عذرا يا زوجة الداعيه
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد
لله،
والصلاة
والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فما أحوج الداعية إلى الله إلى زوجة
تشاطره همومه، وتشاركه الرأي والمشورة، وتتجاوب مع اتجاه تفكيره لا ضده،
فالزوجة تثق في
رأي زوجها الداعي أو
المربِّي الذي يعمل في حقل الدعوة ويعرف مكنون كثير من الأمور ولا يفصح عن
كثير مما يعرف ويعاني، ولذا وجب على زوجته أن تؤيده وتدعمه، ولا تعارضه،
وتدعو له، مشعرة إياه بالانسجام والتوافق والتأييد والثقة والمشاركة، وما
أعظم الدعم الذي قدَّمته أمُّنا خديجة -رضي الله عنها- للنبي -صلى الله
عليه وسلم- إذ رجع بعد نزول جبريل عليه في الغار يرجف فؤاده من هول ما رأى،
فقال: (زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي)، وقال لخديجة: (لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى
نَفْسِي). فانظر إلى موقف المرأة الصالحة الواعية الودود المحبَّة لزوجها،
وكيف تُزيل ما ألَمَّ به من عناء وقلق، فتقول له في ثقة وحزم: "كَلا،
وَالله مَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ،
وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ،
وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ" (رواه البخاري). إن السيدة خديجة -رضي
الله عنها- مثال حسن وقدوة رفيعة لزوجات الدعاة، فالداعية ليس كباقي الرجال
الذين هم بعيدون عن أعباء الدعوة، ومن الصعب أن يكون مثلهم في كل شيء. إنه
صاحب همٍّ ورسالةٍ: هَمٍّ على ضياع أمته وانتشار الفساد وزيادة شوكة أهله،
وهمٍّ لما يصيب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها من مؤامرات وظلم وجوع
وإذلال، وما يصيب الدعاة منهم من تشريد وتضييق وتنكيل، وبعد ذلك هو صاحب
رسالة واجبٌ عليه تبليغها للآخرين، وهذا الواجب يتطلب وقتًا طويلاً قد يأتي
على حساب أوقات نومه وراحته، وأوقات زوجته وأبنائه، ويتطلب تضحية بالمال
والوقت والدنيا بأسرها، وما دام ذلك في سبيل الله ومرضاته فلن يضيع الله
الداعية ولا أهله ولا أولاده، قال تعالى: (وَلْيَخْشَ
الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا
عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا)(النساء:9).
والداعية إلى الله إن أوتيت زوجته من الأخلاق والتقوى والجمال والحسب ما
أوتيت؛ فإنه يحتاج مع ذلك إلى زوجة تدرك واجب الدعوة وأهميته، وتدرك تمامًا
ما يقوم به الزوج، وما يتحمله من أعباء، وما يعانيه من مشاقٍّ وضغوط
نفسية، فتقف إلى جانبه تُيسِّر له مهمته، وتعينه عليها، "يا من وفَّقك
اللهُ أن تكوني زوجة لأحد الدعاة، خطيبًا كان، أو أستاذًا، أو محتسبًا؛
أستأذنك في أن أضع أمامك هذه الخواطر:
أولاً: احمدي الله -عز
وجل- أن تكوني زوجة لهذا الرجل الذي يعيش لأمته لا لنفسه، إنه يسافر ولكن
قد يكون البديل زوجًا يسافر إلى حيث لا تأمنين عليه الخيانة، إنه منشغل لكن
قد تكوني زوجة لمنشغل في جمع حطام الدنيا، وهو أحيانًا يسهر لساعة متأخرة،
لكنه خير ممن يسهر في اللهو واللعب.
ثانيًا: هل رأيت
دُرَّة دون ثمن، أو ثمرة دون تضحية؟ فهي نعمة عظيمة عليك وعلى أولادك أن
تُرزَقي مثل هذا الزوج الصالح، لكنك لابد أن تدفعي الثمن؛ فتفقديه كثيرًا،
ويتأخر في تلبية بعض المطالب، ولكن كل هذه التضحيات تهون دون هذا الثمن،
ودون أن تفوزي بشريك الحياة من هذا الصنف الفريد.
ثالثًا: هل سمع زوجُك
منك كلمة تأييد؟ أو رأى منك استبشارًا وتشجيعًا لما يقدِّم من جهد؟ أو
تلقَّى نقدًا هادفًا بناء؟ أليس فقدانه لذلك تقصيرًا في حقِّه؟ أما أن يسمع
النقد اللاذع: "كثرت مشاكلك، غبتَ عنا كثيرًا، لم تؤدِّ الطلبات، ضيعتَ
أسرتك..."؛ فأعيذك بالله من ذلك. "كَلا وَالله مَا يُخْزِيكَ اللهُ
أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ
المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ"، يا
لها من كلمات رائعة سمعها -صلى الله عليه وسلم- من زوجه خديجة التي
بُشِّرت ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، فأعطته دَفعةً، وزادته
طمأنينة، وهو هو -صلى الله عليه وسلم-، فهلا سلكتِ طريقها، واقتديتِ بها؟
رابعًا: ألا ترين أن
مثل هذا الزوج يستحق أن تعرضي عليه خدماتك، فتجمعي له النصوص، أو تُعدِّي
المراجع، أو تطرحي عليه رأيًا مسدَّدًا، وإن عجزت عن ذلك فقولك له: "أي
مساعدة أقدمها لك؟" يعطيه دَفعة أحوج ما يكون إليها. أختي الفاضلة..
أُقدِّر أنك امرأة لك عواطفٌ، وتملكين مشاعرَ، وأمامك تطلُّعاتٌ، وأنت مع
ذلك كله لا يمكن أن تتخلي عن بَشَرِيَّتك، ولكن حين تحوِّلي بيت زوجك إلى
عشٍّ آمن ومهجع مستقر فأنت تختصرين عليه نصف الطريق؛ فهو بشرٌ يحتاج للسكن
النفسي، يحتاج لمن يؤيده، يحتاج لمن يقف معه.
أختي الفاضلة.. تخيلي
معي ذاك الداعية -الذي وفَّقه الله ونفع الأمة به- يعود إلى منزله فيُستقبل
بالنقد اللاذع والتذمر والاتهام بالتفريط، أي عطاء سيقدمه؟ وأي نفسية
تحكمه؟ ألا تُوافقين أن هذه الزوجة تُساهم من حيث لا تشعر في تأخير المسيرة
وعرقلة الركب؟ ومع ذلك كله فلست أدعو الزوج للتقصير في حق زوجته وأهل
بيته، ولكن الأمر تسديد ومقاربة".
نسأل الله أن يوفقنا
لمرضاته، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.