هل تريد منزلة الملائكة المقربين ؟
كلنا
نعلم أن تحولاً هائلاً قد وقع في الكون بنزول القرآن الكريم ، حيث سارت معه
قافلة الحياة ، على هدى ونور من خالقها ومبدعها ، ونشطت مع فجره نفوس لبت
نداء ربها فأحياها وجعل لها نوراً تمشي به في الناس. وبقي القرآن بقاء
النور في الكون ، لا يتوقف مدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولم نر
شيئاً تفجرت به ينابيع الحكمة وامتدت منه أنهار المعرفة في غير انقطاع كما
تم للقرآن الكريم { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا
الألباب } (ص 29 ) .
لقد
شغل الناس جميعاً من آمن به وصدقه ومن أعرض عنه وكذبه. وأثر في هذا وذاك ،
مطاوعة ومكابرة ، وتأييداً ومعارضة ، ونجاة وهلاكاً ، ورفعاً ووضعاً ،
وحرباً وسلماً ، وهزيمة ونصراً ، وظل القرآن في جميع الأحوال وسيظل عزيزاً
شامخاً أبياً ، ولو تكسرت من حوله السيوف ، أو ضعفت في الأقبال عليه النفوس
{ وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم
حميد } (فصلت 41) .
لقد
نزل القرآن الكريم وبنزوله طويت الكتب ، وختمت الرسالات ، وحفظت للناس
أسباب الحياة ، ولقد بين الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه أن الذين
يداومون على تلاوته ، ويعملون بأحكامه ، ويحذرون مخالفته ، أولئك يوفيهم
الله ما يستحقونه من الثواب العظيم ، ويضاعف لهم الأجر الكريم { إن الذين
يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانيةً يرجون
تجارة لن تبور ، ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور } (فاطر :
29-30 ) ولقد صان الله كتابه عن التحريف والتبديل : { إنا نحن نزلنا الذكر
وإنا له لحافظون } (الحجر: 9) .
ومضى
القرآن في الحياة يعلن الرسالة : رسالة جميع الأنبياء كما جاءت من عند
الله ، ويقيم الحجة على الناس جميعاً ، ويدعوهم إلى كلمة سواء .
يدعو
الناس في كل زمان ، ويتلى عليهم في كل مكان ، ويهديهم في كل شأن للتي هي
أقوم . وبالقرآن وبيانه نستطيع أن نزن الأمور كلها بالميزان الصحيح ، ميزان
الله الذي أنزله وحفظه وأبقاه : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم
الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط } (الحديد : 25 ) . لقد نزل هذا
الكتاب المبين في شهر رمضان الكريم ، في بلد الله الأمين على سيد ولد آدم
أجمعين ، فاجتمع الشرف من جميع جوانبه ، شرف الزمان وشرف المكان وشرف
الإنسان :
نور
الكتاب أضاء فيمن قبلنـــا <><> فمحى الشكوك وبدد الأوهامــا
صاغ
الجنود على هدي من شرعه <><> قمماً تضئ وترتفع الأعلامــا
فتحوا
البلاد ليملؤها عـــــزة <><> كسوا الوجود محبة وسلامــا
من
فوق مئذنة الحضارة أذنــوا <><> للحق لحناً أيقظ النوامـــــا
الله
أكبر ، رددوها للــــورى <><> فصحا الجميع وحققوا الأحلامـا
إن
القرآن العظيم رسالة ربانية المنهج ، متكاملة المعالم والأغراض ، واضحة
المعاني والأهداف ، سهلة الفهم والتطبيق ، ومع ذلك فالناس في الغالب نيام ،
فإذا ماتوا انتبهوا . إن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد بين لنا أن خير
الناس وأفضلهم الذي يتعلم القرآن الكريم ويعلمه ، وذلك فيما ثبت عن عثمان
رضي الله عنه تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "خيركم من
تعلم القرآن وعلمه" رواه البخاري .
كما
بين صلوات الله وسلامه عليه أنه من جوّد القرآن وأحسن قراءته ، وصار
متقناً له ماهراً به عاملاً بأحكامه فإنه في مرتبة الملائكة المقربين ،
وذلك فيما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها عن النبي صلى الله
عليه وسلم قال :"مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة
ومثل الذي يقرأه وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران" رواه البخاري .
ولقد
أخبرنا عليه الصلاة والسلام بما أعده الله سبحانه وتعالى لقارئ القرآن من
أجر كبير وثواب عظيم ، ومن ذلك ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به
حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم
حرف" رواه الترمذي ، فكيف نغفل عن هذا الأجر العظيم والثواب الجزيل ؟!
وأعظم
من هذا كله أن القرآن يشفع لصاحبه عند الله يوم العرض الأكبر ، فهل بعد
هذا الفضل من فضل ؟!
فعن
أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اقرءوا
القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" رواه مسلم .
كما
يوضح لنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، أن قراءة القرآن يطيب بها
المظهر والمخبر ، فيكون المؤمن القارئ للقرآن طيب الباطن والظاهر ، إن خبرت
باطنه وجدته صافياً نقياً ، وإن شاهدت سلوكه وجدته حسناً طيباً ، فعن أبي
موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ، ومثل
المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب ، ومثل
المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل
المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر" متفق
عليه .
ويكفينا
فخراً أن نتوج والدينا تاجين من حلي الجنة بقراءة القرآن وتدبره وحفظه ،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس
والداه تاجاً يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا" رواه
أبوداود .
فيا
أيها القارئ به متمسكـــاً <><> مجلاً له في كل حال مبجلــاً
هنيئاً
مريئاً والداك عليهمــــا <><> ملابس أنوار من التاج والحـلا
فما
ظنكم بالنجل عند جزائه <><> أولئك أهل الله والصفوة العـلا
وعلاوة
على ذلك ، فإن الإنسان بقدر ما يحفظ من آي القرآن وسوره بقدر ما يرتقي في
درج الجنان ، وذلك فيما يرويه عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتل
كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها " رواه أبو داود .
ثم
إن صاحب القرآن قلبه عامر به يتدبر آيات الله ، ويتفكر في دلائل قدرته
وعظمته ، وبذلك تصفو نفسه ، وتجمل أخلاقه ، وترق أحاسيسه ، والرسول صلى
الله عليه وسلم يخبرنا بأن حافظ القرآن هم أصفياء الله وخاصته ، وأولياؤه
وأنصاره ، وذلك فيما رواه أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : "إن لله أهلين من الناس قالوا يا رسول الله من
هم ؟ قال هم أهل القرآن أهل الله وخاصته" رواه ابن ماجه .
وفقني
الله وإياك إلى تلاوة كتابه حق تلاوته والعمل بأحكامه وأوامره، واجتناب
نواهيه وزواجره.