فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل
قالَ شَيْخُ الإسْلام الإمامُ ابن تَيْميَّة (ت: 728هـ) ـ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى ـ:
[ وإنَّما دين الله ما بعث به رسله، وأنزل به كتبه، وهو الصِّراط المستقيم،
وهو طريقة أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
خير القرون وأفضل الأمَّة، وأكرم الخلق على الله تَعَالَى بعد النَّبيين،
قالَ تَعَالَى:
{ وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ
رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ }
التَّوبة: 100
فرَضِيَ عن السَّابقين الأوَّلين رضًى مُطلقًا،
ورَضِيَ عن التَّابعين لهم بإحسان ]
وقد قالَ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأحاديث الصَّحيحة:
( خير القرون القرن الَّذي بعثت فيهم، ثمَّ الَّذين يلونهم، ثمَّ الَّذين يلونهم )
وكان عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يقول:
[ مَنْ كان منكم مُسْتنًّا فليستن بمن قد مات، فإنَّ الحي لا تُؤمن عليه الفتنة،
أولئك أصْحاب رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبر هذه الأمَّة قلوبًا،
وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا،
قومٌ اِخْتارهم الله لصحبة نبيِّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإقامة دينه،
فاعرفوا لهم حقَّهم، وتمسكوا بهديهم، فإنَّهم كانوا على الهدى المستقيم ]
وقال حذيفة بن اليمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:
[ يا معشر القراء !، اِسْتقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم،
فوالله لئن اِتَّبعتموهم لقد سبقتم سبقًا بعيدًا،
ولأن أخذتُم يمينًا وشمالاً لقد ضللتم ضلالًا بعيدًا ]
وقد قالَ عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ :
( خطَّ لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطًّا،
وخطَّ حوله خطوطًا عن يمينه وشماله ثمَّ قالَ:
هذا سبيل الله، وهذه سُبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثمَّ قرأ:
{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ}﴾
الأنعام: 153
وقد أمرنا سُبْحَانَهُ أن نقول في صلاتنا:
{ اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ
غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }
الفاتحة: 6، 7
وقالَ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( اليهود مغضوب عليهم، والنَّصارى ضالُّون )
وذلك أن اليهود عرفوا الحق ولم يتبعوه، والنصارى عبدوا الله بغير علم.
ولهذا كان يُقال:
تعوَّذوا بالله من فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل؛
فإنَّ فتنتهما فتنة لكل مفتون
وقال تعالى:
{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }
طه: 123، 124
قالَ ابن عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا:
[ تكفَّل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألاَّ يضل في الدُّنيا،
ولا يشقى في الآخرة ]
وقرأ هذه الآية.
وكذلك قوله تعالى:
{ الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ
وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }
البقرة: 1، 5
فأخبر أنَّ هؤلاء مهتدون مفلحون،
وذلك خلاف المغضوب عليهم والضَّالين
[ مجموع الفتاوىٰ / 3/127،128 ]