بدعة الفرح في يوم عاشوراء عند النواصب
بدعة الفرح في يوم عاشوراء عند النواصب
تقدم في المبحث السابق ، ذكر بدعة الحزن في يوم عاشوراء عند
الرافضة ، وفي هذا المبحث سنتكلم - إن شاء الله - عن الذين عارضوا الرافضة ،
فجعلوا يوم عاشوراء موسم فرح ، وهم النواصب المتعصبين على الحسين
وأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ومن الجهَّال الذين قابلوا
الفاسد بالفاسد ، والكذب بالكذب ، والشر بالشر ، والبدعة بالبدعة ،
فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء ؛ كالاكتحال ،
والاختضاب ، وتوسيع النفقات على العيال ، وطبخ الأطعمة الخارجة عن
العادة ، ونحو ذلك مما يُفعل في الأعياد والمواسم ، فصار هؤلاء
يتخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح .
وكان أول ظهورهم على زمن النبي صلى الله
عليه وسلم ، وذلك لما أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال : بعث
علي -رضي الله عنه- إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة ، فقسمها
بين الأربعة : الأقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي ، وعيينة بن بدر
الفزاري ، وزيد الطائي ، ثم أحد بني نبهان ، وعلقمة بن علاثة
العامري ، أحد بني كلاب .
فغضبت قريش والأنصار ، قالوا : يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا! . قال :
(( إنَّما أتألفهم )) ، فأقبل رجل غائر العينين ، مشرف الوجنتين ،
ناتئ الجبين ، كث اللحية محلوق ، فقال : اتق الله يا محمد ! ، فقال :
(( من يطع الله إذا عصيت ؟ أيأمنني الله على أهل الأرض ولا تأمنوني
؟ )) . فسأله رجل قتله – أحسبه خالد بن الوليد – رضي الله عنه-
فمنعه ، فلما ولَّى قال : (( إن من ضئضئ هذا – أو في عقب هذا – قوم
يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين مروق السهم من
الرمية يقتلون أهل الإسلام ، ويدعون أهل الأوثان ، لئن أنا أدركتهم
لأقتلنهم قتل عاد)) .
وفي رواية لمسلم : بينما نحن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
يقسم قسماً ، أتاه ذو الخويصرة -وهو رجل من بني تميم- فقال: يا رسول
الله! اعدل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويلك ،ومن يعدل
إن لم أعدل ، قد خبت وخسرت إن لم أعدل )) فقال عمر بن الخطاب- رضي
الله عنه - : يا رسول الله! ائذن لي فيه أضرب عنقه ، قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : (( دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع
صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، ويقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم،
يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا
يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه فلا
يوجد فيه شيء – وهو القدح – ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء ،
سبق الفرث والدم . آيتهم رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ، أو
مثل البضعة تدردر ، يخرجون على حين فرقة من الناس )) .
قال أبو سعيد : فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وأشهد أن علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- قاتلهم وأنا معه،فأمر بذلك
الرجل فالتمس فوجد فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم الذي نعت
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وكانت الكوفة بها قوم من الشيعة
المنتصرين للحسين ، وكان رأسهم المختار بن عبيد الكذاب. وقوم من
الناصبة المبغضين لعلي – رضي الله عنه- وأولاده ، منهم الحجاج بن
يوسف الثقفي ، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال : (( سيكون في ثقيف كذاب ومبير)) . فكان ذلك هو الكذاب وهذا
الناصبي هو المبير ، فأحدث أولئك الحزن ، وأحدث هؤلاء السرور وهذه
بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل على الحسين- رضي الله عنه -وتلك
بدعة أصلها من المتعصبين بالباطل له ، وكل بدعة ضلالة ، ولم يستحب أحد من
الأئمة الأربعة وغيرهم لا هذا ولا هذا ، ولا في شيء من استحباب ذلك
حجَّة شرعية .
ولا شك في أن النواصب ،وكذلك الرافضة ،مبتدعون في فعلهم هذا مخطئون
،خارج عن السنة ؛لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((عليكم بسنتي
وسنة الخلفاء الراشدين المهديين،تمسكوا بها، وعضُّو عليها بالنواجذ،
وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )) .
ولم يسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون في يوم
عاشوراء شيئاً من هذه الأمور، لا شعائر الحزن والترح، ولا شعائر
السرور والفرح ، ولكنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، وجد
اليهود تصوم عاشوراء ، فقال : ((ما هذا ؟)).فقالوا: هذا يوم نجَّى
الله فيه موسى -عليه السلام- من الغرق فنحن نصومه . فقال (نحن أحق بموسى منكم)). فصامه وأمر بصيامه .
وكانت قريش أيضاً تعظمه في الجاهلية .
واليوم الذي أمر الناس بصيامه كان يوماً واحداً فإنه صلى الله عليه
وسلم قدم المدينة في شهر ربيع الأول ، فلما كان في العام القابل ،
صام يوم عاشوراء ، وأمر بصيامه ، ثم فرض شهر رمضان ذلك العام فنسخ
صوم عاشوراء – أي وجوبه – .
وقد تنازع العلماء : هل كان صوم ذلك اليوم واجباً ، أو مستحباً ؟ على
قولين مشهورين ، أصحهما: أنه كان واجباً، ثم إنه بعد ذلك كان يصومه
من يصومه استحباباً ، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم العامة
بصيامه، بل كان يقول: ((هذا يوم عاشوراء ، وأنا صائم فيه ، فمن شاء
صام )) متفق عليه .
وقال عليه الصلاة والسلام : (( صوم يوم عاشوراء يكفر سنة ، وصوم يوم عرفة يكفر سنتين )).
ولما كان آخر عمره صلى الله عليه وسلم وبلغه أن اليهود يتخذونه عيداً
قال: ((لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع)) ؛ ليخالف اليهود ولا
يشابههم في اتخاذه عيداً .
وكان من الصحابة والعلماء من لا يصومه ، ولا يستحب صومه ، بل يكره
إفراده بالصوم ، كما نقل ذلك عن طائفة من العلماء ، ومن العلماء من
يستحب صومه .
والصحيح أنه يستحب لمن صامه ، أن يصوم معه التاسع ؛ لأن هذا آخر أمر النبي صلى الله عليه وسلم لقوله (لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع )) .
فهذا الذي سنَّهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما سائر الأمور :
مثل اتخاذ طعام خارج عن العادة إما حبوب وإما غير حبوب ، أو تجديد
لباس ، أو توسيع نفقة ، أو اشتراء حوائج العام ذلك اليوم ، أو فعل
عبادة مختصة كصلاة مختصة به . أو قصد الذبح ، أو ادخار لحوم الأضاحي
ليطبخ بها الحبوب ، أو الاكتحال ، أو الاختضاب ، أو الاغتسال ، أو
التصافح ، أو التزاور ، أو زيارة المساجد والمشاهد ، ونحو ذلك .
فهذه من البدع المنكرة التي لم يسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولا خلفاؤه الراشدون ، ولا استحبها أحد من أئمة المسلمين المشهورين .
فيجب على الإنسان ، طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، واتباع
دينه وسبيله ، واقتفاء هداه ودليله . وعليه أن يشكر الله على ما
عظمت به النعمة .
قال تعالى :{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ
فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ
كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) . .
------------------------
المصدر : كتاب البدع الحولية
الهوامش والتعليقات راجع الكتاب على ملف وورد