من أخطائنا في رمضان
من أخطائنا في رمضان
كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فشهر رمضان شهر الاجتهاد في العبادات والطاعات، والتقرب إلى الله -تعالى- بما يحب؛ لذا ينبغي على العبد فيه أن يكون في أفضل أحواله، وأن يُري الله -تعالى-
منه كل خير ما استطاع؛ ولهذا فمن باب التناصح والتعاون على الخير، نذكر
بعض الأخطاء والبدع التي تقع في رمضان، آملين أن يتجنبها الصائمون؛ ليسلم
عملهم في رمضان منها، وهي متنوعة؛ منها: ما يتعلق بالاعتقادات والعبادات،
ومنها: ما يتعلق بالأقوال والسلوكيات، وتختلف في أحكامها، فمنها: ما هو
حرام، ومنها: ما هو مكروه، والمسلم في رحلته عبر الحياة -خاصة في رمضان-
عليه أن يجتهد في السلامة من كل ذلك قل أو كثر، فمن ذلك:
- التساهل في الأخذ بالأحاديث الضعيفة -بل والموضوعة- ونشرها بين الناس؛ بدعوى الحثّ على الخير في شهر رمضان، فتتناقلها الألسن، وتـُلقى على الأسماع في الدروس الرمضانية والخطب، وتبليغ سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتعليمها للناس قربة وعبادة، ونسبة حديث للنبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقله خطأ كبير؛ إذ يجب بينان ضعفه، أما الأحاديث الموضوعة فلا تذكر إلا ببيان أنها موضوعة، وفي الحديث المرفوع المتواتر: (مَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) (متفق عليه)؛ لذا وجب التثبت من كل حديث يُنسب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ويعلم للناس، وهل يليق بالصائم العابد أن ينسب للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله؟!
والعمل بالأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال عند القائلين بجوازه له ضوابط ينبغي التقيد بها فلتراجع، وأما في الأحكام والمعتقدات فلا.
وللأسف فهناك العشرات من الأحاديث الضعيفة والموضوعة يتداولها الناس بلا نكير في رمضان، فوجب التثبت والتحري، فمن أمثلة ذلك:
حديث سلمان الفارسي -رضي الله عنه- المرفوع الطويل وفيه: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
آخر يوم من شعبان فقال: يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر فيه ليلة
خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعًا، من تقرب فيه
بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن
أدى سبعين فريضة فيما سواه... " الحديث، وهو مما يُلقى على المنابر، وتخصص
له الدروس والمجالس في رمضان، وقد ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم:
"871".
والحديث المرفوع: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
إذا دخل رجب قال: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان"، بيَّن
بطلانه الحافظ "ابن رجب الحنبلي" في رسالته: "تبيين العجب بما ورد في فضل
رجب".
والحديث المرفوع: "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي"، لا يصح كما بينه الحافظ في: "تبيين العجب".
وحديث: "صوموا تصحوا" ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة برقم: "253".
وحديث:
"شهر رمضان معلق بين السماء والأرض، ولا يرفع إلى الله إلا بزكاة الفطر"،
ضعفه ابن الجوزي، وابن حجر، وهو في السلسة الضعيفة، وضعيف الجامع للألباني.
وحديث:
"من اعتكف عشرًا في رمضان كان كحجتين وعمرتين"، حديث موضوع كما ذكر
الألباني في السلسة الضعيفة والموضوعة برقم: "518"، وفي ضعيف الجامع
الصغير، وضعيف الترغيب والترهيب.
وهذا باب واسع يجب التنبيه عليه والتحذير منه، وتوجيه العباد إلى ما صح من حديث وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ومن الأخطاء:
الغفلة عن تعويد الأولاد على الصيام من الصغر، وتعهد الأولاد وتدريبهم على
العبادات الواجبة من الصغر مما أمر به الدين؛ خاصة "الصلاة، والصيام"، كما
بيَّنه العلماء، فيؤمر الصبي بالصلاة لسبع سنين، ويضرب عليها لعشر، كما
أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأخبرت الربيع بنت معوذ -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: (مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ).
قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ، وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا،
وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ
عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ
الإِفْطَارِ. (متفق عليه).
فيغرس
في الصغير حب الصيام، والتعود عليه بالترغيب في ثوابه، والثناء على
الممتثل به مع إمكانية التدرج فيه خاصة مع طول النهار وشدة الحر، فهذا
يصوم إلى ما بعد الظهر، وذاك إلى العصر حتى يصل به الأمر تدريجيًا إلى
صيام اليوم كله بحسب القدرة.
وللأسف فإن أكثر المجاهرين بالفطر في رمضان من العصاة: إنما اعتاد الفطر من صغره، ولم يُدرب عليه، ويُسأل عنه فاستثقله.
ومن الأخطاء: الانشغال بالمبادرة إلى الطعام والشراب عند سماع أذان المغرب فلا يردد المرء الأذان مع المؤذن، وفي الحديث المرفوع في الصحيحين: (إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ) (متفق عليه)، فيضيع على الصائم ثواب الترديد، والكثيرون يتركون صلاة المغرب في المسجد في جماعة، في رمضان؛ بحجة تناول الإفطار، وهذا خلاف هديه -صلى الله عليه وسلم-،
فيتناول الصائم ما يذهب عطشه، ويسد جوعه، ويصلي في جماعة المسجد، ويعود
لبيته فيستكمل طعامه وشرابه، فينال ثواب الجماعة مع ما في ذلك من إراحة
معدته، والتدرج بها على ألا يملأ معدته بالطعام فيثقل عليه قيام الليل،
والاجتهاد بالعبادة فيه.
ومن الأخطاء:
ترك الركعتين السنة البعدية بعد صلاة العشاء وهي سنة مؤكدة في رمضان
وغيره، والكثيرون يصلون العشاء، ثم يقومون لصلاة التراويح فلا يصلوا ركعتي
سنة ما بعد صلاة العشاء، ويغفلون عنها طوال شهر رمضان، مع مواظبتهم عليها
في غير رمضان.
ومن الأخطاء في صلاة التراويح:
حمل المأمومين للمصاحف ينظرون فيها متتبعين فيها ما يقرأ الإمام بهم في
الصلاة، فيترك المصلي ما أمر به من وضع يده اليمنى على يده اليسرى في
الصلاة، كما في الحديث عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-: (كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ) قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ يَنـْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-. (رواه البخاري)، وينشغل بحمل المصحف ووضعه، وتقليب صفحاته، والواجب عليه الاستماع والإنصات لقراءة الإمام، والانشغال بتدبر وفهم ما يسمع.
ومما يحتاج لتصحيحه قولهم: "رمضان كريم"؛ يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- عن هذه الكلمة:
"حكم ذلك أن هذه الكلمة "رمضان كريم" غير صحيحة، وإنما يقال: "رمضان
مبارك"، أو ما أشبه ذلك؛ لأن رمضان ليس هو الذي يُعطي حتى يكون كريمًا،
وإنما الله هو الذي وضع فيه الفضل، وجعله شهرًا فاضلاً، ووقتـًا لأداء ركن
من أركان الإسلام" اهـ..