَيَّ ) رواه الترمذي (3546)وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1/35)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(
رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ )رواه الترمذي (3545) وصححه الألباني في صحيحالترمذي .
لكن العلماء شرحوا وبينوا مقاصد هذه الأحاديث :
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (11/168-169) :
" وقد تمسك بالأحاديث المذكورة من أوجب الصلاة عليه كلما ذكر ؛ لأن الدعاء بالرغموالإبعاد والشقاء والوصف بالبخل والجفاء يقتضي الوعيد ، والوعيد على الترك منعلامات الوجوب .وأجاب من لم يوجب ذلك بأجوبة : منها أنه قول لا يعرف عن أحد من الصحابة والتابعين ،فهو قول مخترَع ، ولو كان ذلك على عمومه للزم المؤذن إذا أذن ، وكذا سامعه ، وللزمالقارئ إذا مر ذكره في القرآن ، وللزم الداخل في الإسلام إذا تلفظ بالشهادتين ،ولكان في ذلك من المشقة والحرج ما جاءت الشريعة السمحة بخلافه ، ولكان الثناء علىالله كلما ذكر أحق بالوجوب ولم يقولوا به ، وقد أطلق القدوري وغيره من الحنفية أنالقول بوجوب الصلاة عليه كلما ذكر مخالف للإجماع المنعقد قبل قائله ؛ لأنه لا يحفظعن أحد من الصحابة أنه خاطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله صلى اللهعليك ، ولأنه لو كان كذلك لم يتفرغ السامع لعبادة أخرى .
وأجابوا عن الأحاديث بأنها خرجت مخرج المبالغة في تأكيد ذلك وطلبه ، وفي حق مناعتاد ترك الصلاة عليه ديدنا " انتهى.
إذن فجميع الأحاديث الواردة في هذا الباب المقصود بها المواطن المشروعة ، أو فيالمجالس التي يطلق فيها ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس المقصود منها إطلاقالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الشهادتين .
يقول ابن القيم في "جلاء الأفهام" (1/393-394) في نقله وجوه الرد على من قال بوجوبالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اسمه :
"
أحدها : أنه من المعلوم الذي لا ريب فيه أن السلف الصالح الذين هم القدوة لم يكنأحدهم كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يقرن الصلاة عليه باسمه ، وهذا في خطابهمللنبي أكثر من أن يذكر ، فإنهم كانوا يقولون : يا رسول الله . مقتصرين على ذلك ،وربما كان يقول أحدهم صلى الله عليك ، وهذا في الأحاديث ظاهر كثير . فلو كانتالصلاة عليه واجبة عند ذكره لأنكر عليهم تركها .
الثاني : أن الصلاة عليه لو كانت واجبة كلما ذكر لكان هذا من أظهر الواجبات ،ولبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بيانا يقطع العذر وتقوم به الحجة .
الثالث : أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم هذا القول ، ولايُعرَف أن أحدا منهم قال به .
الرابع : أنه لو وجبت الصلاة عليه عند ذكره دائما لوجب على المؤذن أن يقول : أشهدأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا لا يشرع له في الأذان فضلا أن يجبعليه .
الخامس : أنه كان يجب على من سمع النداء وأجابَهُ أن يصلي عليه ، وقد أمر السامع أنيقول كما يقول المؤذن ، وهذا يدل على جواز اقتصاره على قوله : أشهد أن لا اله إلاالله واشهد أن محمدا رسول الله . فإن هذا مثل ما يقول المؤذن "انتهى باختصار.
لذلك جاء في كتب الفقه مواضع مما يكره فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :
جاء في "تحفة المحتاج" من كتب الشافعية (2/65) :
" وَلَوْ قَرَأَ الْمُصَلِّي أَوْ سَمِعَ آيَةً فِيهَا اسْمُهُ صلى الله عليه وسلملَمْ تُسْتَحَبَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ – يعنيالنووي - " انتهى.
ويقول الحافظ ابن حجر الهيتمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/131) :
" وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخَرُ بِنَحْوِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِوَلَمْ نَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّعَرُّضَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَبْلَالْأَذَانِوَلَا إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بَعْدَهُ وَلَمْ نَرَ أَيْضًافِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا تَعَرُّضًا لِذَلِكَ أَيْضًافَحِينَئِذٍ كُلُّ وَاحِدٍمِنْ هَذَيْنِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ فِي مَحَلِّهِ الْمَذْكُورِ فِيهِفَمَنْ أَتَىبِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ مُعْتَقِدًا سُنِّيَّتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّالْمَخْصُوصِ نُهِيَ عَنْهُ وَمُنِعَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ بِغَيْرِدَلِيلٍ ; وَمَنْ شَرَّعَ بِلَا دَلِيلٍ يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ وَيُنْهَى عَنْهُ . "انتهى.
وفي "فتاوى الشيخ ابن باز" رحمه الله (10/334) :
" وكذلك ما يزيده بعض الناس من الصلاة على النبي مع الأذان عندما يقول : ( لا إلهإلا الله ) يزيد : ( الصلاة على النبي ) رافعا بها صوته مع الأذان أو في المكبر ،فهذا لا يجوز وبدعة أيضا " انتهى باختصار.
لكن إن فعل السامع ذلك أحيانا ، لا على وجه الالتزام ، أو اعتباره من الأذكارالمقيدة بهذه الحال ، أو من ترديد الأذان المشروع ؛ فنرجو أن لا يكون بأس ، ولا يصلالأمر فيه إلى حد البدعة إن شاء الله .
والله أعلم .
منقول من موقع بلغو عنى ولو اية