المحبة في الله
علامات الحب في الله
1) أنه لا يزيد بالبرّ ولا ينقص بالجفاء :
من علامات الحب في الله أن لا يزيد بالبر ولا ينقص بالجفاء ، قال يحيى ابن معاذ الرازي :
حقيقة المحبة أنها لا تزيد بالبر و لا تنقص بالجفاء
2) الموافقة :
و من علامات الحب في الله الموافقة ، قال بعضهم :
يقول للشيء لا إن قلت لا *** و يقول للشيء نعم إن قلت نعم
3) لا يحسد أخاه :
و من علاماته أن لا يحسد المحبّ أخاه في دين و لا دنيا
و
قد وصف الله تعالى المتحابين في قوله :" و لا يجدون في صدورهم حاجة مما
أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة " ( الحشر ٩ )
4) أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه :
و
من علاماته أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه " ( رواه الشيخان)
5) أن يكون معيار المحبة الطاعة :
ومن علاماته أن يزداد إذا رأى أخاه في طاعة الله،وينقص إذا رأى منه معصية الله عزّ وجل
________________________________________
حقوق الأخوة و مستلزمات الصحبة و المحبة
لكل
مسلم على أخيه المسلم حقوقا ، و هذه الحقوق أوجبها عقد الإسلام ، و صارت
لكل مسلم بهذا العقد حرمة ، لا يحل لأحد أن ينتهكها ، و قد أتت جملة من هذه
الحقوق ، و بيان لهذه الحرمة من كلام النبي صلى الله عليه و سلم ، فمن ذلك
قوله صلى الله عليه و سلم : " حقّ المسلم على المسلم ستّ : إذا لقيته
فسلّم عليه ، و إذا دعاك فأجبه ، و إذا استنصحك فانصح له ، و إذا عطس فحمد
الله فشمته ، و إذا مرض فعده ، و إذا مات فاتبعه " (متفق عليه)
و في
بيان حرمة المسلم ، و ما لا يجوز للمسلم أن يقع فيه مع سائر المسلمين قوله
صلى الله عليه و سلم :" إياكم و الظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث ، و لا
تحسّسوا ، و لا تجسّسوا ، و لا تنافسوا ، و لا تحاسدوا ، و لا تباغضوا ، و
كونوا عباد الله إخوانا ، المسلم أخو المسلم ، لا يظلمه و لا يخذله و لا
يحقره ، التقوى ههنا … و يشير إلى صدره ، بحسب امرئ من الشرّ أ يحقر أخاه
المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام : دمه و عرضه و ماله " (رواه الشيخان)
إنّ
عقد الأخوة رابطة بين الشخصين كعقد النكاح بين الزوجين ، و يترتب على هذا
العقد حقوق المال و البدن و اللسان و القلب ، و بمراعاة هذه الحقوق تدوم
المودة و تزداد الألفة ، و يدخل المتعاقدين في زمرة المتحابين في الله ، و
ينالان من الأجر و الثواب ما أسلفناه
1) حقوق الأخوة في المال :
-
فمن حقوق المال الواجبة إنظاره إلى ميسرة إن كان غريما ، قال تعالى :" و
إن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة" (البقرة 280) ، و قال صلى الله عليه و سلم
:" من يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا و الآخرة" ( مسلم و غيره)
- و من حقوق الأخوة المواساة بالمال : و هي كما قال العلماء على ثلاث مراتب :
1)
أدناها أن تقوم بحاجته من فضل مالك،فإذا سنحت له حاجة،وكان عندك فضل،
أعطيته ابتداءً ولم تحوجه إلى السؤال،فإن أحوجته إلى السؤال،فهو غاية
التقصير في حقّ الأخوة
2) الثانية: أن تنزله منزلة نفسك ، و ترضى بمشاركته إياك في مالك
قال
الحسن : كان أحدهم يشقّ إزاره بينه و بين أخيه ، و جاء رجل إلى أبي هريرة
رضي الله عنه و قال : إني أريد أن أواخيك في الله ، فقال : أتدري ما حق
الإخاء ؟ قال : عرّفني ، قال أن لا تكون أحقّ بدينارك و درهمك مني ، قال :
لم أبلغ هذه المنزلة بعد ، قال اذهب عني
و قال علي بن الحسين لرجل : هل يُدخل أحدكم يده في كمّ أخيه أو كيسه ، فيأخذ منه ما يريد بغير إذنه ؟ قال : لا ، قال : فلستم بإخوان
3) الثالثة : و هي العليا ، أن تؤثره على نفسك ، و تقدّم حاجته على حاجتك ، و هذه رتبة الصديقين ، و منتهى درجات المحبين
قال
ابن عمر رضي الله عنهما : أهدى لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و
سلم رأس شاة ، فقال : أخي فلان أحوج مني إليه ، فبعث به إليه ، فبعثه ذلك
الإنسان إلى آخر ، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول ، بعد
أن تداوله سبعة
فكانت هذه المرتبة العليا من الإيثار ، هي مرتبة الصحابة الكرام رضي الله عنهم
عن
حميد قال : سمعت أنسا رضي الله عنه قال : لما قدموا المدينة نزل المهاجرون
على الأنصار ، فنزل عبد الرحمن بن عوف على سعد ابن الربيع ، فقال : أقاسمك
مالي ، و أنزل لك عن إحدى امرأتي ، قال : بارك الله لك في أهلك و مالك ،
فآثره بما آثره به ، و كأنه قبله ثم آثره به
و قد مدحهم الله عزّ و جلّ بقوله : " و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة " ( الحشر٩
قال
أبو سليمان الداراني : كان لي أخ بالعراق ، فكنت أجيئه في النوائب ، فأقول
: أعطني من مالك شيئا ، فكان يلقي إليّ كيسه فآخذ منه ما أريد ، فجئته ذات
يوم فقلت : أحتاج إلى شيء فقال : كم تريد ؟ فخرجت حلاوة إخائه من قلبي و
قال آخر:إذا طلبت من أخيك مالا فقال:ماذا تصنع به فقد ترك حقّ الإخاء .
فهذه
مراتب المواساة بالمال ، فإن لم توافق نفسك رتبة من هذه الرتب مع أخيك
فاعلم أنّ عقد الأخوة لم ينعقد بعد في الباطن ، و إنما الجاري بينكما
مخالطة رسمية لا وقع لها في العقل و الدين ، قال ميمون بن مهران : "من رضي
من الإخوان بترك الأفضال ، فليؤاخ أهل القبور "
2) حقوق الأخوة في البدن :
و
يقصد بها الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات ، و القيام بها قبل السؤال ، و
تقديمها على الحاجات الخاصة ، و هذه أيضا لها درجات كالمواساة بالمال
1) أدناها القيام بالحاجة عند السؤال و القدرة مع البشاشة و الاستبشار و إظهار الفرح و قبول المنة :
قال
النبي صلى الله عليه و سلم:"من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله
عنه كربة من كرب يوم القيامة ،ومن يسّر على معسّر يسّر الله عليه في
الدنيا والآخرة ،و من ستر مسلما ستره الله في الدنيا و الآخرة ،و الله في
عون العبد ما كان العبد في عون أخيه "
أرسل الحسن البصري جماعة من
أصحابه في قضاء حاجة لأخ لهم ، و قال : مروا بثابت البناني فخذوه معكم ،
فمروا بثابت فقال : أنا معتكف ، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه فقال لهم : قولوا
له يا أعمش أما علمت أن سعيك في حاجة أخيك خير لك من حجّة بعد حجة ،
فرجعوا إلى ثابت فأخبروه ، فترك اعتكافه و خرج معهم
2) الدرجة الثانية : أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك :
كان
بعض السلف يتفقّد عيال أخيه بعد موته أربعين سنة ، يقوم بحاجتهم ، و
يتردّد كل يوم إليهم و يمونهم من ماله ، فكانوا لا يفقدون من أبيهم إلا
عينه
3) أن تقدّم حاجة أخيك على حاجتك ، و تبادر إلى قضائها و لو تأخرت حاجتك
قضى
ابن شبرمة لبعض إخوانه حاجة كبيرة ، فجاء بهدية ، قال : ماهذا؟ قال : لما
أسديته إليّ ، قال : خذ مالك عافاك الله ، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد
نفسه في قضائها ، فتوضأ للصلاة و كبّر عليه أربع تكبيرات ، و عدّه من
الموتى
و كان الحسن يقول:إخواننا أحبّ إلينا من أهلنا و أولادنا
لأن أهلنا يذكروننا بالدنيا ، و إخواننا يذكرون بالآخرة ويدخل في حق المسلم
علىأخيه المسلم زيارته له في الله عزّو جلّ ، قال رسول الله صلى الله عليه
و سلم:"ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟النبي في الجنة ، و الشهيد في
الجنة ، و الصديق في الجنة ، و الرجل يزور أخاه في ناحية المصر في الجنة "
و
من الصور المشرقة للزيارة في الله عزّ و جلّ ، و ما ينبغي أن تشتمل عليه
من الأخلاق و الآداب ، ما كان بين أبي عبيد القاسم ابن سلام و أحمد بن حنبل
رحمهما الله ، قال أبو عبيد : "زرت أحمد بن حنبل في بيته فأجلسني في صدر
داره ، و جلس دوني ، فقلت : يا أبا عبد الله ، أليس يقال : صاحب البيت أحقّ
بصدر بيته؟ فقال : نعم ، يقعد و يُقعِد من يريد ، قال : فقلت في نفسي : خذ
إليك يا أبا عبيد فائدة ، قال : ثم قلت له : يا أبا عبد الله ، لو كنت
آتيك على نحو ما تستحقّ لأتيتك كلّ يوم ، فقال : لا تقل ، إن لي إخوانا لا
ألقاهم إلا في كلّ سنة مرة ، أنا أوثق بمودّتهم ممن ألقى كل يوم ، قال :
قلت : هذه أخرى يا أبا عبيد ، فلما أردت أن أقوم قام معي فقلت : لا تفعل يا
أبا عبد الله ، فقال: قال الشعبي : من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى
باب الدار ، و تأخذ بركابه قال : فقلت يا أبا عبيد هذه ثالثة ، قال : فمشى
معي إلى باب الدار و أخذ بركابي
و من هذه الصور المشرقة لزيارة
السلف بعضهم لبعض و فرحهم بهذه اللقاءات الداعية لمزيد من الإيمان و الحبّ
في الله عزّ و جلّ ما رواه الخطيب البغدادي في "تاريخه" عن النقاش أنه قال :
" بلغني أنّ بعض أصحاب محمد بن غالب أبي جعفر المقرئ جاءه في يوم وحلٍ
وطين ، فقال له : متى أشكر هاتين الرجلين اللتين نعبتا إليّ، في مثل هذا
اليوم لتكسباني في الثواب؟ثم قام بنفسه فاستسقى له الماء،و غسل رجليه "
3) حقوق الأخوة في اللسان :
و هي بالسكوت تارة و بالنطق أخرى
1) السكوت على المكاره :
1- لا يذكر عيوبه :
فمن
حق الأخ على أخيه،أن يسكت عن ذكر عيوبه في غيبته و حضرته،بل يتجاهل عنه
أما ذكر عيوبه و مساويه في غيبته فهو من الغيبة المحرمة ، و ذلك حرام في حق
كل مسلم ، و يزجرك عنه أمران بالإضافة إلى زجر الشرع : أحدهما : أن تطالع
أحوال نفسك ، فإن وجدت فيها شيئا واحدا مذموما ، فهوِّن على نفسك ما تراه
من أخيك ، و قدر أنه عاجز عن قهر نفسه في تلك الخصلة الواحدة ، كما أنت
عاجز عن قهر نفسه في تلك الخصلة الواحدة ، كما أنت عاجز عما أنت مبتلى به ،
و الأمر الثاني : أنك تعلم أنك لو طلبت منزها عن كل عيب اعتزلت عن الخلق
كافة ، و لم تجد من تصاحبه أصلا
كما قال النابغة الذبياني :
:
و لست بمستبق أخا لا تلُمُّه *** على شعث أيّ الرجال المهذّب
فما
من أحد من الناس إلا و له محاسن و مساوئ ، فإذا غلبت المحاسن المساوئ فهو
الغاية ، و المؤمن أبدا يحضر في نفسه محاسن أخيه لينبعث من قلبه التوقير و
الودّ و الاحترام ، و أما المنافق اللئيم فإنه أبدا يلاحظ المساوئ و العيوب
قال ابن المبارك : المؤمن يطلب المعاذير ، و المنافق يطلب العثرات
و قال الفضيل : الفتوة العفو عن زلات الإخوان
2- أن لا يفشي أسراره :
و من ذلك أن يسكت عن إفشاء أسراره و لا إلى أخصّ أصدقائه ، و لو بعد القطيعة و الوحشة ، فإن ذلك من لؤم الطبع و خبث النفس
قيل لبعض الأدباء : كيف حفظك للسر؟ قال : أنا قبره .
و أفشى بعضهم سرا إلى أخيه ثم قال له حفظت ، قال : بل نسيت .
و قالوا : قلوب الأحرار قبور الأسرار
كان أبو سعيد الثوري يقول : إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه ثم دس عليه من يسأله عنك فإن قال خيرا و كتم سرا فاصحبه
3- أن لا يجادله و لا يماريه :
و من ذلك أن يسكت عن مماراته و جداله :
قال بعض السلف : من لاحى الإخوان و ماراهم ، قلّت مروءته ، و ذهبي كرامته
و قال عبد الله بن الحسن:إياك و مماراة الرجال، إنك لن تعدم مكر حليم ، أو مفاجأة لئيم
و
بالجملة فلا باعث على المماراة إلا إظهار التميّز بمزيد العقل و الفضل ،
واحتقار المردود عليه بإظهار جهله و بالغ بعضهم في ترك المراء و الجدال
فقال : إذا قلت لأخيك قم ، فقال : إلى أين؟ فلا تصحبه ، بل ينبغي أن يقوم و
لا يسأل
والمراء يفتن القلب وينبت الضغينة و يجفي القلب و يقسيه ويرقق الورع في المنطق و الفعل
عن
أبي أمامة رضي الله عنه قال :" قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "من
ترك المراء و هو مبطل بنى له بيت في ربض الجنة ، و من تركه و هو محقّ بنى
له في وسطها ، و من حسن خلقه بنى له في أعلاها" (رواه أبو داود و غيره)
قال خالد بن يزيد بن معاوية الأموي :"إذا كان الرجل مماريا لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته "
قال الحسن البصري :"إياكم و المراء ، فإنه ساع