هل تقبليني زوجا لكي؟
هل تقبليني زوجا لكي؟
هيثم سمير
تخرج من الجامعة وشأنه كشأن أي شاب مقبل على
الحياة يتطلع إلى الوظيفة يعانق الدنيا بالأحضان يرسم مستقبلاً باهراً
لنفسه تشدوه آمال بضرورة أن يكون له دور في المجتمع، وأن يكون مؤثراً فيمن
حوله، تراوده أحلام الشباب والحيوية وصفاء القلب ومرونة الصغار، وبالفعل
ولكن بعد مشوار طويل في البحث هنا وهناك تحصل على الوظيفة المناسبة التي
يراها عوناً له في مشواره في حياته الجديدة بعد التخرج، وبدأ يرسم لنفسه
خريطة جديدة تجعله يكمل ما بدأه من كفاح نحو الغد فبدأ يتعب ويثابر ويكافح
ويدخر من أجل أن يؤمن نفسه من عواقب الحياة المتقلبة فيوم لك ويوم عليك.
وبعد فترات وفترات بدأت ترواده فكرة مجرد فكرة ليس أكثر ولكنها بين الحين
والآخر بدأت تتضخم يوماً بعد يوم، وصارت تأخذ حيزاً كبيراً في مخيلته بين
الحين والآخر، وهو لا يبالي ويمررها على خواطره مرور الكرام، وبين المد
والجزر قرر أن يفكر فيها مليا ويحدث نفسه بها، وظل يتأمل في حال من قبله
ممن كانوا مثله يوم من الأيام فإذ به وكأنه يتقمص دور واحد منهم، فهو بشر
لابد له من صبوات، ولكنه ليس كأي أحد ممن هم مثله فهو يتقي الله قدر ما
يستطيع، ويحافظ على الصلاة، فهو لله موحد ولوالديه مطيع وللناس حبوب وفي
وجه الخلائق متبسم.
فكر يوماً أن يتزوج وأن يكمل نصف دينه وأن يعف نفسه ويحقق سنة الأولين
والآخرين، وخاصة في زمن الفتن والشهوات والشبهات، فالقابض على دينه كالقابض
على الجمر، ولكن أين هي، وكيف السبيل، وما الحل، وأني الوصول إليها، فتاة
الأحلام، وزوجة المستقبل، وأم أولاده، ورفيقة دربه، فبدأ يرسم لها صورة
في مخيلته، هل هي من التي تراها تسير بالأسواق، وتسافر بدون محرم؟ أم هل
هي من التي تشم عطرها من على بعد؟ أم هي تسلم بالطبع لا أن تكون زوجته مثل
تلك البنات؟ إذن فهو يريدها حورية من الجنة أو فتاة من زمن الصحابة أو
امرأة من كوكب آخر غير الذي نعيش فيه.......... بالطبع أيضاً لا هو يطمحها
إلا أن تكون فقط دينة بكل ما تحمله الكلمة من معان، فبدأ يقلب فكره يمنة
ويسره ويبحث عنها بين سؤال الأهل وخطاب المعارف ومراسلة الأصدقاء فتارة
يشرد ذهنه إلى عائلته؛ لعله يجد ضالته وتارة إلي أصدقائه وتارة إلى
الجيران وأحيانا أخرى هنا وهناك ولكنه لم يصل وما زال البحث جاري........
وفي يوم من الأيام وأثناء الانهماك في العمل وبعد مرور فترة ليست بالقصيرة
بعد أن كاد أن ينسى الموضوع لفترات أو يغيب عنه حلمه للحظات؛ إذ بأحد
الحبايب يدله عليها، فهي بنت الحاج فلان وتسكن بالشارع الفلاني، ووالدها
يعمل في المصلحة الفلانية وبيقولوا عليهم ناس طيبين، وهنا ينشرح صدر
صاحبنا فربما يجد ضالته، فهو بدأ المشوار للوصول إلى هدف سام ورغبة نبيلة؛
لكي يعف نفسه وسط ( ظلمات بعضها فوق بعض إذا اخرج يده لم يكد يراها)،
وبالفعل قام وذهب هنا وهناك وبدا يسأل الجيران والأقربين، فتارة يسمع ناس
محترمين جداً، وتارة يسمع بنات الحاج فلان لا تسمع لهن صوتاً ولا تكاد
تراهم، وتارة يسمع أنهم في حالهم، والرجل من رواد مسجدنا القريب.. فيطمئن
صدر صاحبنا ويشعر أن الدنيا وكأنها بدأت أن تضحك له من جديد، ولكن يبقى
الذهاب والرؤية الشرعية فربما لا يحدث القبول، وبالفعل يخبر صاحبنا والديه
اللذان يتمنيان ذلك اليوم فهو ابن بار بهما وليشعروا بأنهم قد قمن
بالرسالة على وجهها وبالفعل يتم تحديد موعد بين الشاب وأسرته ومن ثم إعطاء
خبر لوالد فتاة الأحلام المنتظرة بالقدوم وشرب الشاي، أما هي فهي في عالم
آخر من الذهول شرود الذهن والخوف والرجاء من ذلك العالم المجهول ذلك
الغائب المنتظر، فكيف هو وما شكله وكم عمره، وماذا يعمل وتروح بخيالها إلى
فلانة وفلانة من صويحباتها اللائي سبقنها بالفوز بفارس الأحلام فقديما
قالوا: " ظل رجل ولا ظل حائط " ولكن كلها لحظات وينكشف المخبر بحلوه،
المهم أن تأتي تلك اللحظات، يدق الباب فإذا بصاحبنا ووالده وفي استقباله
والدها وتسمع عبارات اتفضل اتفضل ده احنا زارنا النبي -صلى الله عليه
وسلم- ويأهلا ويا سهلا، والى آخرها من عبارات الترحيب، ويبدأ الحديث، وهنا
يتذكر صاحبنا أنه قد صلى ركعتين في الليل تضرعاً لله - عز وجل- أن يوفقه
في الوصول إلى ضالته التي ينشدها............ لحظات ويتم التعارف بين
الوالد والوالد، ومن ثم الدخول في التفاصيل المبدئية، ولكن إلى الآن
صاحبنا في كوكب آخر، فهو لم يزل ينتظر أن يرى تلك التي يؤملها لنفسه،
وفجأة وبدون مقدمات تدخل فتاة في مقتبل العمر وفي يديها الساقع والحلو
وعينيها لا تفارق ما تحت أرجلها من شدة الحياء، وهنا يدق قلب صاحبنا فهو
لأول مرة يمعن النظر في فتاة قد تكون زوجته يوماً من الأيام، فإذ بها فتاة
وكأنها نزلت من السماء تشعر أن النور قد طبع على وجهها من شدة بياضها،
فهي جميلة المحيا وليست بالقصيرة ولا بالطويلة وزين وجهها ابتسامة ممزوجة
بحياء رقيق منعها أن تنظر إلي من هم ليسوا بمحارم لها فعينيها لم تفارق
الأرض، فهي تجلس ولسان حالها يتمنى أن تنشق الأرض؛ لكي تبتلعها اللحظة،
أما هو فهو لا يكاد يصدق وفي نفسه تتمايل علامات الإعجاب والفرح، فهي كما
وصفها لنفسه ولكن الأمر ما زال غامضاً، فالدين هو الأصل ولكنها وفي خلسة
بدأت تنظر إليه بترقب وحذر فإذ به شاب بين منكبيه لحيه جميلة وعليه ثياب
قصير وعينيه في الأرض تارة وناحيتها تارة أخرى ووجهه ربما عليه علامات
الصلاح، فهو وسيم وسواد لحيته مع بياض وجهه أعطاه وجهاً وكأنه مضيء،
ولحظات ويبدأ الحوار ومحاولة جس كل طرف نبض الآخر؛ للوصول إلى القبول
المنشود، وبعد فترة من الاتفاق والوصول إلى الهدف الأسمى الذي من أجله
وجدت الخلائق كلها ألا وهو: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) تسمع هل
تقبليني زوجاً لكي؟! فتزداد ضربات قلبها وتغادر المكان بسرعة، لتسمع بعدها
زغرودة تهز المكان، وعبارات ربنا يتمم بخير وعلى خيرة الله واللي فيه
الخير ربنا يعمله وانستوا وشرفتوا يا جماعة......... أما هو فهو ليس هنا
ولكنه في السماء يحلق كالطائر من شدة فرحه، فأخيراً وجد ما يبحث عنه، وهي
أيضاً في عالم ثاني، فلم تنم الليلة، فهي لأول مرة ربما يجمعها مكان كهذا
أو موقف كهذا فهي ملتزمة عفيفة لم تخالط رجالاً في الجامعة ولا غيره
فأخيراً جاءت الفرصة لتراه وما أجمله وما أدينه.......... وأيام ويستعد
الجميع لليلة العمر التي لطالما انتظرها هو وهي أيضا وانتظرها الجميع من
حولهم وفي يوم من الأيام يتم عقد الزواج من المسجد المجاور لبيت الفتاة
ويخطب في الحاضرين احد الشباب مذكرا بأهمية الزواج وضرورة الإسراع به، أما
هي في بيتها من صديقاتها من النساء يضربن الدفوف ويفرحن بذلك الوافد
الجديد ألا وهو فارس الأحلام.............. جاء الليل بسكون وهدوئه وهي في
السيارة مع الفارس المنتظر؛ ليذهبا سوياً عش الزوجية وبيت الأحلام
المتواضع الذي لطالما ظل صاحبنا يعده اليوم تلو الآخر.... توقفت السيارة
نزل الفارس ونزلت معه فارسته والوالد والوالدة هنا وهناك يرقبون بحذر
ودعاء ذلك المشهد فالقلوب تنبض والعيون تزرف والألسنة تدعو وهو وهي في قمة
السعادة فهو يمسك بيديها الرقيقتين ويجرها إلى مدخل البيت ويصعدان درجات
السلم واحداً بعد الآخر، ولسان حالهما: أن الحمد لله الذي يسر لنا ما نحن
فيه، فالقلوب تتراقص والعيون تترقب والكل يفرح ويهلل وهو يفكر وهي
تفكر.... انتهت درجات السلم وفتح العش عش الزوجية حيث هو وهي وليس أحد
فتقدما إلى غرفتهما فأزاح هو نقابها ونظر إليها ولسان حاله يقول وأجمل منك
لم تر عيني وأجمل منك لم تلد النساء ثم توضأ وكبرا وقالا دعاء الاستفتاح
ثم ركعا واستشعرا سبوووووح قدووووس رب الملائكة والروح ثم سجداً وأطالا في
السجود واستشعرا أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وظلا يدعوان
ويدعوان ولامست الأرض دموع الحبيبين من شدة التبتل والتضرع ثم أتما
صلاتهما، وهنا وضع يده على جبينها ونظر اليها وتمتم بكلمات قائلا اللهم
ارزقني خيرها وخير ما جبلت عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلت
عليه................ أما أنا فقد استفقت من خيالي الواسع لأجد نفسي على
حاسوبي المحمول اسطر هذه الكلمات الوردية لأعود ثانية إلى ما أنا عليه
ولساني يردد أن الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات