منكرات الصيف - أبو جابر عبد الحليم توميات
لحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعد: فإنّ المنكرات في مجتمعنا كثيرةٌ، وهي موجودة في كلّ وقت، ولكنّها في فصل الصّيف تكثُر وتتعدّد ويُجَاهَرُ بها، حتّى أصبح هذا الفصل عَلَماً عليها.
وفي هذه
المقالة، ذكرٌ لكثيرٍ منها، ونصيحة وتنبيه لمن غفل عنها، وتعظيمٌ لشأنها
حتّى لا يُستهانَ بها، وتعليمٌ لمن جهل حكمَها، وفّقنا الله وجميعَ
المسلمين لما يحبّ ويرضى.
1- تضييع الأوقات. إنّ مصيبة تضييعِ الأوقات واقعةٌ في كلّ أيّام السّنة، لكنْ، إذا حلّ فصل الصّيف أصبح ذلك شيئا رسميّا !
ولقد شاع عند النّاس تسميتُه بفصل الرّاحة والعطلة، مع أنّه قد يدوم عند بعضهم أربعةَ أشهر! فيجعلون ثلث أعمارهم للّهو والبطالة والغفلة.
أيّها
المسلم .. إنّك مسؤول عن عمرك فيم أفنيته، عن كلّ ساعة ولحظة. واعلم أنّه
لا ينفعك أن تقول كنت في عطلة وراحة، والمؤمن لا يرتاح حتّى يدخُل القبر
فيرى مكانه من الجنّة، ولتعلمْ أنّ هذه الدنيا كلّها ساعاتٌ قلائل، قال تعالى: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:113].
وليس معنى
كلامنا المنعَ من التّرويح على النّفس، لا، ولكن قد جعل الله لكلِّ شيءٍ
قدرا، وهذا الترويح لا يرادُ لذاته، وإنّما يراد للغاية الّتي خلقَنا الله
لأجلها، وهي: عبادة الله تعالى، كما قال أبو الدّرداء:" إنّي لأسْتَجِمّ قلبي بشيءٍ من اللّهو لِيكونَ أقوى على الحقّ ".
أيّها المسلم .. إنّ عليك واجباتٍ ربّما لم يتّسع لك الوقتُ في سائر السّنة لأدائها، فها قد جاءتك فرصة الصّيف بأيّامه الطّويلة.
أيّها العامل .. إذا لم تتعلّم دينَك في هذه الأيّام، فمتى تتعلّمه ؟
وأيّها الشّاب الطّالب .. إذا لم تحفظ القرآن في الصّيف، فمتى يكون ذلك ؟
2- التوسّع في الملذّات والشّهوات.
إنّ فصل
الصّيف صار عند كثير من النّاس فصلَ التّبذير والإسراف، والتوسّع في
الملذّات والشّهوات، فتراهم يُنفقون الأموالَ الطّائلة في المأكولات،
والمشروبات، والرّحلات، والألعاب، ومنهم من يدّخر ذلك المالَ ويُقَتِّر على
نفسه وعلى عياله العامَ كلّه، من أجل الوفاء بهذه الخاصّية المقدّسة.
أيّها المسلم .. إنّك مسؤول عن أموالك من أين كسبتها ؟ وأين أنفقتها ؟ فحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وتذكّر قول الله عزّ وجلّ:{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء27].
3- الإقامة في أماكن المعصية.
وباسمِ التّرويح على النّفس، قد يذهب بعض النّاس إلى أماكنَ يُجاهَرُ فيها بمعصية الله تعالى:
كالشّواطئ الّتي تُكشَف فيها العورات، وتُنتهَك فيها الحرمات، والأماكن
الّتي تُشرَب فيها الخمور، وينتشر فيها القمار، ويُسمَع فيها الغناء، والله
تعالى ينهانا عن شهود أماكن الباطل، قال تعالى:{وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72].
وقال سبحانه:{وَقَدْ
نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ
يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ
جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:140].
4- السّفر إلى بلاد الكفر.
ومن
النّاس من يختار السّفر إلى بلاد الكفّار لقضاء عطلته، وهو اختيار خطأ؛
فإنّ سفره هذا - وإن كان لا يُقصد به دوام الإقامة - فإنّه لا يخلو من
مفاسدَ ومخاطرَ تدخله في حيِّزِ الممنوع.
ويكفي أنّه سفر لغير الحاجة، مع التعرّض لفتنة الشّبهات والشّهوات، وأنّه تبذير للمال في أمر غير نافع، وقد أفتى غير واحد من أهل العلم بتحريم السّفر إلى بلادهم بقصد النّزهة.
5- التّهاون في الطّاعات.
وقد يوسّع بعض النّاس مفهومَ الرّاحة، فتجده يتهاون في الطّاعات، ويؤخّر الصّلوات أو يتركها !
وقد يكون سبب ذلك فكرة تضييع الوقت الّتي تعطّل العقولَ وتسلب الإرادة، أو كثرة الأكل المورِّثة للكسل وقسوة القلب، أو الإقامة في أماكن المعصية، وربّنا تعالى يقول:{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ}.
وبعضُ النّاس يحتجّ في سائر السّنة في التّخلف عن صلاة الجماعة بالعمل والدّراسة ! فأيّ حجّة تبقى له في أيّام عطلته الرّسمية ؟
أيّها المسلم .. إنّ طاعة الله تعالى
ليست موسميّة، فقد خلقنا الله وأسكننا هذه الأرض لأجل العبادة، ولتتذكّر
أنّ الموت قدرٌ محتومٌ، وليس له وقت معلوم، فالحذرَ الحذرَ من سوء الخاتمة
! قال تعالى:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} [الأنبياء1].
6- العكوف على بعض المعاصي.
إذا حلّ
الصّيف استباح كثيرٌ من النّاس بعضَ المعاصي، وعكفوا عليها وجاهروا بها،
وعلى رأس هذه المعاصي: سماعُ الغناء والمعازف، وقد قال تعالى:{وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
مُهِينٌ} [لقمان:6].
وإنّ
الغناء مزماز الشّيطان، وعبادة أهل الجاهليّة، الّتي تنبت النّفاق في
القلب، وتحرِم العبدَ من حلاوة سماع القرآن، والغناء رُقيةُ الزّنا، وداعية
الشّرك - والعياذ بالله -، وهو سبب العذاب في الدّنيا والطّرد من رحمة
الله في الآخرة. [انظر تفصيل ذلك في المطوية رقم 19 من هذه السلسلة].
7- ظهور العداوات وكثرة الشّجار.
إذا أفرط
النّاس في اللّهو والمِزاح، وأكثروا من الأكل، وخاضوا في الحرام، وابتعدوا
عن ذكر الله المورِّث للطّمأنينة، وقست قلوبُهم بسماع الغناء: جرى
الشّيطان في عروقهم بكلّ حرّية، وأملى عليهم مطالِبَه بكلّ ارتياح، وعلى
رأس هذه المطالب: قول الفحش، والشِّجار الموجب للتّفريق بين الأزواج
والأحبّة.
وليعلمْ
المسلم أنّ القول الفاحش، وكثرةَ الشِّجار ليس هو الدّليلَ على القوّة
والصّلابة، كما قد يُزيِّنُه الشّيطان لبعضهم، ولا قهرَ النّاس والتغلّب
عليهم، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ ؟)) قيل: الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ. قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ )) [رواه مسلم].
وقال المولى عزّ وجلّ:{الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ
وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134]، وقال سبحانه:{وَلا
تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ
وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصّلت:34].
8- ظهور التعرّي.
ومن أظهر منكرات الصّيف فشوُّ التعرّي، سواء من جهة الذّكور أو الإناث.
ألا
فليعلمْ المسلمون أنّ كشفَ العورة معصيةٌ مُعلنة، ودعوة إلى الزّنا،
واعتداءٌ على النّاس، وقلّة حياء، وسوءُ أدب، وضعفٌ في الدّين.
وليعلموا أنّ كشف العورة سببٌ للحرمان من الجنّة، قال النّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( ... وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المَائِلَةِ، لاَ يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَاوَكَذَا )) [رواه مسلم].
وليعلموا أنّ التعرّي سببٌ للّعنة، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى السُّرُوجِكَأَشْبَاهِ الرِّحَالِ ... نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، عَلَى رُؤُوسِهِمْ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ العِجَافِ، اِلْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ )) [رواه أحمد، وصحّحه ابن حبان].
والتعرّي رمز الدياثة وذهاب الغيرة، وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( ثَلاَثٌ لاَ يَدْخُلوُنَ الجَنَّةَ، وَلاَ يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْيَوْمَ القِيَامَةِ: العَاقُّ وَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ الْمُتَشَبِّهَةُ بِالرِّجَالِ، وَالدَيُّوثُ )) [رواه أحمد].
أيّها
المسلم .. إنّك لست منهيّا عن كشف العورة فحسب، بل أنت مطالب بما هو من
مقتضى الأدب والمروءة وخصال الرجولة أن تحذر من كشف صدرك وظهرك في الشّوارع
أمام النّاس.
9- بيع الملابس المحرمة.
ومن
المنكرات الواضحة في المناطق السّاحلية: بيع الملابس الخليعة المحّرمة
(ألبسة السّباحة خاصّة)، وعرضُها جهرةً في الشّوارع على تلك الأصنام
البلاستيكية. وإنّ التّجارة فيها حرام؛ إذ هي من التّعاون على الإثم
والعدوان، والمالُ المكتسبُ منها حرام، وعرضُها في الشّوارع جهرةً دعوةٌ
إلى الفساد والانحلال، ومحادّة لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، وتَحَدٍّ لأهل العفّة والحياء والإيمان.
10- إرسال الأولاد إلى المخيّمات الصيفيّة.
ومن
الأخطاء الّتي يقع فيها كثير من الآباء: إرسال أولادهم (البنين والبنات)
إلى المخيّمات الصيفيّة، الّتي يغلِب عليها اختلاطُ الرّجال بالنّساء،
والذّكور بالإناث، ويتعلّمون فيها الرّقص والمجون والغناء، وتُكشف فيها
العورات على شواطئ البحار.
فلا يشكّ مسلم عاقل أنّ إرسال الأولاد إلى هذه المخيّمات منكرٌ عظيم، وخيانةٌ لمسؤولية التّربية الملقاة على عاتق الآباء.
بل إنّ ممن ينخرط في هذا السّلك بعض دعاة التنصير المتسترين،
الّذين يُغرُون المسلمين بتعليم أولادهم الثّقافة، واللّغات الأجنبيّة،
والقيام برِحْلات إلى البلاد الأوروبيّة. وإذا كانت الجمعيّة القائمة على
هذا النّشاط تابعةً للكنيسة، أو تُمَوِّلُها الكنيسة أو أجانب غربيون، فهذا
أمر واضح، ولا يقدم على تقديم أولاده إلى هؤلاء إلا مجرم أثيم.
11- تضييع الأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر.
إنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر واجب من الواجبات العينيّة على كلّ مسلم، لكن حسب الاستطاعة، قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُالإِيمَانِ )) [رواه مسلم].
وكلّ
منكرٍ بحسَبِه، وإذا كان يحتاج إلى تغيير باليد وجب تغييرُه، إلاّ إذا عجز
العبدُ فيكتفي باللّسان، أو قدّر أنّ تغييرَه باليد يجلب مفسدةً أعظمَ،
فإن عجز عن تغييره باللّسان وجب عليه تغيير المكان، لأنّه من تمام تغيير
المنكر بالقلب.
12- تنظيم الدّورات الرّياضيّة.
ومن الأمور المخالِفة للشّرع: تنظيمُ الدّورات الرّياضية القائمة على القمار، والّتي لا تُحترَم فيها الأحكامُ الشّرعية.
وكثيرٌ من
النّاس يجهل أنّ الجوائز - ولو كانت من غير المتنافسين - لا تجوز، إلاّ
في المسابقات العلميّة الشّرعية، أو فيما ينفع في تقوية البدن لجهاد
الأعداء. قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (( لا سبَقَ، إِلاَّ فِي خُفٍّ، أَوْ نَصْلٍ، أَوْ حَافِرٍ )) [رواه أهل السنن، وصحّحه ابن حبان].
والسَّبَقُ
- بفتح الباء - هو الجائزة، وما يجعل للسّابق على سبقه، فلا يُستحَقّ
إلاّ في سباق الخيل والإبل والرّمي، ويلحق بها كلّ ما يُستعانُ به على
الجهاد: كالسّباق على الأقدام.
وأمّا الرياضات، والمنافسات الّتي ليس فيها معنى النِّزال والإعداد، فلا يجوز جعلُ الجوائز عليها، كلعبة كرة القدم وما شابهها، والشّطرنج، ونحوها، والله أعلم.
وسبحانك اللّهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.