خُلق التأني
إن الإنسان بطبعه عجول يود لو أدرك كل شيء بسرعة (وكان الإنسان عجولاً ) { الإسراء}.
ولما كانت هذه العجلة تجلب على صاحبها المتاعب وتوقعه في الإشكالات
ندب الشرع إلى تربية النفس على التأني في أمور الدنيا
ونقصد بالتأني : عدم العجلة في طلب الأشياء والتمهل في تحصيلها .
و عن أنس رضى الله عن عن النبي أنه قال:
((التأنِّي من الله والعجلةُ من الشيطان)).
(رواه أبو يعلى و حققه الألباني)
و قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس
" إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة " .(البخاري ومسلم).
فهنيئًا للمتأني محبة الله تعالى له ، وثناء النبي صلى الله عليه و سلم عليه .
و قال:
(التؤدة ، والاقتصاد ، و السمت الحسن جزء من أربعة و عشرين جزءا من النبوة)
(رواه الترمذي)
و قال الغزالي: (الأعمال ينبغي أن تكون بعد التبصرة والمعرفة والتبصرة تحتاج إلى تأمل وتمهل
والعجلة تمنع من ذلك وعند الاستعجال يروج الشيطان شره على الإنسان من حيث لا يدري )
و على المسلم أن يتأنى في عبادته ويؤديها بتمهل وتأنٍّ وإتقان
فإن كان مصليَّا صلى في خضوع وخشوع لله رب العالمين،
وإن كان يدعو ربه دعاه في تضرع وتذلل يبدأ دعاءه بحمد الله وتمجيده، والصلاة على رسوله،
فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته ولم يمجد الله سبحانه
ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: (عَجِلْتَ أيها المصلي).
وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلى فمجَّد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم
فقال له صلى الله عليه وسلم: (ادعُ تُجَبْ، وسل تُعْطَ) [النسائي].
ومن العجلة في الدعاء أن يستبطأ الإجابة فيترك الدعاء بزعم أنه يدعو ولا يستجاب له
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
((يُستجاب لأحدكم ما لم يَعْجَل يقول: دعوتُ فلم يستجب لي))
(البخارى و مسلم)
و على الرغم من فضائل التأني وامتداحه عقلاً وشرعاً فإن هناك نوعاً منه من التأني المذموم
إنه التأني في أمر الآخرة وإنه في الحقيقة تثاقل ونوع غفلة ينبغي أن يجاهد المسلم نفسه للتنزه عنه
ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
" [size=16]التؤدة في كل شيء خير ، إلا في عمل الآخرة " .[/size]
(رواه أبو داود وصححه الألباني)
و علينا أخوتى أن ندرب أنفسنها على خلق التأنى و أن نتجنب العجلة
و يمكن التخلص من الاستعجال بأمور منها:
1- إمعان النظر في الآثار و العواقب المترتبة على الاستعجال
فإن ذلك مما يهدئ النفس ويحمل على التريث و التأني .
2- دوام النظر في كتاب الله عز وجل فإن ذلك يبصرنا بسنن الله في الكون وفي النفس
وفي التشريع ومع العصاة و المكذبين و البصيرة بهذه السنن تهدئ النفس وتساعد على التأني والتروي
قال الله تعالى :- ( ... سأريكم آياتي فلا تستعجلون )
3- دوام المطالعة في السنة و السيرة النبوية فإن ذلك مما يوقعنا على مقدار
ما لاقى النبي صلى الله عليه وسلم من الشدائد و المحن وكيف أنه تحمل وصبر ولم يستعجل
حتى كانت العاقبة له وللمنهج الذي جاء به .
4- مطالعة كتب التراجم و التاريخ ، فإن ذلك مما يعرفنا بمنهج أصحاب الدعوات
والسلف في مجابهة الباطل وكيف أنهم تأنوا وتريثوا حتى مكن لهم وهذا بدوره يحمل على الاقتداء و التأسي
5- العلم بأن وعد الله آت لا ريب فيه. (ولا تحسبن الله غفلاً عما يعمل الظلمون) .
6- النظر إلى سنن الله في الغابرين الذين استعجلوا العذاب ، فأصبح لا يرى إلا مساكنهم
عبرة لكن معتبر (ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات).
7- مجاهدة النفس وتدريبها على ضرورة التريث والتأني والتروي ..
فإنما الحلم بالتحلم ومن يتصبر يصبره الله
8- الانتباه إلى الغاية أو الهدف الذي من أجله يحيا المسلم ..فإن ذلك يحول دون الاستعجال
ويحمل على إتقان المقدمات والوقوف عندها وعدم تجاوزها إلى النتائج .
www.nourislamna.com