اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ
كتبه/ سعيد السواح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فإن
رأس مال المسلم في هذه الحياة وقت قصير... أنفس محدودة، وأيام معدودة، فمن
استثمر تلك اللحظات والساعات في الخير فطوبى له، ومن أضاعها وفرط فيها فقد
خسر زمناً لا يعود إليه أبداً، ومن جهل قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه حين
يعرف فيه قدره ونفساته وقيمة العمل فيه، ولكن بعد فوات الأوان حيث لا ينفع
الندم، لذا كان هذا التوجيه من النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (اغْتَنِمْ
خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ
سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ،
وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ) رواه الحاكم والبيهقي، وصححه الألباني.
فعمر
الإنسان هو موسم الزرع في هذه الدنيا، وحصاد ما زرع يكون في الآخرة،
فالواجب على المسلم المبادرة بالأعمال الصالحة قبل انتهاء الأجل وانقطاع
العمل، قبل أن يُحال بينه وبين الصالحات، وإما بمرض أو موت أو شغل، فلا
يبقى إلا الندم على ضياع الوقت وفواته، ولنسمع إلى قول الله -تعالى- لحال الإنسان ساعة الاحتضار: (حَتَّى
إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي
أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا
وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(المؤمنون:99-100).
وكذا في الآخرة حين توفي كل نفس ما عملت وتُجزى بما كسبت (وَلَوْ
تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا
نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(الأنعام:27).
فيبين
لنا خالقنا -سبحانه وتعالى- أنه إذا حيل بين الإنسان والعمل لم يبق إلا
الحسرة والأسف، ويتمنى الرجوع إلى حال يتمكن فيها من العمل فلا تنفعه
الأمنية.
أيها الحبيب:
ما لك بضاعة إلا العمر، ومتى فني رأس المال ووقع اليأس عن التجارة وطلب الربح.
وهذا
اليوم الجديد قد أمهلني الله، وأنسأ في أجلي، وأنعم علي به، ولو توفاني
لكنت أتمنى أن يرجعني إلى الدنيا يوماً واحداً حتى أعمل فيه صالحاً.
فاحسب
أنك قد تُوفيت ثم رددت، فإياك إياك أن تضيع هذا اليوم فيفوتك من درجات
عليين ما يدركه غيره، وتبقى عندك حسرة لا تفارقك، وإن دخلت الجنة فاعلم أخي
الحبيب أن أرباب البصائر عرفوا أن الله لهم بالمرصاد، وأنهم سيناقشون في
الحساب، ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات، وتحققوا أنهم لا
ينجيهم إلا لزوم المحاسبة ومطالبة النفس في الأنفاس والحركات ومحاسبتها عن
الخطرات واللحظات، وتمثلوا قول الله -تعالى-: (يَوْمَ
تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ
مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا
وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ)(آل عمران:30).
وهذا إبراهيم التيمي -رحمه الله- يقول:
"مثلت
نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها وأعانق أبكارها، ثم مثلت
نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها،
فقلت لنفسي: أي نفسي، أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أُرد إلى الدنيا فأعمل
صالحاً، قال: قلت: فأنت في الأمنية، فاعملي".
وحسبنا ما قال ربنا -تعالى-: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا
قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ)(الحشر:18).
فلتسارع قبل أن يُغلق الباب وينادي المنادي... الرحيل... الرحيل، فقد أزفت الآزفة.