مدرسة رمضان التربوية
مدرسة رمضان التربوية
خالد روشه
منذ أن شرع
الله تعالى صيامه وخصه بفضائله، شكّل شهر رمضان المبارك، مدرسة متواصلة
ومستمرة لتربية الأجيال وتهذيبهم، تصقل في كل سنة نفوس الناس، وتزودهم
بشحنات إيمانية، تلهمهم معاني الدين الحنيف، وتثبت في نفسهم صفات المسلم
الحق.
وطالما بقي هذا الشهر
مدرسة للمسلمين في كل مكان وزمان، وجب على الآباء والأمهات اغتنام
الفرصة؛ للعب دور أساسي وهام في توظيف هذا الشهر، طلباً للوصول إلى أسمى
درجات الأخلاق للعائلة، وأملاً في الحصول على الأجر المضاعف من المولى -
عز وجل -.
الأسرة السعيدة:
لن نجد أسرة أسعد من تلك
التي اجتمعت قلوب أفرادها وكلمتهم على التقرب من الله، والتعاضد في سبيل
نيل الأجر والمثوبة منه - سبحانه -.
وكلما كانت الأسرة أكثر قرباً لله - عز وجل - في أفعالها، كانت أكثر تماسكاً وتألفاً ورحمة فيما بينها.
فحبل الله الذي أمرنا أن نعتصم به، هو أمتن الحبال وأقواها، وأكثرها ديمومة وبركة.
وستجد الأسرة المسلمة في
رمضان مدرسة في التعاضد والتقارب، لما لها من اجتماع على مائدة واحدة،
وأداء مناسك واحدة، ورحمة في القلب، وسكينة في النفس.
فرمضان بحقٍ، فرصة لمزيد
من الاهتمام بتربية الأهل والأولاد على البر والإحسان، وعلى كريم الخصال
والأفعال، وعلى تقواه - سبحانه - فحثهم على الصلاة، وترغيبهم في
الصدقات، وتدريبهم على الصيام وتشجيعهم على كثرة الذكر، وعلى تلاوة
القرآن، وسائر الطاعات، كل ذلك يسير في التربية الواجبة في كل حال؛ لأن
النفوس لديها الاستعداد في هذا الشهر أكثر من غيره من مواسم البر، ومواطن
الدعاء وقيام الليل، والاستغفار بالأسحار، ما قد لا يتوافر مثله في سائر
الأزمان.
كيف نستثمر رمضان في تربية الأولاد؟
يتمتع رمضان بخصوصية
الصيام، وفضل القيام وقراءة القرآن وغيرها من العبادات الأخرى، ما يجعله
أفضل الشهور إمكانية لاستثماره بين أفراد الأسرة.
فهو فرصة لتربية الأبناء
على العديد من العادات الحميدة والصفات الإسلامية النبيلة، عبر إقامة
بعض البرامج التربوية في المنزل، ومن ذلك:
الصلاة والمكث في المساجد:
من أفضل العبادات التي
يمكن للإنسان أن يتمتع بها خلال شهر رمضان المبارك، هو لزوم الجماعة في
أداء الصلوات الخمس المفروضة في المساجد والمكث فيه شيئاً من الوقت،
ورمضان فرصة لبدء رحلة الأبناء إلى المسجد، والتعود على صلاة الجماعة،
وربط القلوب بهذه البقعة المباركة.
ويجب مراعاة الأمور التالية في ذلك:
1- عدم الإتيان بالأطفال
ممن لا يفقهون الصلاة أو يلتزموا بها، لكي لا يثير الطفل المتاعب في
المسجد، ويزعج المصلين أثناء صلاتهم، ويشغل الأب عن صلاته.
2- مراعاة إحضار جميع
الأبناء إلى المسجد، وعدم ترك أحد في المنزل بأي حجة، كي لا يكون سبباً
في تقليل همة البقية، أو إحداث خلل في التربية.
3- حضور الصلوات جميعها
في المسجد، وعدم ترك شيء، فالأبناء يتربون على ما يفعله الآباء، فإن ترك
الأب إحدى الصلوات في المسجد، تعود الأبناء على تركها.
4- مراعاة الذهاب إلى
المسجد حال سماع الأذان، أو قبله بوقت قصير، كي يتمكن الأب والأبناء من
تلاوة القرآن وذكر الله في الأوقات المباركة، ونيل أجر انتظار الصلاة.
5- الغاية من الذهاب إلى
المسجد مع الأولاد، تربية الأبناء على الصلوات في المساجد، ولزوم
الجماعة، وطلب الأجر، لذلك على الأب أن يقوم بإخبار أبنائه عن هذه
الفضائل، وشرحها لهم.
قراءة القرآن:
قبل البدء بهذا البرنامج يحسن مراعاة الأمور التالية:
1- الجميع يعلم فضل تلاوة القرآن الكريم وخاصة في رمضان، وسبق الإشارة إلى ذلك.
2- المسلمون في رمضان
تختلف هممهم في تلاوة كتاب الله - عز وجل - فمنهم صاحب الهمة العالية،
ومنهم صاحب الهمة المتوسطة، ومنهم الأقل من ذلك، وقد أعددنا جدولاً
مناسباً لكل واحد منهم.
3- تلاوة جزء واحد من
كتاب الله لصاحب القراءة الطبيعية "الحدر" لا تأخذ أكثر من 20 دقيقة فقط،
أي: ثلث ساعة وهو في الغالب وقت انتظار الصلاة بين الأذان والإقامة،
وهذه هي الطريقة المنتشرة بين الناس.
4- رمضان حالة خاصة
يتطلب من المسلم أن يكون شهره كله ليله ونهاره متلذذاً بكلام ربه
ومناجاته، ولقد روي عن بعض السلف أنه كان يختم في كل ليلة من ليالي رمضان.
5- افترضنا أن وقت انتظار الصلاة عشر دقائق، ومرادنا بذلك وقت التلاوة بعد أداء السنن الرواتب.
وتم توزيع البرنامج وفقاً للجدول التالي:
برنامج تلاوة القرآن في أوقات الدوام، وهي على النحو التالي:
ذكر الله تعالى:
من الأمور التي يجب أن يغتنمها الآباء في رمضان، غرس حب ذكر الله - عز وجل -، في قلوب أبنائهم.
فعندما يرى الأبناء
آباءهم وهم يحرصون قبل غيرهم، على ذكر الله - عز وجل -، والتمسك ببعض
الأذكار والدعية المستحبة، فإنهم سيحبون أن يقلدونهم، فكيف لو شرح الآباء
لأبنائهم معزى ذكر الله تعالى، والأجر الذي يناله العبد على ذلك.
وطالما أن العائلة خلال
رمضان تجلس إلى بعضها أكثر من غيرها من شهور السنة، لذلك وجب استغلال هذه
الأوقات، لتلقين الأبناء بطرق غير مباشرة، الكثير من العبادات.
ومن أسهل هذه الأمور التي قد يتعلمها الأبناء من آبائهم، هي الأذكار، ذلك أنها:
1- لا تتطلب الكثير من الوقت أو الجهد.
2- يمكن أن يرددها الأب وهو جالس أو مشتغل، أو في أي مكان.
3- كثرة المناسبات التي قد يردد فيها الأب الأذكار.
4- تنوع الأذكار، وتنوع الأجر الذي يحصل عليه الإنسان بذلك.
وغيرها.
وفيما يلي، بعضاً من
الأذكار التي يستحسن أن نغتنم رمضان في ترديدها وتعليمها لأبنائنا، وهي
في كل واحدة منها، لا تتعدى الدقيقة الواحدة، منها:
1- في دقيقة واحدة
تستطيع أن تقرأ سورة الفاتحة (5) مرات على الأقل، وفيها أكثر من 7 آلاف
حسنة (عدد أحرف سورة الفاتحة 140 × 10 حسنات للحرف × 5 مرات قراءة).
2- في دقيقة واحدة
تستطيع أن تقرأ سورة الإخلاص (12) مرة سرداً وسراً، وقد أخبر - صلى الله
عليه وسلم - أن قراءتها تعدل ثلث القرآن، فإذا قرأتها (12) مرة فإنها تعدل
قراءة القرآن (4) مرات.
3- في دقيقة واحدة تستطيع أن تقرأ وجهاً من كتاب الله - عز وجل -.
4- في دقيقة تستطيع أن
تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل
شيء قدير (15) مرة، وأجرها كعتق (6) رقاب في سبيل الله من ولد إسماعيل.
5- في دقيقة تستطيع أن
تقول: سبحان الله وبحمده (100) مرة، ومن قال ذلك في يوم غفرت ذنوبه وإن
كانت مثل زبد البحر، كما أخبر - عليه الصلاة والسلام -.
6- تستطيع أن تقول:
سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم (50) مرة، وهما كلمتان خفيفتان على
اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمنكما روى البخاري ومسلم
7- قال - صلى الله عليه
وسلم -: " لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله
أكبر، أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس. " رواه مسلم، في دقيقة واحدة تستطيع
أن تقول هذه الكلمات جميعاً أكثر من (10) مرة..
8- في دقيقة واحدة:
تستطيع أن تقول: " لا حول ولا قوة إلا بالله" أكثر من (40) مرة، وهي كنز
من كنوز الجنة كما في البخاري ومسلم كما أنها سبب عظيم لتحمل المشاق.
9- في دقيقة واحدة:
تستطيع أن تقول: " سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه،
ومداد كلماته، أكثر من (20) مرة، وهي كلمات تعدل أضعافاً مضاعفة من أجور
التسبيح والذكر.
10- في دقيقة: تستطيع أن تستغفر الله أكثر من (100) مرة.
الصدقة:
قال الله تعالى: "يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ
وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ
الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن
تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" [البقرة:
267].
وفي رمضان، فرصة كبيرة لمضاعفة الأجر، وتعليم الأولاد على تقديم الصدقة للفقراء والمساكين، وإطعام الناس ودعم المشاريع الخيرية.
ومن أفضل البرامج التي
يمكن للآباء تعليمها للأبناء هي أن يضعوا "حصالة" في المنزل، على مدار
العام، يضع فيها الجميع ما زاد معهم من مال بسيط من قطع نقدية صغيرة، غير
ما ينفقوه في سبيل الله من صدقات ودعم للمشاريع الخيرية وزكاة وغيرها.
فإذا جاء رمضان، أفرغت
الحصالة مما فيها، وأعيدت إلى مكانها، ويقوم الآباء والأبناء بحمل هذه
النقود معهم خلال شهر رمضان، وإعطاء كل سائل أو محتاج، وتقديمه لبعض
الجمعيات الخيرية أو المساجد، أو المساهمة في مشروع فطار الصائم في الحي،
وغيرها.
كما يتم وضع المال من
جديد في الحصالة، خلال شهر رمضان المبارك، على أن يزيد الأهل من دعمهم
لهذا الصندوق الخيري في المنزل، وفي الأيام الأخيرة من رمضان، يتم فتحه من
جديد، وتوزع الأموال التي فيه في وجوه الخير.
إن استمرار وجود حصالة
في المنزل، يدعم الإحساس لدى الأبناء بضرورة تقديم المال على الدوام
للمحتاجين، وينمي لديهم الدافع للتبرع والصدقة، على مدار العام.
أما فتح الصندوق، وتقديم ما فيه للمحتاجين، فإنه ينمي لدى الأولاد الإحساس بأهمية الصدقة في رمضان، وعظم الأجر والثواب في ذلك.
أطفالنا في رمضان:
لا يستثني الخير في
رمضان أحد، وكذلك على الأسرة أيضاً ألا تستثني الأجر لأحد، حتى ولو كان
طفلاً، فرمضان فرصة عظيمة لذلك، وفيها يحصل الآباء على الأجر مضاعف عدة
مرات.
ولعل أن هذا الشهر يكون
منطلقاً لأطفالنا لكل خير، فكم ابن تخرج من مدرسة رمضان فكان ابناً
مباركاً نافعاً لوالديه ولأمته، فصدق فيه الحديث الصحيح "أو ولد صالح
يدعو له" رواه مسلم، ولا بد أن يكون لهم نصيب وافر من الاهتمام والتقدير،
والاستفادة من هذه الأجواء الإيمانية في غرس العديد من الفضائل، ونزع
العديد من السلوكيات الخاطئة إن وجدت.
وننقل هنا ما نشره (المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في محافظة المجمعة) مما يساعد على تحقيق هذا الأمر، ومن ذلك:
1- التهيئة النفسية
للطفل قبل قدوم رمضان، وذلك بتشويقهم لأيامه ولياليه، وذكر الأجور
والفضائل العظيمة لمن أحسن استغلاله، فإذا تمّت هذه التهيئة فإنها ستُحدث
بإذن الله شعوراً إيمانياً لدى الطفل ينبغي للوالدين استغلاله نحو
الأفضل.
2- تدريبهم على الصيام، ولعل من أحسن الطرق لتدريبهم على صيامه ما يلي:
• إفهام الطفل أن الصوم
فريضة كتبه الله على الأمم قبلنا، وأنا كذلك ركن من أركان الإسلام
الخمسة، وأن عليه أن يشرع في التدريب على أداء الصيام متى أطاق ذلك.
• إقناع الطفل بأنه أصبح كبيراً، ويقتضي ذلك أن يصوم مثل الكبار؛ لأنه أصبح مثلهم، وأداؤه الصيام علامة من علامات كبر سنه.
• إذا اختار يوماً لذلك، أيقظته العائلة للسحور، وشجعته طيلة اليوم على إتمام الصيام.
• إذا أحسّ بالجوع أو العطش فيحسن إشغاله بأعمال تلهيه عن التفكير في الأكل والشرب إلى أن يحين معود الإفطار.
• مكافأته عن كل يوم
يصومه، وقد تكون هذه المكافأة هدية معنوية، مثل: الدعاء له، والتنويه به
على ملأ من أقرانه، أو في حضرة الكبار من أسرته، أو إعطائه شيئاً يحبه
ويرغبه.
• عدم ضربه أو إهانته إذا امتنع عن الصوم.
• تذكيره بفعل أقرانه من أقاربه أو زملائه في المدرسة لهذه الشعيرة تحفيزاً له لمحاكاتهم.
3- الاهتمام بأداء
الصلاة في المسجد، وذلك بتشجيع الأب له واصطحابه إلى المسجد والتبكير
إليها خاصة صلاة التراويح، على ألا يسبب إحضاره للمسجد إزعاجاً للمصلين،
أو إلهاءً لوالده، ويا حبذا لو ترصد عدد من الهدايا والجوائز لأحسن
المحافظين على هذه الشعيرة على مستوى جماعة المسجد توزع في نهاية الشهر
من قبل إمام المسجد.
4- من أعظم الأعمال التي يربى عليها الصغير كتاب الله - عز وجل - فمن ذلك تشجيعه على الاعتناء به بالطرق التالية:
• وضع جائزة لمن ينهي قراءة القرآن كاملاً.
• أن يحدد له ورداً قدراً يومياً يقرؤه في المسجد بعد صلاة العصر مثلاً.
• حثه على المشاركة في الحلقات القرآنية في البلد، ومتابعته على ذلك.
• تعيين مقدار من الحفظ في هذا الشهر مع وضع المحفزات لذلك.
• الإكثار من سماع الأشرطة السمعية لبعض السور، خاصة إذا كان القارئ صغير السن، أو مما يرغب سماعه من القرّاء.
الصدقة: وهي من العبادات
العظيمة في هذا الشهر لما تحدثه من حب الصغير للفقراء والمساكين والعطف
عليهم، بالإضافة إلى انتزاع خصلة البخل والأثرة من قلبه، ولعل من الطرق
التي يربى عليها في هذه العبادة ما يلي:
• إعطاؤه مبلغاً من النقود لأجل صرفه في مجالات الخير المتعددة مع المتابعة.
• إعطاؤه مبلغاً محدداً ليسلمه إلى المحتاج عند باب المسجد أو في الشارع.
• إشراكه في توزيع الطعام على الفقراء المجاورين وغيرهم، وتذكيره دوماً بفضل هذه الأعمال ولا ريب أن لها أثراً كبيراً على الصغير.
• مشاركته في توزيع وجبات إفطار الصائمين، سواء كان في مشاريع إفطار الصائم، أم على بيوت المحتاجين.
5- مشاركة الصغير في المراكز الرمضانية التي تحفظ بإذن الله وقته وتكسبه العديد من المهارات والفوائد المتنوعة.
6- ترغيبه وتشجيعه على
المشاركة في المسابقات المتنوعة الخالية من المحاذير الشرعية، التي تعود
عليه بالفائدة، سواء كانت على مستوى المنزل أو غيره.
7- وضع جوائز مناسبة ومحببة للطفل لكل يوم يمر لم يشاهد فيه التلفاز، وهذا قد يكون بإذن الله بداية النهاية لتركه هذا الجهاز.
8- وضع برامج ممتعة،
أثناء النهار، حتى يشغل وقتهم بما يفيد، وحتى يضمن انصرافهم عن والديهم
الذين يريدون استغلال هذه الأيام بشكل أمثل.
9- لا بد أن يستيقظوا
قبل الساعة الثانية عشرة ظهراً لأجل أن يناموا مبكرين، حتى يستغل
الوالدان والإخوة الكبار وقت السحر وآخر الليل.
10- في أثناء الإفطار
يحسن وضع سفرة خاصة لهم، ويا حبذا أن تكون مكوناتها مثل الكبار، ليتسنى
لغيرهم استغلال الوقت بالدعاء والذكر، والاستغفار.
11- وضع جوائز لمن لا يتكلم بكلام مسيء وبذيء، ومثله للطفل الأقل خطأ، وكذلك عدم إيذاء الجيران والإزعاج أو نحوه.