القول في تأويل قوله تعالى
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ..
القول
في تأويل قوله تعالى : { وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ
اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }
تفسير الطبري - (ج 12 / ص 33)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين
به: ولا تسبُّوا الذين يدعو المشركون من دون الله من الآلهة والأنداد،
فيسبَّ المشركون اللهَ جهلا منهم بربهم، واعتداءً بغير علم ، كما:-
13738- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن
علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله
فيسبوا الله عدوًا بغير علم)، قال: قالوا: يا محمد، لتنتهين عن سبِّ
آلهتنا، أو لنهجوَنَّ ربك ! فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم، فيسبوا الله
عدوًا بغير علم .
13739- حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة
قوله:(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم)، كان
المسلمون يسبون أوثان الكفار، فيردّون ذلك عليهم، فنهاهم الله أن
يستسِبُّوا لربهم، (1) فإنهم قومٌ جهلة لا علم لهم بالله .
13740- حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط،
عن السدي:(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم)،
قال: لما حضر أبا طالب الموتُ، قالت قريش: انطلقوا بنا فلندخل على هذا
الرجل، فلنأمره أن ينهى عنا ابن أخيه، فإنا نستحي أن نقتله بعد موته، فتقول
العرب:"كان يمنعه فلما مات قتلوه" ! فانطلق أبو سفيان، وأبو جهل، والنضر
بن الحارث، وأمية وأبيّ ابنا خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمرو بن العاص،
والأسود بن البختري، وبعثوا رجلا منهم يقال له:"المطلب"، قالوا: استأذن على
أبي طالب ! فأتى أبا طالب فقال: هؤلاء مشيخة قومك يريدون الدخولَ عليك !
فأذن لهم، فدخلوا عليه فقالوا: يا أبا طالب، أنت كبيرنا وسيدنا، وإنّ
محمدًا قد آذانا وآذى آلهتنا، فنحبّ أن تدعوه فتنهاهُ عن ذكر آلهتنا،
ولندَعْه وإلهه ! فدعاه، فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال له أبو
طالب: هؤلاء قومك وبنو عمك ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تريدون؟
قالوا: نريد أن تدعنا وآلهتنا، وندعك وإلهك ! قال له أبو طالب:
قد أنصفك قومك، فاقبل منهم ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أرأيتم إن
أعطيتكم هذا، هل أنتم معطيَّ كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب، ودانت لكم
بها العجم، وأدَّت لكم الخراج؟ (1) قال أبو جهل: نعم وأبيك، لنعطينكها
وعشرَ أمثالها، فما هي؟ قال: قولوا:"لا إله إلا الله"! فأبوا واشمأزُّوا .
قال أبو طالب: يابن أخي، قل غيرها، فإن قومك قد فزعوا منها ! قال: يا عم،
ما أنا بالذي أقول غيرها حتى يأتوني بالشمس فيضعوها في يديّ، (2) ولو أتوني
بالشمس فوضعوها في يديّ ما قلت غيرها! إرادةَ أن يُؤْيسهم ، فغضبوا
وقالوا: لتكفّنَّ عن شتمك آلهتنا، أو لنشتمنك ولنشتمن من يأمرك . فذلك
قوله(فيسبوا الله عدوًا بغير علم) .
13741- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن
قتادة قال: كان المسلمون يسبون أصنام الكفار، فيسب الكفار الله عدوًا بغير
علم، فأنزل الله:(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا
بغير علم) .
13742- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:(فيسبوا
الله عدوًا بغير علم) قال: إذا سببت إلهه سبَّ إلهك، فلا تسبوا آلهتهم .
* * *
قال أبو جعفر: وأجمعت الحجة من قرأة الأمصار على قراءة ذلك: (3) (
فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ )، بفتح العين، وتسكين الدال،
وتخفيف الواو من قوله:(عدوًا)، على أنه مصدر من قول القائل:"عدا فلان على
فلان"، إذا ظلمه واعتدى عليه،"يعدو عَدْوًا وعُدُوًّا وعُدْوانًا".
و"الاعتداء"، إنما هو:"افتعال"، من ذلك . (1)
* * *
روى عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك:"عُدُوًّا" مشددة الواو .
13743- حدثني بذلك أحمد بن يوسف قال، حدثنا القاسم بن سلام قال، حدثنا
حجاج، عن هارون، عن عثمان بن سعد:( فَيَسُبُّوا اللَّهَ عُدُوًّا )، مضمومة
العين، مثقّلة . (2)
* * *
وقد ذكر عن بعض البصريين أنه قرأ ذلك: (3) "فَيَسُبُّوا الَله عَدُوًّا"،
يوجِّه تأويله إلى أنهم جماعة، كما قال جل ثناؤه:( فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي
إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ )، [سورة الشعراء: 77] ، وكما قال:( لا
تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ )، [سورة الممتحنة: 1]
ويجعل نصب"العدوّ" حينئذ على الحال من ذكر"المشركين" في قوله:(فيسبوا) ، =
فيكون تأويل الكلام: ولا تسبوا أيها المؤمنون الذين يدعو المشركون من دون
الله، فيسب المشركون الله، أعداءَ الله، بغير علم . وإذا كان التأويل هكذا،
كان"العدوّ"، من صفة"المشركين" ونعتهم، كأنه قيل: فيسب المشركون أعداء
الله، بغير علم= ولكن"العدوّ" لما خرج مخرج النكرة وهو نعت للمعرفة، نصب
على الحال .
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القراءة عندي في ذلك، قراءةُ من قرأ بفتح العين
وتخفيف الواو، لإجماع الحجة من القرأة على قراءة ذلك كذلك، وغير جائز
خلافُها فيما جاءت به مجمعة عليه .
تفسير ابن كثير - (ج 3 / ص 314)
يقول تعالى ناهيا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين (5) عن سب آلهة
المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي
مقابلة المشركين بسب (6) إله المؤمنين، وهو الله لا إله إلا هو.
كما قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه الآية: قالوا: يا محمد،
لتنتهين عن سبك آلهتنا، أو لنهجون ربك، فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم، {
فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }
وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: كان المسلمون يسبون أصنام الكفار، فيسب الكفار الله
ومن هذا القبيل -وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها -ما جاء في الصحيح أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ملعون من سب والديه". قالوا يا رسول
الله، وكيف يسب الرجل والديه؟ قال: "يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه
فيسب أمه". أو كما قال، عليه السلام (4) (5)
فتح القدير - (ج 2 / ص 461)
لموصول عبارة عن الآلهة التي كانت تعبدها الكفار . والمعنى : لا تسب يا
محمد آلهة هؤلاء الكفار التي يدعونها من دون الله ، فيتسبب عن ذلك سبهم لله
عدواناً وتجاوزاً عن الحق ، وجهلاً منهم .
وفي هذه الآية دليل على أن الداعي إلى الحق ، والناهي عن الباطل ، إذا خشي
أن يتسبب عن ذلك ما هو أشد منه من انتهاك حرم ، ومخالفة حق ، ووقوع في باطل
أشد كان الترك أولى به ، بل كان واجباً عليه ، وما أنفع هذه الآية وأجل
فائدتها لمن كان من الحاملين لحجج الله ، المتصدين لبيانها للناس ، إذا كان
بين قوم من الصم البكم الذين إذا أمرهم بمعروف تركوه ، وتركوا غيره من
المعروف . وإذا نهاهم عن منكر فعلوه وفعلوا غيره من المنكرات؛ عناداً للحق
وبغضاً لاتباع المحقين ، وجراءة على الله سبحانه ، فإن هؤلاء لا يؤثر فيهم
إلا السيف ، وهو الحكم العدل لمن عاند الشريعة المطهرة وجعل المخالفة لها
والتجرؤ على أهلها ديدنه وهجيراه ، كما يشاهد ذلك في أهل البدع الذين إذا
دعوا إلى حق وقعوا في كثير من الباطل ، وإذا أرشدوا إلى السنة ، قابلوها
بما لديهم من البدعة ، فهؤلاء هم المتلاعبون بالدين المتهاونون بالشرائع ،
وهم شرّ من الزنادقة ، لأنهم يحتجون بالباطل وينتمون إلى البدع ، ويتظاهرون
بذلك غير خائفين ولا وجلين ، والزنادقة قد ألجمتهم سيوف الإسلام ،
وتحاماهم أهله ، وقد ينفق كيدهم ، ويتمّ باطلهم وكفرهم نادراً على ضعيف من
ضعفاء المسلمين ، مع تكتم وتحرز وخيفة ووجل ، وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى
أن هذه الآية محكمة ثابتة غير منسوخة ، وهي أصل أصيل في سدّ الذرائع ، وقطع
التطرّق إلى الشبه .
المراجع
تفسير الطبري/ المكتبة الشاملة
تفسير بن كثير المكتبة الشاملة
فتح القدير / للشوكاني / المكتبة الشاملة
ارجوا من الاخوة المساعده في تخريج الاحاديث والاثار الوارده اعلاه لإني بحثة عنها فلم اجدها