هاجر زوج إبراهيم _ عليه السلام _
بسم الله الرحمن الرحيم
السيدة هاجر _ أم العرب العدنانيين_
جاء في الأثر أنه لما حملت السيدة هاجر زوج إبرهيم الثانية وأم إسماعيل عليهم جميعاً أفضل السلام خافت على حملها من غيرة سارة زوج نبينا إبرهيم الأولى عليهما السلام ، فهربت بحملها ونفسها عند عين ماء تشكو إلى الله قلة حيلتها وعجز إرادتها في حالها التي كانت عليها ، وبينما هي على هذه الحال من الخوف والفزع جاءها ملك من ملائكة الرحمن عز وجل ، فطمئنها وقال لها : لا تخافي فإن الله جاعل من هذا الغلام الذي حملتي به خيرا ، وأن الله سبحانه يطمئنها بأنها ستلد ولداً وعليها أن تسميه إسماعيل _ أي المسموع من الله تعالى _ وأن هذا الغلام سيكون وحش الناس يده على الكل ، والكل بيده ، وأن هذا الابن سيملك جميع بلاد إخوانه ، وعليها أن تعود لبيتها .
وعادت . وهي تحمل معها كل الثقة بالله عز وجل .
وهنا وجب علينا العودة للبداية ، حيث تبدأ الأشياء ، وكلها بأمر الله وتقديره في عالم الأزل منذ بداية الخلق .
فبعد هجرة إبرهيم عليه السلام من أراضي العراق فاراً بدينه أمراً له من رب العالمين ، نزل عليه السلام مع زوجته سارة ابنة هاران بأرض مصر ، وهناك التقى بفرعون مصر الذي وهب للسيدة سارة عليها السلام جارية مصرية أصلها أميرة من أميرات الجنوب المصري والتي تم أسرها وأخذها لبلاط فرعومن مصر فأصبحت أسيرة جارية ، ألا وهي _السيدة هاجر عليها السلام _ فتقبلت سارة هدية فرعون لها بكل سعادة وذهب ذهنها بأنها أصبحت إمرأة مسنة ، ولن تستطيع أن تلد لإبراهيم عليه السلام الولد الذي يحلم به منذ زمن بعيد فوهبته جاريتها هاجر عسى الله أن يرزفه منها ما كان يتمنى ز
وتزوج إبراهيم بهاجر ، وحملت هاجر بإسماعيل عليهم السلام ، ووضعته أمنة مطمئنة ، ولم تكد الزوجة الحبيبة تضع رضيعها إلا وقد تفاجأت بنبي الحنيفية عليه الصلاة والسلام يطلب منها أن تحمل رضيعها معها ، وأن الجمع سيخرج في رحلة غير معروفة العاقبة أو الهدف ، ولكنها الزوجة الأكثر من رائعة ، استسلمت لأمر زوجها وسارت معه ووراءه ، حتى حطت رحالها التي لم تكن أكثر من تمر وماء على رمالٍ جافة ساخنة قاسية بعدما كانت ترتع في ربوع مصر وبلاد الشام ذواتي الجنات الخضراء ، وجدت نفسها في وادي قاحل جاف ليس فيه ضرع ولا ماء ولا أنيس ولا وليف ،::
فقد تركها زوجها الحبيب دون أن ينبس ببنت شفا ، إلا من كلمات قليلات حينما سألت هاجر الزوج المطيعة الأديبة الأصيلة [ إلى أين تذهب وتتركنا ] فلم يلتفت لها نبي الحنيفية ومضى في طريقه ، فلما أعادت عليه سؤالها بطريقة أخرى [ هل أمرك ربك ] فأجابها عليه السلام [ نعم ] فلم يكن من روعة الزوج المؤمنة التي تشعر أحاسيسها بأكثر ما يدركه العقل ، والتي ترى بصيرتها أكثر ما تراه العين لم يكن منها إلا أن أجابته بكلماتٍ قليلات ولكنهن مؤثرات [ إذن فلن يضيعنا ربك ] .:
:
ويأتيها جهاد نفسي جديد حينما رأت رضيعها يضرب بقدميه الأرض صراخ طفلٍ يطلب الطعام وقد جف ضرعه من إنعدام الطعام والماء ، وذهبت المؤمنة تركض هنا وهناك وتصرخ في تلك الأماكن الموحشة _ هل من مجيب ، هل هناك من لديه طعام ليطعمها فتطعم الصغير _ ولع قلب الأم راكضاً تارة تجاه جبل الصفا وتارة تجاه جبل المروة ، سبعة أشواط شاط معها فلب الأم الرحوم وبينما هي كذلك إذ بجبريل وبقدر الله المقدر لكل شئ يهبط للأرض إكراماً لهاجرزطاعة لأمر ربه فيضرب الأرض بجناحه ليتفجر منها الماء ، ولتخرج منها عين الماء زمزم الشافية تحت قدمي الوليد إسماعيل بإذن رب العباد ، وتعود الأم لولدها لتقول لعين الماء المتفجرة _ زمي زمي _ فما أعظم كرم الله على عباده الطائعين .
أرضعت الأم الصغير بعدما در الحليب في أثدلئها من جديد بعدما شربت من ماء زمزم نعمة ربها لها .
وجاءها قوم جرهم ، هم أناس كانوا في رحلتهم فوجدوا عين ماء في ذاك المكان وإمرأة وطفل هما أصحاب المكان ، فاستحبوا العيش معهما ، فاستأذنها في هذا فأذنت لهم به ، فأنسها الله بوحدتها بقبيلة من البشر تسكن إليها .
وكان هنا إختبار إلهي أشد صعوبة وعسرة على نفس الزوجة والأم مما سبق . حينما رأى إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ولده إسماعيل في المنام والأكيد أنه كان أمر شديد الصعوبة على قلب الأم التي رضخت راضية مرة أخرى لأمر ربها فأطاعته بأن رضيت أن يذبح ابنها على يد أبيه وزجه الحبيب، ثم أطاعت أمر زوجها وتركته يأخذ الصبي إسماعيل دون أن تعترض الأم المربية بكلمة واحدة رغم تمزق قلبها واحتراقه على فلذة كبدها وابن عمرها ، أسألكم بالله أي إمرأة هذه ، وأي زوجة هذه ، وأي أم هذه ، يا لها من رائعة ليس لها مثيل .
وباقي القصة نعلمه جميعنا حيث أنزل الله كبشاً من السماء فداءً لإسماعيل وثواباً عظيماً وجزاءً رائعاً لكل من هاجر وإبراهيم وإسماعيل عليهم أفضل السلام . وسيشتد عود الصبي إسماعيل عليه السلام بعد هذه الجادثة ليصبح رجلاً فتياً مغواراً قوي الذراعين ، مفتول العضلات من قوة شمس الصحراء فيقوم بمساعدة والده إبراهيم عليهما السلام بإزاحة الأنقاض من فوق البيت العتيق الذي دفنه طوفان نوح عليه السلام مع تراكم السنين فوقه ويرفعان معاً القواعد من البيت العتيق ، أول بيت وضع للناس الذي ببكة _ الكعبة المشرفة بوابة الأرض للسماء .
وصدق الله وعده السابق لهاجر وأكثر ، فقد أنجب إسماعيل عليه السلام إثني عشر ولداً كانوا هم أساس ذرية العرب العدنانيين وقبائلهم الكثر ، ومر الزمان ليأتي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل ابن إبراهيم وهاجر ، فتنزل عليه رسالة الإسلام وإحياء الدين الحنيف دين إبراهيم عليه السلام ، وينصر دين الله الحنيف في الأرض ، وتُفتح البلاد على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه رضي الله عنهم ، ثم على الخلفاء الراشيدين وجند الله ، ثم على يد التابعين وملوك العرب ، بلادُ تتلوها بلاد ، من بلاد الشام والحجاز والعراق ومصر واليمن ، وحقاً صدق الله وعده لهاجر الجميلة الحبيبة الرائعة ، فقد كثر سبحانه من ذرية ولدها إسماعيل ، وجعله سبحانه وحش البيداء وأول من روض الخيل وركبها وقادها ، وامتلكت ذريته بلاد إخوانه في الشام ومصر والتي كان يملكها ذرية اسحاق عليه السلام ابن إبراهيم وسارة عليهما السلام :
وفي حجنا وعمرتنا لبيت الله الحرام الذي رفعه إبراهيم مع ابنه اسماعيل عليهما السلام ، تعود بنا الأذهان لنتذكر تلك الأحداث التي مرت بهاجر وعليها ، كم كانت إنسانة جلودة صبورة مؤمنة ، وكم كانت زوجة مطيعة حانية راصية ، إنها لمثلٌ أعلى لكل زوجة تريد أن تعرف كيف يجب أن تكون الزوجة ، وإنها لمثل أعلى لكل مسلمة تبحث في صفحات النساء المؤمنات لتعرف كيف تكون المرأة المؤمنة .
تحية لكِ ياهاجر وعليكي سلام من الله ، ويكفيكِ تشريفاً لروحك المؤمنة ولجهاد نفسك في كل المواقف أن جعلك الله زوج إبراهيم وأم إسماعيل وأم العرب المستعربة ، وأنك مع كل الأجيال المسلمة لابد وأن نتذكرك بكل الخير والاحترام في كل سعي وفي كل رمية جمرة وفي كل شربة ماء من مياة زمزم . وكم نتمنى وننشد أن نكون مثلك زوجة وأم ومربية ، وكم نتمنى أن يجمعنا الله بالأخرة بتلك المرأة الخارقة ، هاجر عليها السلام S