خطبة جمعة عن (الإمتحانات) للشيخ محمد الشنقيطي حفظه الله تعالى
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل.
عباد
الله: في هذه الأيام يعيش الطلاب والطالبات هموم الامتحانات والاختبارات
فنسأل الله العظيم أن يعينهم وأن يشرح صدورهم وأن ينور قلوبهم.
يا
معاشر الطلاب والطالبات: خير الوصايا وأنفعها وأصلحُها وللخير أجمعها:
الوصية بتقوى الله عز وجل؛ فمن اتقى الله جعل له من كل هم فرجًا، ومن كل
ضيق مخرجًا، ومن اتقى الله جعل له من أمره يسرًا، وجعل العسير يسيرًا وأتاه
خيرًا كثيرًا.
يا معاشر الطلاب والطالبات: خذوا بأسباب النجاح
وأسباب الصلاح والتوفيق والفلاح، وأجمعها وأصلحها: أن تعلموا علم اليقين
أنه لا حول ولا قوة للعبد إلا بالله رب العالمين، توكلوا على الله وفوضوا
الأمور إلى الله، واعلموا أنه لا ملجأ ولا منجا من الله إلا إلى الله، لا
تعتمدوا على الذكاء والحفظ ولا على النبوغ والفهم ولكن توكلوا على الحي
الذي لا يموت وسبحوا بحمده، وكان يقول: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".
إذا
أراد الله بعبده التوفيق جعله مفوضًا الأمور إليه ووفقه وسدده؛ لكي يعتمد
على حول الله وقوته لا على حوله وقوته، وإذا وكل الله العبد إلى نفسه وكلَه
إلى الضعف والخور.
يا معاشر الطلاب والطالبات: هذا أوان الجد
والاجتهاد فاجتهدوا ولكن الله الله في أنفسكم، الله الله في أرواحكم
وأجسادكم، اتقوا الله في نفوسكم (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195]. لا تحملوا النفوس ما لا تطيق من السهر والتعب؛ فإن الله سائلكم عن هذه الأرواح وهذه الأجساد.
وقال سلمانُ رضي الله عنه وأرضاه لأبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه: إن لنفسك عليك حقًا. فقال: "صدق سلمان".
بعض الطلاب والطالبات يرهقون أنفسهم ويعذبون أرواحهم وأجسادهم. ألا فاتقوا الله في أنفسكم (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) [النساء:29]. يعذب نفسه فلربما خرج من أيامه بألم في نفسه أو مرض في جسده؛ فالمنبت لا ظهرًا أبقى ولا أرضًا قطع.
يا
معاشر الطلاب والطالبات: إياكم والغش والتزوير فإنه خيانة وبئس البطانة،
من كانت حياته على الغش سلبه الله الخير في دنياه وأخره قال حبر الأمة
وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "من خادع الله يخدعه الله".
فمن نجح بالزور وغش ودلس؛ فإن الله يمكر به ويعاقبه في دنياه قبل أخراه إلا من تاب فيتوب الله عليه.
يا
معاشر الطلاب والطالبات: ها هي أيامُ الاختبارات قد أقبلت عليكم فاستعينوا
بالله وتراحموا وتعاضدوا، وإياكم والشحناء والبغضاء والحسد، ليكن كل إنسان
كما أمره الله أن يكون، يحب لأخيه ما يحب لنفسه فتعاونوا وتراحموا
وتعاطفوا؛ فإن احتاج إليك أخوك في حاجة أو في مسألة فأعنه أعانك الله على
أمورك؛ فمن نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن
أعان أخاه أعانه الله في دنياه وأخراه.
يا معاشر الطلاب والطالبات: الحسدُ لا خير فيه، تنافسوا وليكن ذلك على وجه يرضي الله عز وجل.
الحسد
حسد الغبطة لا حسد الشحناء والبغضاء، ولا تتمنوا زوال نعم الله عن عباد
الله، واشكروا فضل الله عليكم واحمدوه على نعمه التي لديكم.
يا
معاشر الطلاب والطالبات: إن لله حرمة، ولكتابه حرمة ولسنة النبي وكتب العلم
حرمة عظيمة ألا فاتقوا الله في كتاب الله، اتقوا الله في الآيات، واتقوا
الله فيما جمعته الأوراق من كلام الله وكلام رسول الله .
القرآن
أعظم وأجل وأكرم من أن يرمى في الطرقات، أو تقطع أوراقه للامتحانات، الله
الله في كتاب الله، وفي كلام الله وكلام رسول الله، وإياكم وامتهان كتاب
الله؛ فمن امتهن شيئًا من كتاب الله فإن الله يهينه، ولربما ينتقم منه في
دينه أو دنياه أو آخرته فاتقوا الله عباد الله (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) [البقرة:281].
يا
معاشر الطلاب والطالبات: الرضا بقضاء الله، والتسليم لأمر الله نعمة من
الله على عباد الله وإماء الله؛ فإن دخلتم ووجدتم بعد الاختبار خيرًا
فاحمدوا الله على فضله، واشكروه على نعمه واسألوا المزيد من جوده وكرمه،
ولا تقولوا نجحنا بحولنا ولا بقوتنا ولا ذكائنا؛ فالله قادر على أن يسلبك
العافية، والله قادر على أن يسلبك الذكاء والفهم؛ فسبحان من بيده ملكوت كل
شيء، له الفضل كله، وله الحمد كله؛ فالحمد لله على كل حال. وإن وجدتها
محزنة ووجدت الإختبار مؤلمًا قاسيًا فقل الحمد لله فلعل درجة من الدنيا
تفوت عنك فيعوضك الله بها درجات الآخرة.
الرضا عن قضاء الله، إياك
والسب والشتم والغيبة، إياك وأذية المؤمنين في الغيب أو انتقاص من له عليك
فضل كبير وهم معلموك ومربوك؛ فاذكرهم بالجميل ورد إلى نفسك التقصير، وسل
الله أن يجبر لك الكسر.
يا معاشر الآباء والأمهات: رفقًا بالأبناء
والبنات ها هي أيامهم قد أقبلت وهمومهم قد عظمت فخذوهم بالعطف والحنان
واشملوهم بالمودة والإحسان، وأعينوهم على هموم الاختبار والامتحان يكن لكم
في ذلك الأجر عند الكريم المنان، أحسنوا إلى الأبناء والبنات وخففوا عنهم
في التبعات ويسروا عليهم يسر الله عليكم الأمور، أعينوهم على ما هم فيه
وقوموا بواجبهم عليكم، علموهم وأرشدوهم واشحذوا هممهم.
بعض من
الآباء لا يبالي بأبنائه وبناته ولربما جاءه ابنه فرحًا مسرورًا بنجاحه فلا
يعطيه وجهًا، وبعض الأمهات لا يبالين بتربية الأبناء والبنات، فلا سؤال
ولا توجيه ولا إرشاد، الله الله في هذه الذرية الضعيفة، عيشوا مشاعرهم،
وأدخلوا السرور عليهم؛ فإنها ذرية ضعيفة، تحتاج منكم إلى العطف والإحسان،
قل لي بربك لو رأى ابنك جاره، أو رأى ابنك ابنًا قريبًا لقريب منك جاء إلى
أبيه فرحًا مسرورًا فكافأه على نجاحه، وجاءك فرحًا مسرورًا فلم تعطه وجهًا
ولم ترد إليه جميلاً وقولاً؟ الله الله في كسر القلوب، الله الله في أذية
هؤلاء الضعفاء، أحسنوا فإن الله يحب المحسنين.
اللهم إنا نسألك
التيسير، اللهم يسر أمورنا واشرح صدورنا، ووفق أبناءنا وبناتنا، اللهم
اجعلهم مشاعل النور والهداية، وخذ بهم إلى سبيل الرضا والولاية يا أرحم
الراحمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد
لله الواحد القهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مقلب القلوب
والأبصار، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله المصطفى المختار، صلى
الله عليه وعلى صحابته الأبرار، وآل بيته الطيبين الأطهار، ومن سار على
نهجهم واهتدى بهديهم إلى يوم الحشر والقرار.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل.
عباد
الله: اتقوا الله حقيقة التقوى واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى،
واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى، وأكثروا من ذكر الموت والبِلَى،
وقرب المصير إلى الله جل وعلا.
معاشر المعلمين والمعلمات والمربين
والمربيات: ها هو نصف عام ستطوى صحيفته، وتذهب أيامه وذكرياته، ذهبت بما
فيها منكم من التوجيه والتعليم والإرشاد، شكر الله سعيكم وعظم الله أجوركم
وجزاكم عن أبناء المسلمين وبناتهم بخير الجزاء وأوفاه، نعم ما صنعتم، وأسأل
الله أن يعظم الأجور لنا ولكم.
معاشر المعلمين والمعلمات:
الامتحانات مسئوليات وأمانات وتبعات؛ فالله الله في فلذات أكباد المؤمنين،
فاتقوا الله عز وجل فيهم، كونوا أشداء بدون عنف، ورحماء بدون ضعف، وأعطوا
كل ذي حق حقه وكل ذي قدر قدره، وزنوا بالقسطاس المستقيم، واعدلوا بين
أبنائكم وبناتكم؛ فإنهم أمانة في أعناقكم.
اعلموا رحمنا الله
وإياكم: أن الاختبار لا يقصد به التعجيز والأذية والإضرار، فهذه ذرية ضعيفة
بين أيديكم إياكم وأن تشقوا عليهم فتكلفوهم ما لا يستطيعون أو تحملوهم ما
لا يطيقون فقد قال : "اللهم من ولي من أمور أمتي شيئًا فشق عليهم، فاللهم اشقق عليه" الله
الله أن يُشق عليكم فاتقوا الله في هؤلاء، وأحسنوا إليهم، إن الله يحب
المحسنين، ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء، قدروا ضعفهم، واشملوهم
بالعطف والحنان.
إن الطلاب والطالبات يدخلون إلى الامتحان
والاختبار بنفوس مهمومة، وقلوب مغمومة، فيها من الأكدار، وفيها من الأشجان
والأحزان ما الله به عليم؛ فامسحوا على رؤوسهم عطفًا وحنانًا، وأكرموهم
لطفًا وإحسانًا؛ فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
معاشر
المعلمين والمعلمات: أسئلة الاختبار أمانة في أعناقكم؛ فاحفظوا الأمانات.
ألا لا إيمان لمن لا أمانة له، إفشاء الأسرار أو تنبيه الطلاب على مواضع
الأسئلة، أو السكوت عن الغشاشين والمتساهلين ذنب كبير، ووزر عظيم وشر
مستطير يخرج للأمة من يتسمى بالعلم غشًا وزورًا وتحمل بين يدي الله إثمه
ووزره فاتقوا الله يا عباد الله.
يا معاشر المعلمين والمعلمات:
درجات الاختبار أمانة، فاتقوا الله في أبنائكم الطلاب وبناتكم الطالبات،
أعطوا كل ذي حق حقه، وكل ذي قدر قدره، وزنوا بالعدل والقسط فإن الله يحب من
عدل، وأحسنوا فإن الله يحب المحسنين، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم
لنا ولكم، ولجميع المسلمين السداد.
(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا) وقال: "من صلى علي مرة صلى الله عليه بها عشرًا".