نهارك في رمضان
وفيه
تنشيط لهذه الأمة، بأنه ينبغي لكم أن تنافسوا غيركم في تكميل الأعمال،
والمسارعة إلى صالح الخصال، وأنه ليس من الأمور الثقيلة، التي اختصيتم بها.
ثم ذكر -تعالى- حكمته في مشروعية الصيام فقال: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى؛ لأن فيه امتثال أمر الله، واجتناب نهيه.
فمما اشتمل عليه من التقوى:
أن الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب، والجماع، ونحوها، التي
تميل إليها نفسه، متقربًا بذلك إلى الله، راجيًا بتركها، ثوابه، فهذا من
التقوى.
ومنها:
أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله -تعالى-، فيترك ما تهوى نفسه، مع
قدرته عليه؛ لعلمه باطلاع الله عليه، ومنها: أن الصيام يضيق مجاري
الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام يضعف نفوذه، وتقل منه
المعاصي.
ومنها: أن الصائم في الغالب، تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى.
ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع، أوجب له ذلك، مواساة الفقراء المعدمين، وهذا من خصال التقوى" انتهى من التفسير ص86.
- وتحفظ لصومك؛
فاحفظه من الآثام، من الاتساع في النظر إلى كل ما يُذم ويكره، وإلى كل ما
يشغل القلب، ويلهي عن ذكر الله -عز وجل-، قال الله -تعالى-: (قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ
ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُلْ
لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ
فُرُوجَهُنَّ... ) (النور:30-31).
واحفظ لسانك:
عن الكذب، والغيبة، والنميمة، والفحش، والخصومة، والجفاء، والمراء، واشغله
بذكر الله -تعالى-، وتلاوة القرآن، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
واحفظ سمعك عن الإصغاء لكل ما يكره؛ لأن ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه،
ولذلك سوَّى الله -عز وجل- بين المستمع وآكل السحت، فقال -تعالى-: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) (المائدة:42).
وقال الله -تعالى-: (وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
مُهِينٌ) (لقمان:6)،
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "هو والله الغناء"، وكذا قال ابن عباس -رضي
الله عنهما-، وجابر، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، ومكحول، وعمرو بن
شعيب، والحسن البصري، واختار ابن جرير: أنه كل كلام يصد عن آيات الله،
واتباع سبيله" انتهى من تفسير ابن كثير 3/457.
وقال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (الفرقان:72).
قيل:
الكذب والفسق، والكفر، واللغو والباطل، وقال محمد بن الحنفية: اللغو
والغناء، وقال أبو العالية، وطاوس، وابن سيرين، والضحاك، والربيع بن أنس،
وغيرهم: هو أعياد المشركين.
وقيل: الكذب متعمدًا على غيره.
قال ابن كثير -رحمه الله-: "والأظهر من السياق أن المراد: لا يشهدون الزور، أي: لا يحضرونه؛ ولهذا قال: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) أي: لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مرُّوا، ولم يتدنسوا منه بشيء؛ ولهذا قال: (مَرُّوا كِرَامًا)" انتهى من تفسير ابن كثير بتصرف.
- واحفظ يدك، ورجلك عن البطش بالحرام، أو مدها للحرام، أو السعي برجليك إلى الحرام.
- واحفظ بطنك عن الحرام؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ، وَكَمْ مِنْ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)،
قيل: هو الذي يفطر على الحرام، وقيل: هو الذي يمسك عن الطعام الحرام،
ويفطر على لحوم الناس بالغيبة وهو حرام، وقيل: هو الذي لا يحفظ جوارحه عن
الآثام.
- ولقد كان سلفنا -رضي الله عنهم- يتحفظون لصومهم؛ كانوا إذا صاموا جلسوا في المساجد ويقولون: "نحفظ صومنا، ولا نغتاب أحدًا".
- قال عمر -رضي الله عنه-: "ليس الصيام من الشراب والطعام وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو".
- وقال أبو ذر -رضي الله عنه-: "إذا صمت فتحفظ ما استطعت".
- وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المساجد، وقالوا: "نطهر صومنا".
- وكان طلق بن حبيب -رحمه الله- في يوم صومه يدخل بيته، فلا يخرج إلا لصلاة