أحبك في الله
أحبك في الله
مشعل العتيبي
أخوات
صدق، تقربن بمحبتهن لله، وعكفت قلوبهم على كتاب الله، وأسبلن دموعهن من
خشية الله، ما زالن إلى المعالي يتسابقن، وفي مصابيح الهداية يشرقن، سمو
وارتقاء، وخلق ونقاء، ومحبة تزداد في كل لقاء..ومنبع هذا كله الأخوة
الصافية أساسها الحب في الله.
انظري
إليهن وهن يتحركن في طاعة الله، انظري إليهن وهن يتواعدن في عمل خير
يقربهن إلى الله، والله ما جمعهن إلا الحب في الله، وما ألف بين قلوبهن
إلا الحب في الله ولله، لا يفرقهن خصام ولا يحدث بينهن هجران ولا ينزغ
بينهن شيطان، إذا سمعت إحداهن عن أخيتها نميمة وكذب قالت حاشا لله إنما
هذا بهتان ، إذا جاءها عن أخيتها قيل وقال قالت معاذ الله هذه وشاية حاسد
ومكائد شيطان، إذا وقفت خصيمة لأخيتها في الله وقد كانت معها في جماعة
المصلى والحلقات إذا وقفت تخاصمها تتذكر ولم ينسيها الشيطان ما كان بينهن
من حب ووئام.. تذكرت كيف كانت مع أخيتها قبل هذا الخصام، تذكرت أيام مضت،
تذكرت معاني الحب في الله، تذكرت بوقوفها وهي على طريق الالتزام بأنها
تعامل الله وأنها ترجو الله والدار الآخرة، تقف ولسان حالها إني أرجو الله
والدار الآخرة إني أرجو رضا الله فيك، فتقولها بقلب مليء بالحب والإيمان
تعلم أنها وقفت بين يدي أخيتها تخاصمها وهي على يقين أن أخيتها وإن أخطأت
عليها فهي تحب الله وتحب رسول الله، فتنظر إليها فتقولها ولا تترد تقولها
إن كنت قد أخطأت عليك فاعتذر فإن الله ربي وربك يصفح ويعذر، وإن كنت أنت من
أخطأ علي فأسأل من نشترك في حبه وعبادته أني قد عفوت عنك، تقولها عفوت
عنك لوجه الله.
والحب ما زال في الخفاق نلمسه *** بين الضلوع يداعبنا بسكناه
والإخوة اليوم كالأرواح واحدة *** إن هم تلاقوا على ما يقتضي الله
تلقاهم في دروب الخير قولهم *** درب الفلاح طريق قد سلكناه
فإن افترقنا في الأماكن إننا *** بدعائنا ما تفتر الأفواه
فكم للحب فى الله من دلالات، وكم فيه من تضحيات
تقول
إحدى الأخوات.. كنا معا في الكلية.. جمعتنا أوقاتنا الطيبة.. جمعتنا
الألفة والمحبة، جمعتنا أعمال المصلى من حفظ وطاعات ووسائل دعوية، تواصينا
على مذاكرة دروسنا سويا.. وتعاهدنا أنفسنا على إيقاظ بعضنا البعض لصلاة
الفجر ولقيام الليل.
كانت
أهدافنا تسمو للمعالي.. أربع سنوات قضينا فيها أروع الأوقات وهكذا
تخرجنا.. كتب الله لي أن أعمل معلمة في نفس المدينة، أما صاحبتي وفاء فكان
عملها في هجرة تبعد عنها قرابة المائتي كيلو هكذا أراد الله.. وهذه حكمة
الله تمر الأيام وقد كنا نتعاهد بعضنا بالتشاور والمزاح والزيارات، لا
أبالغ إذا قلت لكم أننا كنا نشعر بمحبتنا لبعضنا دون أن تنطق بها أحدنا،
كنا نرى هذه المحبة تدفع أجسادنا وجوارحنا أن نعمل لأهدافنا وغاياتنا وأن
نضحي بأوقاتنا لنكون بالقرب من بعضنا لترتقي هممنا ويزداد إيماننا..
اتفقنا
حبا في الدعوة واهتماما في العمل للدين أن ننظم إلى إحدى الدور أو
الجمعيات الخيرية لنكمل ما كنا عليه في الكلية بدأنا نتواصى على ذلك..
وانظممنا في الدار النسائية القريبة من البيت وجدنا أنفسنا في همة عالية..
كان حبنا لبعضنا يقودنا ويدفعنا.
كيف
لا ونحن نستشعر أنه حب لله وفي الله لم تصنعه دنيا ولم تقوده مصالح، تمضي
الأيام ونحن نمضي بثبات الحب الذي ساقنا إلى حفظ القرآن.
تمضي الأيام ونحن نمضي بثبات الحب الذي ساقنا لإرضاء رب الأنام، وهكذا كنا.. حتى بدأت صاحبتي وفاء تعاني من ضيق الوقت.
فلم
تستطع أن توفق بين عملها البعيد وبين الانتظام والحضور معنا في الدار عند
المساء حتى تباعدنا وأصبحنا لا نرى بعض إلا بالأسابيع ، وفوجئت ذلك
المساء بوالدة صاحبتي وفاء تتصل علي وهي تبكي وتقول ولاء يا بنيتي الحقي
بأختك وفاء.
فقد مضى لها قرابة العشر أيام وأنا لا أعلم ماذا بها ؟؟
أصبحت كسيرة منطوية لا تتكلم معي إلا بالدموع وبالبكاء فأرجوك بنيتي لعلها تراك وينشرح صدرها.
ذهبت أجر الخطا.. ذهبت متثاقلة بهموم تقلقني وخواطر تلاحقني.. ماذا بها ؟؟
دخلت عليها.. فإذا بي أجدها تصرخ في وجهي وهي تردد أخرجي.. أخرجي
لا أريد أن أراك.. لا أريد أن أرى أحد.. لا أريد أن أتكلم.. أرجوكم فبكت.. بكت بكاء قطع نياط قلبي.
أول مرة أراها تبكي هكذا.. أمسكت بها وأنا أهدئها وأقبل رأسها ويدها
فقالت والدتها: لقد اتفقنا مع أحد القراء أن يأتي إليها.. فقد رفضت حتى المستشفيات
لم أتمالك نفسي وأنا أنظر إليها.. خرجت وأنا أبكي فلم أتوقع أن يحدث ذلك ولكن الأقدار تجري على كل إنسان.
استأذنت من المدرسة أسبوع وأصبحت أرافق وفاء وألازمها في بيتها.
بدأت حالتها تسوء.. بدأ شعرها يتساقط.. قالوا لنا: أنها قد أصيبت بعين قوية قد تهلكها إذا لم نتداركها.
فيا الله.. كان الرقاه يتناوبون عليها.. وكم كانت تعاني من القراءة والآلام.. لكنني كنت معها أصبرها وأهون عليها .
وأسهر عند رأسها.. أقرأ عليها حتى تنام
مرت الشهور وحالتها وفاء تزداد سوء ووالدتها لا تملك إلا البكاء والدعاء..
وأنا معها.. معها في غرفتها.. ومعها ألح عليها مرات ومرات أن تأكل ومعها في دورة المياه لمساعدتها فقد كانت عاجزة ومهمومة..
أصبحت حركة وفاء ثقيلة جدا
ثلاثة
أشهر تمضي وصاحبتي أسيرة المرض لا تقوم إلا بصعوبة وأنا معها وبقربها،
أقرأ عليها وأضع الطعام في فمها وأنظف القذر من تحتها...
ووالدتها تبكي كل يوم وهي تحتضنني وتردد لم أكن أتصور كل هذا الوفاء وكل هذا الحب.
لم أكن أتصور أن الحب بينكن يصل إلى هذا الحد من التضحية والإيثار
بارك الله فيك يا ولاء بما قمت وتقومين به لأخيتك وفاء
فقلت
لها وأنا أنظر إلى وفاء: والله يا أمي ما قمت بشيء.. والله يا أم وفاء لم
أعمل شيء، والله لو أقطع من جسدي لحبيبتي لشفائها لما ترددت.. فنظرت فإذا
وفاء دموعها قد تساقطت ووالدتها تبكي فبكيت.. بكيت وأنا أتذكر حيويتها
ونشاطها..
بكيت وأنا أتذكر كيف كانت وكيف هي الآن..
علمت أن الله يريد أن يرى الحب بيننا..
علمت أن المنابر عند الله غالية.. علمت أن الله يريد أن يرى ذلك الحب الذي سيظله يوم لا ظل إلا ظله.
علمت أن الحب في الله ليس مجرد كلام بل عمل واحتساب ليوم الحساب
جاءت والدتي إلى بيت وفاء.. جاءت وهي تلح على أن إدارة المدرسة قررت أن تطوي قيدي وتفصلني حيث استمر غيابي وازدادت إجازاتي..
وبدأت والدتي ووالدة وفاء... بدأن يلحان علي بأن أعود إلى مدرستي..
فقلت لهم وأنا أنظر إلى رفيقة دربي وحبيبتي..
كيف تريدونني أن أعود.. وبأي نفس أعود.. بأي قلب أمشي بين الطالبات.. وقلبي مع من ملكت قلبي
كيف أعود إلى مدرستي وأنا مهمومة بحبيبتي..
والله لن أهنأ بحياتي إلا إذا رأيتها كما كانت معي
لن أهنأ بعيشي إلا إذا قرت عيني برؤيتها وهي بأحسن أحوالها..
والله لقد استمر هذا الحال سنة وصاحبتي وفاء تزداد ثقل في جسدها وصعوبة في حركتها
لقد أهلكها هذا المرض وهذه العين ولا حول ولا قوة إلا بالله
فيا الله إن لقضائك حكمة..
إن الله إذا أحب عبدا ابتلاه...
بدأت أتقرب إلى الله.. بدأت ألح على الله.. بدأ إيماني يزداد ويزداد تقربا واتصالا بالله
علمت أن الله يريد منا اللجوء إليه.. يريد منا التضرع إليه
وفاء ملقاة على الأرض.. وأنا لا أملك كل ليل إلا الدعاء والبكاء..
دعوت الله.. صدقت مع الله.. رجوت الله وأنا على يقين أن الله قريب.. أن الله مجيب..
أمن يجيب المضطر إذا دعاه..
والله ثم والله كم كنت أجهل أهمية الدعاء.. كم كنت أستهين بالدعاء..
تمر الأيام وأنا أشجع صاحبتي وأبكي بين يديها لتقبل على القرآن وتستعين بكلام الله
إقرأي البقرة وآل عمران.. إقرأي الفاتحة والمعوذات.. والله ستجدين الشفاء..
فلا إله إلا الله تمر الأيام وإذا بصاحبتي تحرك رجليها ثم حركت يديها..
بدأت تشعر بانشراح في صدرها..
بكيت.. بكيت لأنني علمت أن الله قد استجاب..
والله قد استجاب
ما أرحمك يا الله.. ما أكرمك يا الله..
انتصبنا بالليل فأعنتنا..
تصبرنا على البلاء فرفعت عنا.. دعوناك فأجبتنا..
بدأت صاحبتي تمشي.. بدأت وفاء تمد يديها.. مدتها لي.. لتمسك بي.. اندفعت علي
اندفعت وهي تضمني وهي تقبلني..
قبلتني.. وهي تنزل على ركبتيها نزلت بين قدمي.. لقد كانت تريد أن تقبل قدمي
بكت وهي تردد لن أنساك.. لن أنسى مواقفك.. لن أنسى ما قمت به من أجلي
فرفعتها.. وأنا أقبل رأسها وأقول والله ما قدمت شيء يا أخيتي
حبنا لبعضنا ليس كلام باللسان.. بل شعور في القلوب وأفعال بالجنان
حبنا لبعضنا ينبع من الإيمان.. ويتطلع لرضا الرحمن..
وهكذا لازلنا نتواصى ببعضنا.. ونتواصى مع بعضنا فاللهم لا تفرق بيننا..
صاحبتي هذه الأيام ترافقني في التسوق لزواجي فقد تقدم لي من رضينا بخلقه ودينه
وأنا أردد لن يفرقنا إلا الموت يا وفاء.. وهي تضحك وتقول بل قولي الزواج والحب الآخر.
فأمسكت بيدها وقبلتها وقلت سترين كيف يزداد ويزداد...
فقلت لله درهن.. تواصين على طاعة الله.. وتصبرن على قضاء الله
سلاحهن الدعاء وعونهن الحب في الله... فلله درهن وهنيئا لهن..
في داخلي التحمت مشاعر بهجتي *** بأحبة في شرعة الرحمـن
أحببتهن وسأظل أعلنها لهـن *** ما عدت قادرة على الكتمان
سأظل يبهرني جميل فعالـهن *** وأذوق منهن روعة التحنـان
سأظل داعية لهن في غيبهـن *** وتظل حجتنا على الإيمــان
الحب في الله
إن ترتقي همومنا إلى ما هو أسمى وأنفع في الدنيا
عندما تريدين أن تحبي في الله تذكري
قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل))
تذكري قول الله
(الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعضٍ عدوٌ إلا المتقين)
فأين الأنفس التي تعلقت بحب الأوهام من عشق وهوى وإعجاب
نفس خضعت للحب والشهوات
وغرقت في بحر الهوى واللذات... وبنت قصور الحزن والحسرات
مسكينة تخالها قصور النعم والجنات
وما تدري بأنها من إحدى علامات حب الذات
وبداية الأنانية والانحطاط
نعم،،، هي تلك النفس... انغمست في طاعة الشيطان
ونفذت أوامره بكل إتقان... وغفلت عن رب منان
رب عظيم رحمن.. رب كريم ذو جنان
فياحسرتاه على من أبدلت الحب في الله بحب الأوهام والعشق والإعجاب..
ويا خيبتاه على من لم تجرب الحب في الله الذي سيقودها إلى منابر الرحمن