السؤال: قبل أن أتزوج كنت قد وقعت في خطيئة ، وندمت على تلك الخطيئة أشد الندم ، وقطعت عهداً وقلت : إن عدت لهذه الخطيئة من جديد فأنا كافر ، ثم بعد أن تزوجت استزلني الشيطان فوقعت فيها من جديد ! لذلك قمت بنطق الشهادتين من جديد ، وجددت عقد النكاح بزوجتي ، ولكن هذا العقد افتقد إلى الولي ؛ لأنني فقط جمعت والداي وإخوتي وأشهدتهم على عقدي نكاحي بها من جديد ، فهل هذا الفعل صحيح ؟ وهل يجب عليّ عمل نفس هذه الأشياء في كل مرة أعود فيها لتلك المعصية ؟ أم أن القسم - أو العهد - يسقط عند أول نقض له ؟ . - زوجتي كانت تظن دائماً أن عيسى عليه السلام صُلب ، ولكن بعد أن تزوجنا بيّنت لها الصواب فاقتنعت ، فهل زواجنا صحيح ؟ .
الجواب :
الحمد لله
قولك " إن عدت لهذه الخطيئة من جديد فأنا كافر " : لا شك أنه قول منكر ، ولا يحل لمسلم أن يتلفظ بمثله ، ولا يحل لك التزام ما قلته .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وأما إذا التزم محرَّما مثل أن يقول : إن فعلت كذا فعلي إهانة المصحف ! ونحو ذلك : فهنا ليس له ذلك باتفاق العلماء ، وفي وجوب الكفارة النزاع المتقدم ؛ وكذلك إذا التزم حكماً لا يجوز التزامه مثل قوله : إن فعلت كذا فهو يهودي أو نصراني ، فهذا لا يجوز له التزام الكفر بوجه من الوجوه ولو قصد ذلك لكان كافراً بالقصد .
" مجموع الفتاوى " ( 33 / 203 ) .
وماذا يترتب على قولك المنكر ذاك ؟ .
1. عدم وقوع الكفر عليك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
ولو حلف بالكفر فقال : " إن فعل كذا فهو بريء من الله ورسوله ، أو فهو يهودي أو نصراني " : لم يكفر بفعل المحلوف عليه ، وإن كان هذا حكما معلقا بشرط في اللفظ ؛ لأن مقصوده الحلف به بغضاً له ونفورا عنه ، لا إرادة له .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 91 ) .
2. يلزمك كفارة يمين .
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن قولك لغو لا يترتب عليك شيء فليس هو بيمين ، وقال آخرون : يلزمك كفارة يمين .
قال ابن رشد – رحمه الله - :
واختلف العلماء فيمن قال : " أنا كافر بالله أو مشرك بالله أو يهودي أو نصراني إن فعلت كذا " ثم يفعل ذلك هل عليه كفارة أم لا ؟ فقال مالك والشافعي : ليس عليه كفارة ولا هذه يمين ، وقال أبو حنيفة : هي يمين وعليه فيها الكفارة إذا خالف اليمين ، وهو قول أحمد بن حنبل أيضاً .
وسبب اختلافهم : هو اختلافهم في هل يجوز اليمين بكل ما له حرمة ، أم ليس يجوز إلا بالله فقط ؟ ثم إن وقعت فهل تنعقد أم لا ؟ فمن رأى أن الأيمان المنعقدة ، أعني التي هي بصيغ القسم ، إنما هي الأيمان الواقعة بالله عز وجل وبأسمائه قال : لا كفارة فيها إذ ليست بيمين ، ومن رأى أن الأيمان تنعقد بكل ما عظم الشرع حرمته قال : فيها الكفارة لأن الحلف بالتعظيم كالحلف بترك التعظيم ، وذلك أنه كما يجب التعظيم يجب أن لا يترك التعظيم فكما أن من حلف بوجوب حق الله عليه لزمه ، كذلك من حلف بترك وجوبه لزمه .
" بداية المجتهد ونهاية المقتصد " ( 1 / 410 ) .
والقول بلزوم كفارة يمين أظهر وأحوط ، وذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ، ورجحه الشيخ العثيمين رحمهما الله .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
وإذا قال الرجل : " هو يهودي ، أو نصراني ، أو مجوسي ، أو بريء من الإسلام ، أو شيوعي إن فعل كذا وكذا " : فهل هذا حكمه حكم اليمين ، أو هو تَقوُّلٌ فقط ؟ .
بعض العلماء يقول : حكمه حكم اليمين ؛ لأن هذه الأمور مكروهة عنده ، ولهذا جعل فعل هذا الشيء وكراهته له ككراهته أن يكون يهوديّاً ، أو نصرانيّاً ، أو شيوعيّاً ، أو ما أشبه ذلك ، وعلى هذا فيكون حكمه حكم التحريم ، أي : تحريم المباح ، فيلزمه كفارة يمين ، وهذا هو المشهور من المذهب ، وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما وغيره من السلف .
وقال بعض العلماء : إنه لا كفارة عليه ؛ لأن هذا ليس يميناً ، وليس في معنى ما ورد من اليمين ، ولكن الصحيح أن حكمه حكم اليمين .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 15 / 155 ) .
وعليه :
فما قمت به من تجديد عقد زواجك لغو لا يحتاج إليه ؛ لعدم وقوعك في الكفر ، وإنما تلزمك التوبة وكفارة يمين ، وهي إطعام عشرة مساكين لكل مسكين وجبة غداء أو عشاء .
والتوبة وكفارة اليمين تلزمانك في كل مرة تعود فيها إلى تلك الخطيئة ، واعلم أن الذنوب بريد الكفر ، ويُخشى لمن استمر على فعل الذنوب أن يُختم له بسوء كأن يموت وهو يرتكب تلك الخطيئة أو يقع في استحلالها بقلبه فيُختم له بالكفر المخرج من الملة .
ثالثاً:
إن كانت زوجتك التي تعتقد صلب المسيح مسلمة ، لكنها ـ فقط ـ تظن أن هذا هو الصواب ، فهذا الاعتقاد وإن كان في نفسه كفرا ، لمصادمة نص القرآن : ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) النساء/157-158 ، لكن زوجتك لا يحكم عليها بالكفر بمجرد ذلك ، ما دامت جاهلة به ، ومتى بين لها ، فالتزمت الاعتقاد الصحيح ، وصدقت خبر الله عن ذلك : فهو المطلوب ، ولا إشكال في نكاحك لها ، حتى وهي جاهلة بذلك ، ولا تحتاج إلى تجديد النكاح .
وأما إن كانت نصرانية ، وتعتقد ذلك كما يعتقد قومها من النصارى ، فزواجك بها أيضا صحيح ، لأن النصارى ما زالوا يقولون ذلك ، وأكثر منه ، ومع ذلك أباح الله لنا نكاح نسائهم . ومتى بينت لها أن المسيح عليه السلام لم يصلب ولم يقتل ، فصدقت ذلك ، وقبلته ، فهو أمر طيب ، وخطوة حسنة ، ينبغي أن يتبعها ما هو أهم منها ، وذلك بدعوتها إلى ترك ما هي عليه من الدين المبدل المسنوخ الباطل ، والتزام دين الإسلام الذي لا يقبل الله من عباده سواه ، والقبول بالرسالة الخاتمة ، رسالة نبي الله محمد ، صلى الله عليه وسلم .
وأما مجرد اقتناعها بهذا ، فلا يُخرجها من النصرانية ، ولا يُدخلها في الإسلام ، ما لم يتبعه ما هو أهم منه ، وهو ترك دين النصارى بالكلية ، والدخول في الإسلام ، على ما بيناه .
وانظر الشروط الواجب توفرها في الكتابية حتى يحل نكاحها في جواب السؤال رقم : ( 95572 ) .
وانظر جواب السؤال رقم : ( 2527 ) لتعلم من هي الكتابية التي يجوز للمسلم الزواج بها .
وأما عواقب الزواج من كتابيات : فكثيرة ، وقد ذكرنا طرفاً منها في أجوبة الأسئلة : ( 12283 ) و ( 20227 ) و ( 44695 ) .
والله أعلم