بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ
( اختصرته من شرح الشيخ
محمد العثيمين رحمه الله وليس لي فيه غير الاختصار ليسهل تداوله
والانتفاع به واستحضار معاني الدعاء حال القنوت)
متن الحديث : ورد في مسند الإمام أحمد عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علَّمني
رسول الله صلى الله عليه وسلّم كلمات أقولهن في قنوت الوتر: «اللهم
اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما
أعطيت، وقني شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من
واليت، تبارك ربنا وتعاليت» رواه أحمد (1/199)،وأبوداود، كتاب الصلاة،
باب القنوت في الوتر، رقم (1425)، والترمذي، كتاب الصلاة، باب ما جاء
في القنوت في الوتر، رقم (464)، والنسائي،كتاب قيام الليل،باب الدعاء
في الوتر، رقم(1745)، وابن ماجة، كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في
القنوت في الوتر، رقم (1178).
شرح الحديث : * « اللهم اهدنا » :
أي دلنا على الحق ووفقنا للعمل به ؛ فإذا قلنا في دعاء القنوت: «اللهم
اهدنا فيمن هديت» فإننا نسأل الهدايتين، هداية العلم وهداية العمل، كما
أن قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: 6]،
يشمل الهدايتين هداية العلم، وهداية العمل، فينبغي للقارئ أن يستحضر
أنه يسأل الهدايتن : هداية العلم وهداية العمل.
* « فيمن هديت » :
نسألك الهداية فإن ذلك من مقتضى رحمتك وحكمتك ومن سابق فضلك فإنك قد
هديت أناسًا آخرين.
* « وعافنا فيمن عافيت » :
عافنا من أمراض القلوب وأمراض الأبدان . أمراض الأبدان معروفة لكن
أمراض القلوب تعود إلى شيئين:
الأول: أمراض الشهوات ، التي منشؤها الهوى : أن يعرف الإنسان الحق ،
لكن لا يريده ؛ لأن له هوًى مخالفًا لما جاء به النبي صلى الله عليه
وسلّم.
الثاني: أمراض الشبهات التي منشؤها الجهل ، التي منشؤها الجهل ؛ لأن
الجاهل يفعل الباطل يظنه حقًّا وهذا مرض خطير جدًّا؛ فأنت تسأل الله
المعافاة والعافية من أمراض الأبدان، ومن أمراض القلوب، التي هي أمراض
الشبهات، وأمراض الشهوات. [ ينظرتوقيعي البريدي للتوضيح بالمثال]
: «وتولنا في من توليت »*
أي : كن ولياً لنا الولاية الخاصة التي تقتضي العناية بمن تولاه الله
عزَّ وجلَّ والتوفيق لمايحبه ويرضاه.
*«وبارك لنا فيما أعطيت» :
أي: أنزل لي البركة فيما أعطيتني ، والبَرَكَة هي الخيرات الكثيرة
الثابتة.
*« فيما أعطيت» : أي أعطيت من المال والولد والعلم وغير ذلك مما أعطى
الله عزَّ وجلَّ، فتسأل الله البركة فيه؛ لأن الله إذا لم يبارك لك
فيما أعطاك، حرمت خيرًا كثيرًا.ماأكثر الناس الذين عندهم مال كثير
لكنهم في عداد الفقراء؛ لأنهم لا ينتفعون بمالهم، يجمعونه ولا ينتفعون
به. وهذا من نزع البركة, كثير من الناس عنده أولاد، لكن أولاده لا
ينفعونه لما فيهم من عقوق، وهؤلاء لم يُبَارَكْ لهم في أولادهم. تجد
بعض الناس أعطاه الله علمًا كثيرًا لكنه بمنزلة الأمي، لا يظهر أثر
العلم عليه في عبادته، ولا في أخلاقه، ولا في سلوكه، ولا في معاملته مع
الناس، بل قد يُكْسِبه العلم استكبارًا على عباد الله، وعلوًّا عليهم،
واحتقارًا لهم، وما علم هذا أن الذي منَّ عليه بالعلم هو الله، تجده لم
ينتفع الناس بعلمه، لا بتدريس، ولا بتوجيه، ولا بتأليف، بل هو منحصر
على نفسه، وهذا بلا شك حرمان عظيم، مع أن العلم من أبرك ما يعطيه الله
للعبد .
* «وقنا شر ما قضيت»:المعنى: قِنَا شرَّ الذي قضيت، فإن الله تعالى
يقضي بالشرِّ لحكمة بالغة حميدة ، وليست (ما) هنا مصدرية أي شر قضائك
لكنها اسم موصول بمعنى الذي، لأن قضاء الله ليس فيه شر، ولهذا قال
النبي صلى الله عليه وسلّم فيما أثنى به على ربه: «والخير بيديك والشر
ليس إليك» لهذا لا ينسب الشر إلى الله سبحانه وتعالى.
: «إنك تقضي و لا يقضى عليك»* الله عزَّ وجلَّ يقضي قضاء شرعيًّا وقضاء
كونيًّا، فالله تعالى يقضي على كل شيء وبكل شيء؛ لأن له الحكم التام
الشامل.
* «ولا يقضى عليك» : أي لا يقضي عليه أحد، فالعباد لا يحكمون على الله،
والله يحكم عليهم، العباد يُسألون عما عملوا، وهو لا يُسأل: {لاَ
يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 32].
* «إنه لا يذل من واليت، ولا يعزّ من عاديت» : هذا كالتعليل لقولنا
فيما سبق: «وتولنا فيمن توليت»، فإذا تولى الله الإنسان فإنه لا يذل،
وإذا عادى الله الإنسان فإنه لا يعز.
ومقتضى ذلك أننا نطلب العز من الله سبحانه، ونتقي من الذل بالله عزَّ
وجلَّ، فلا يمكن أن يذل أحد والله تعالى وليه، فالمهم هو تحقيق هذه
الولاية. وبماذا تكون هذه الولاية؟
* «ولا يعزّ من عاديت» : يعني أن من كان عدوًّا لله فإنه لا يعز، بل
حاله الذل والخسران والفشل، ولهذا لو كان عند المسلمين عز الإسلام وعز
الدين وعز الولاية ؛ لم يكن هؤلاء الكفار على هذا الوضع الذي نحن فيه
الان ؛ لأن أكثر المسلمين اليوم مع الأسف لم يعتزوا بدينهم، ولم يأخذوا
بتعاليم الدين، وركنوا إلى مادة الدنيا، وزخارفها؛ ولهذا أصيبوا بالذل،
فصار الكفار في نفوسهم أعز منهم.
: «تباركت ربنا وتعاليت»* هذا ثناء على الله عزَّ وجلَّ بأمرين :
أحدهما التبارك ، والتاء للمبالغة ؛ لأن الله عزَّ وجلَّ هو أهل البركة
«تباركت» أي كثرت خيراتك وعمت ووسعت الخلق؛ لأن البركة كما قلنا فيما
سبق هي الخير الكثير الدائم.
* «ربنا» أي يا ربنا ، فهو منادى حذفت منه ياء النداء.
* «وتعاليت» من العلو الذاتي ، أي : عليٌّ بذاته فوق جميع الخلق،
والعلو الوصفي ، أي : أن الله له من صفات الكمال أعلاها وأتمها، وأنه
لا يمكن أن يكون في صفاته نقص بوجه من الوجوه.
وفي دعاء القنوت جملة يكثر السؤال عنها مما يدعو به أئمتنا في قنوتهم،
يقولون: «هب المسيئين منا للمحسنين» فما معناها؟
أقرب الأقوال فيها أنها من باب الشفاعة ، يعني أن هذا الجمع الكبير
فيهم المسيء، وفيهم المحسن، فاجعل المسيء هدية للمحسن بشفاعته له فكأنه
قيل وشفع المحسنين منا في المسيئين.