رمضان شهر تنوير المساجد بالطاعات
رمضان شهر تنوير المساجد بالطاعات
سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
أخي: فكما أن رمضان موسم لك للطاعات، فكذلك المساجد، فإن رمضان موسم لها، تنتظره من العام إلى العام، كما تنتظر أنت رمضان.
ألا ترى كيف تعمر المساجد في رمضان بالقائمين، والساجدين، والمعتكفين، والمجتهدين؟
نعم..إنه شهر تنوير المساجد بالطاعات، فحق لها أن تزهر وتفرح.
ـ فهذا وقت التراويح، قد اجتمع المصلون فيها لتلاوة كتاب ربهم في صلاتهم.
ـ وهذا وقت التهجد، قد فزع إليها المجتهدون؛ ليعمروها بالصلاة والناس نيام.
ـ وهذا وقت السحر، قد بكر فيه أهل الفجر بالحضور؛ ليعمروها بالدعاء، والصلاة، والتضرع في وقت النزول الإلهي.
ـ وهذا وقت انتظار شروق
الشمس، قد عمره الحجاج والمعتمرون كل يوم بالانتظار فيها، والدعاء، والذكر
حتى طلوع الشمس، ثم ختموا ذلك بالصلاة.
ـ وهذا وقت النهار، يرتادها المصلون، والتالون لكتاب الله في كل ساعة، معمرين نهار رمضان.
ـ وهذه أيام العشر
ولياليها، قد عكف فيها المنقطعون لعبادة ربهم، ما بين صلاة، وذكر، وتلاوة،
ودعاء، قال -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ
وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ
وَالآصَالِ. رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ
اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا
تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ. لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ
أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ
مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (النور: 36-38).
أخي.. تلك البيوت التي أذن الله أن ترفع، هي المساجد.
المساجد.. التي هي هذه البقاع الأرضية الطاهرة، التي ترفرف حولها وعليها الملائكة.
هذه الأماكن المقدسة التي
تشهد تربتها كل يوم خمس مرات هذه الجباه الساجدة الضارعة لبارئها، هذه
الأماكن التي هي مهابط رحمة الله ورضوانه على ظهر هذه الأرض التي امتلأت
بالقسوة، والظلم، والخطايا.
هذه الأماكن التي يهرع
ويفزع إليها المؤمنون من مادية الزمان الطاغية؛ ليجدوا السكينة والطمأنينة
بين رحابها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَحَبُّ الْبِلاَدِ
إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ
أَسْوَاقُهَا)) (رواه مسلم)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
((الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ مُؤْمِن)) (أخرجه أبو نعيم في الحلية، وحسنه
الألباني).
ـ ولذا رغب النبي - صلى
الله عليه وسلم - المؤمنين في بناء المساجد، فقال - صلى الله عليه وسلم -:
((مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ - تعالى -بَنَى اللَّهُ - عز وجل - لَهُ
بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)) (متفق عليه).
ـ وكان - صلى الله عليه
وسلم - يرغب أصحابه في كثرة الارتياد على المسجد، فقال - صلى الله عليه
وسلم -: ((مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ
فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ)) (متفق عليه).
ـ وانظر إلى تعلقه
بالمسجد، يقول عنه جابر بن سمرة -رضي الله عنه-: ((كَانَ إِذَا صَلَّى
الْفَجْرَ جَلَسَ فِي مُصَلاَّهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسَنًا))
(رواه مسلم).
ـ ولقد بشر الصادق
المصدوق - صلى الله عليه وسلم - أمته ببشارة عظيمة يوم القيامة، لمن ارتبط
بالمسجد وتعلق به؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ
اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ
الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ
مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ
اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ
امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ.
وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ
يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ)) (متفق
عليه)، فذكر منهم: ((وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ)).
أخي.. لقد ظهر ذلك في أحوال أصحابه وسلف الأمة -رضي الله عنهم- فتعلقت قلوبهم بالمساجد؛ لما علموه من شرفها وفضلها.
ـ ها هو علي بن أبي طالب
-رضي الله عنه- لما حدث بينه وبين فاطمة -رضي الله عنها- خلاف في شأن
الزوجية خرج من بيته، وأوى إلى المسجد فمكث فيه.
ـ وها هو أبو أمامة -رضي
الله عنه- لما أصابته الهموم والغموم، لجأ إلى المسجد فمكث فيه، حتى علمه
النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاء نافعًا يقوله إذا أصابه الهم.
ـ وكان شيخ الإسلام ابن
تيمية - رحمه الله -، إذا سألوا عنه، وجدوه في المسجد، وغيرهم الكثير
والكثير.. تعلقت قلوبهم بالمساجد التي هي أفضل بقاع الأرض وأطهرها.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن تعلقت قلوبهم بالمساجد، فعمروها بالعبادة