بيان النجاسات بالوصف والتعيين * اسم المفتي: عبد الرحمن بن ناصر السعدي السؤال: هل الأشياء النجسة محدودة أو معدودة؟ وصفة ذلك؟أولاً: يجب أن يعلم أن الأصل في جميع الأشياء الطهارة فلا تنجس ولا ينجس منها إلا ما دل عليه الشرع. فهذا أصل محدود لا يشذ عنه شيء. وأما ما ورد أنه نجس فمنه ما هو محدود، ومنه صور معدودة، ويجمعها جميعًا أنها كلها خبيثة، ولكن محل الخبث قد يخفى علينا، فنبهنا الشارع على ما يدلنا ويرشدنا إلى ذلك.
فمن المحدود: أن الخارج من السبيلين الذي له جرم نجس إلا المني، فإنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم طهارته، وأنه ينبغي فرك يابسه وغسل رطبه([1]) .
ومن المحدودة: أن ما حرم أكله، وهو أكبر من الهر خلقة فإنه نجس؛ كالكلب والخنزير، وسباع البهائم.
فهذه جميع أجزائها، وما خرج منها نجس، ولا يستثنى منها شيء؛ على المشهور من المذهب.
والصحيح أن الحمار والبغل ريقه وعرقه وشعره وما خرج من أنفه طاهر بخلاف بوله وروثه وأجزائه فإنها خبيثة نجسة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركبهما والصحابة رضي الله عنهم([2]) ، ولم يأمر بتوقي عرقها وريقها وشعرها، وهي أولى من طهارة سؤر الهر الذي ثبتت طهارته، وعلله صلى الله عليه وسلم: بـ
((أنهن من الطوافين عليكم والطوافات)) ([3]) ، ومشقة ملامسة الحمير والبغال أشق من الهر بكثير، وأولى بالإباحة والتطهير.
وأما محرم الأكل مما هو مثل الهر أو أصغر منه فإن سؤره وريقه وعرقه طاهر، وأما بوله وروثه وجميع أجزاء لحمه فإنه نجس، سوى ما ليس له نفس سائلة فإن جميع أجزائه طاهرة كالعقرب والذباب ونحوهما.
وأما مأكول اللحم فكل ما منه طاهر سوى الدم، وما تولد من الدم من قيح وصديد.
ومن المحدود من النجاسات: جميع الميتات سوى ميتة الآدمي والسمك والجراد، وما لا نفس له سائلة فإنها طاهرة.
ومن المحدود أيضًا: كل مسكر مائع نجس من أي نوع كان.
ومن المحدود أيضًا: أن جميع الدماء نجسة إلا دم ما لا نفس له سائلة،
وما يبقى بعد الذبح في العروق واللحم فهو طاهر، وإلا دم الشهيد عليه خاصة.
ولهذا كان الدم ثلاثة أقسام:
1 ـ طاهر كهذه المذكورات.
2 ـ ونجس لا يُعفى ولا عن يسيره كدم الكلب والسباع.
3 ـ ونجس يُعفى عن يسيره وهو ما سوى هذين.
فصار الدم أصله النجاسة كما بينّا
وقد عُلم من هذا ومما تقدم أن الخارج من بدن الإنسان ثلاثة أقسام:
1 ـ نجس لا يعفى عن يسيره: كالبول والغائط.
2 ـ ونجس يعفى عن يسيره: كالدم، وما تولد منه، والقيء على المذهب، وكذا المذي على الصحيح.
3 ـ وما سوى ذلك، فطاهر: كالريق، والبصاق، والنخامة، والمخاط، والعرق، وما سال من الفم وقت النوم، وصمغ الأذنين، وغير ذلك والله أعلم.
ومن النجس غير ما تقدم: الحشيشة المُسكرة.
----------------------------
([1]) وذلك فيما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أفركه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فركًا فيصلي فيه رواه مسلم (288) (105).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولو كان نجسًا لم يجزئ فركه كسائر النجاسات" اهـ. "شرح العمدة" (1/ 111).
وقال الحافظ ابن حجر: "وهذا التعقيب بالفاء ينفي احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة، وأصرح منه رواية ابن خزيمة: أنها كانت تحكه من ثوبه وهو يصلي، وعلى تقدير ورود شيء من ذلك فليس في حديث الباب ما يدل على نجاسة المني؛ لأن غسلها فعل، وهو لا يدل على الوجوب بمجرده، والله أعلم" "الفتح" (1/ 333).
وفي حديث عائشة الآخر عن سليمان بن يسار قال: سألت عائشة يصيب الثوب فقالت: كنت أغسله من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخرج إلى الصلاة وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء. رواه البخاري (230) واللفظ له ومسلم (289) (108).
وللحافظ ابن القيم في كتابه "بدائع الفوائد" (3/ 119 ـ 126) مناظرة فقهية ومساجلة علمية رائعة في غاية التحقيق حول طهارة المنهي، يَحسُن مراجعتها.
([2]) ومن ذلك: حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال لي: ((يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟. . )) الحديث. رواه البخاري (2856) ومسلم (30) (49). وللحافظ ابن منده كتابًا فيمن أردفهم النبي صلى الله عليه وسلم.
([3]) حديث صحيح: رواه أبو داود (75)، والنسائي (1/ 55، 178) والترمذي (92) وابن ماجه (367) وابن خزيمة (104) من طريق كبشة بنت كعب بن مالك ـ وكانت تحت ابن أبي قتادة ـ أن أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءًا. قالت: فجاءت هرة تشرب، فأصغي لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه؛ فقال: أتعجبين يا بنت أخي؟ فقلت: نعم. قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنها ليست بنجس؛ إنها من الطوافين عليكم والطوافات)) وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصدر الفتوى: إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب - ص 44 ـ 48 [ رقم الفتوى في مصدرها: 13]
RSS v2.0 FEED أضف الصفحة إلى MySpace! أضف الصفحة إلى iGoogle أضف الصفحة إلى My Yahoo أضف الصفحة إلى Microsoft live أضف الصفحة إلى facebook برنامج قارىء RSS Subscribe Bookmark and Share