أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بين محبة الصادقين وتشويه المدعين
أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بين محبة الصادقين وتشويه المدعين
إبراهيم بن محمد الحقيل
الخطبة الأولى
الْحَمْدُ لله
الْخَلَّاقِ الْعَلِيْمِ، الْحَكِيْمِ الْقَدِيْرِ؛ خَلَقَ الْمَكَانَ
وَالْزَّمَانَ، وَعَاقَبَ بَيْنَ الْلَّيْلِ وَالْنَّهَارِ، وَجَعَلَهُمَا
ظَرْفَاً لَأَعْمَالِ الْعِبَادِ، وَتَذْكِرَةً لِيَوْمِ الْمَعَادِ:
(وَهُوَ الَّذِيْ جَعَلَ الْلَّيْلَ وَالْنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ
أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوْرَاً) [الْفُرْقَانَ: 62].
نَحْمَدُهُ حَمْدَاً
كَثِيْرَاً، وَنَشْكُرُهُ شُكْرَاً مَزِيْدَاً؛ خَلَقَنَا وَرَزَقَنَا
وَأَحْيَانَا ثُمَّ يُمِيْتُنَا ثُمَّ يُحَيِّنَا وَإِلَيْهِ مَرْجِعُنَا
وَعَلَيْهِ حِسَابُنَا وَجَزَاؤُنَا.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَا الَلّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ؛ عَظُمَ حِلْمُهُ عَلَى
عِبَادِهِ فَأَمْهَلَهُمْ، وَلَوْ شَاءَ لَعَذَّبَهُمْ: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ
الله الْنَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ
وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمىً) [الْنَّحْلِ: 61].
وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ؛ اصْطَفَاهُ اللهُ - تعالى - عَلَى
الْعَالَمِيْنَ، وَاخْتَارَ لَهُ مِنَ الْأَصْحَابِ أَفْضَلَهُمْ، وَمِنَ
الْزَّوْجَاتِ أَطْهَرَهُنَّ، فَكُنَّ لَهُ فِي الْدُّنْيَا
وَالْآَخِرَةِ، وَحُرِّمْنَ عَلَى غَيْرِهِ فَهُنَّ أُمَّهَاتُ
الْمُؤْمِنِيْنَ، وَحْلَيلَاتُ رَسُوْلِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ، صَلَّى
اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَزْوَاجِهِ
وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْنَ، وَالْتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى
يَوْمِ الْدِّيِنِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ - تعالى - أَيُّهَا الْمُؤْمِنُوْنَ - وَاعْتَبِرُوْا
بِسُرْعَةِ انْقِضَاءِ الْأَعْوَامِ؛ فَإِنَّهَا مُؤْذِنَةٌ بِتَصَرُّمِ
الْأَعْمَارِ، وَقُرْبِ الْآجَالِ، وَكُلُّ يَوْمٍ يَمْضِي عَلَى
الْوَاحِدِ لَا يَزْدَادُ فِيْهِ قُرْبَاً مِنَ الْلَّهِ - تعالى - فَهُوَ
خَسَارَةٌ عَلَيْهِ..
افْتَتِحُوا - عِبَادَ
الله - عَامَكُمْ بِالصِّيَامِ؛ فَإِنَّ الصِّيَامَ ضِيَاءٌ، وَمَنْ
بَدَأَ عَامَهُ بِالْضِّيَاءِ سَارَ فِيْهِ بَقِيَّتَهُ، وَمَنْ أَضَاءَ
لَهُ عَامُهُ كَانَ حَرِيَّاً أَنْ يَتَزَوَّدَ فِيْهِ مِنَ الْخَيْرَاتِ،
وَيُجَانِبَ المُوْبِقَاتِ، وَأَنْ يَكُوْنَ عَامُهُ الْدَّاخِلُ
عَلَيْهِ خَيْرَاً مِنْ عَامِهِ الْخَارِجِ مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ
الْنَّبِيُّ - عليه الصلاة والسلام -: ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ
شَهْرِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَهْرِ الْلَّهِ الْمُحَرَّمِ)) رَوَاهُ
مُسْلِمٌ.
وَمَنْ عَجَزَ عَنْ
صِيَامِ مُحَرَّمٍ أَوْ أَكْثَرَهُ فَلَا يَعْجِزَنَّ عَنْ عَاشُوْرَاءَ
مِنْهُ فَإِنَّهُ كَفَارَةُ سُنَّةٍ كَمَا فِيْ حَدِيْثِ أَبِيْ قَتَادَةَ
- رضي الله عنه - أَنَّ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:
((صِيَامُ يَوْمِ عَاشُوْرَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى الله أَنْ يُكَفِّرَ
الْسَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَأَمَرَ بِمُخَالَفَةِ
الْيَهُوْدِ فِيْهِ بِصِيَامِ الْتَّاسِعِ مَعَهُ وَقَالَ: ((لَئِنْ
بَقِيَتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُوْمَنَّ الْتَّاسِعَ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فَصُوْمُوْهُ شُكْرَاً لله - تعالى - عَلَى نَجَاةِ مُوْسَى وَقَوْمِهِ
مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ، وَتَأَسِّيَاً بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صلى
الله عليه وسلم -، وَطَلَبَاً لِلْأَجْرِ المُرَتَّبِ عَلَيْهِ.
أَيُّهَا الْنَّاسُ:
حِيْنَ اصْطَفَى اللهُ - تعالى - نَبِيَّهُ مُحَمَّدَاً - صلى الله عليه
وسلم - عَلَى الْعَالَمِيْنَ لِيَكُوْنَ نَبِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ،
وَيَخْتِمَ بِهِ رِسَالَاتِهِ - سبحانه - إِلَى الْبَشَرِ اخْتَارَ لَهُ
أَحْسَنَ الْخِلَالِ فَزَيَّنَهُ بِهَا، وَحَبَاهُ مِنَ الْأَوْصَافِ
أَفْضَلَهَا، فَسَمَا عَلَى أَقْرَانِهِ، وِفَاقَ أَهْلَ زَمَانِهِ..
فَمَا حُفِظَتْ لَهُ فِيْ صِبَاهُ هَنَّةٌ، وَلَا نُقِلَتْ عَنْهُ فِيْ
شَبَابِهِ صَبْوَةٌ.. حَتَّى لُقِّبَ فِيْهِمْ بِالْأَمِيْنِ،
وَحَكَّمُوهُ بَيْنَهُمْ، وَاسْتَأْمَنُوْهُ عَلَى وَدَائِعِهِمْ..
وَكَانَ فِيْ صِبَاهُ وَشَبَابِهِ مِنَ سَادَتِهِمْ.. وَإِنَّمَا يَكْمُلُ
الْرِّجَالُ بِالْعَقِلِ وَالْأَخْلاقِ وَلَا يَنْفَعُ مَعَ الْحُمْقِ
وَالْجَهْلِ مَالٌ وَلَا جَاهٌ..
وَكَانَ فِيْ قُرَيْشٍ
امْرَأَةٌ سَادَتْ نِسَاءَ أَهْلِ زَمَانِهَا وَفَاقَتْهُنَّ رَجَاحَةَ
عَقْلٍ، وَجَمَالَ خِلْقَةٍ، وَكَرَمَ أَصْلٍ وَنَسَبٍ، وَوَفْرَةَ مَالٍ،
فِي خِلَالٍ حَسَنَةٍ أُخْرَى يُزَاحِمُ بَعْضُهَا بَعْضَاً.. وَكَانَ
أَبُوْهَا ذَا شَرَفٍ فِيْ قَوْمِهِ، وَنَزَلَ مَكَّةَ وَحَالَفَ بِهَا
بَنِي عَبْدِ الْدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، فَهِيَ سَيِّدَةُ سَادَةِ،
شَرِيْفَةُ أَشْرَافٍ.
وَصَفَتْهَا مَنْ
حَضَرَتْهَا وَعَاشَرَتْهَا وَهِيَ نَفِيْسَةُ بَنِتُ مُنْيَةَ فَقَالَتْ -
رضي الله عنها -: ((كَانَتْ خَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ امْرَأَةً
حَازِمَةً جَلْدَةً شَرِيْفَةً، أَوْسَطَ قُرَيْشٍ نَسَبَاً،
وَأَكْثَرَهُمْ مَالْاً، وَكُلُّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيْصَاً عَلَى
نِكَاحِهَا لَوْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، قَدْ طَلَبُوْهَا وَّبَذَلُوْا
لَهَا الْأَمْوَالَ))..
كَانَتْ - رضي الله عنها -
تُدْعَى فِيْ الْجَاهِلِيَّةِ بِالطَّاهِرَةِ وَكَانَ يُقَالُ لَهَا
سَيِّدَةُ قُرَيْشٍ.. تَزَوَّجَتْ قَبْلَ الْنَّبِيِّ - صلى الله عليه
وسلم - ثَلَاثَةَ رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِ الْنَّاسِ، وَلَمْ يَرْغَبْ
عَنْهَا كِرَامُ الْرِّجَالِ يَوْمَاً، بَلْ ظَلُّوْا يَرْغَبُوْنَ فِيْ
زَوَاجِهَا، وَيَتَوَسَّلُونَ بِالْأَمْوَالِ وَالْشَّفَاعَاتِ إِلَيْهَا
وَلَكِنَّهَا تَرُدُّهُمْ، وَكَانَ أَحْفَادُهَا يُنَادَوْنَ بَنُوْ
الْطَّاهِرَةِ، فَلَازَمَ وَصْفُهَا بِالْطُّهْرِ أَحْفَادَهَا.. كَمَا
ذَكَرَ ذَلِكَ حَافِظُ الْأَنْسَابِ الْزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ - رحمه
الله تعالى -.
كَانَتْ خَدِيْجَةُ - رضي
الله عنها - امْرَأَةً تَاجِرَةً تَسْتَأْجِرُ الْرِّجَالَ فِيْ مَالِهَا
وَتُضَارِبُهُمْ إِيَّاهُ بِشَيْءٍ تَجْعَلُهُ لَهُمْ مِنْهُ، فَلَمَّا
بَلَغَهَا عَنْ رَسُوْلِ الْلَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا بَلَغَهَا
مِنْ صِدْقِ حَدِيْثِهِ وَعَظِيْمِ أَمَانَتِهِ وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ
بَعَثَتْ إِلَيْهِ فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فِيْ مَالِهَا
تَاجِرَاً إِلَى الْشَّامِ وَتُعْطِيهِ أَفْضَلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي
غَيْرَهُ مِنَ الْتُّجَّارِ... فَشَارَكَهَا الْنَّبِيُّ - صلى الله عليه
وسلم - وَسَارَ إِلَى الْشَّامِ وَاشْتَرَىْ لَهَا الْبَضَائِعَ فَلَمَّا
قَدِمَ مَكَّةَ عَلَى خَدِيْجَةَ بُوْرِكَ لَهَا فِيْ بِضَاعَتِهَا
فَبَاعَتْ مَا جَاءَ بِهِ فَرَبِحَتْ الْضِعْفَ أَوْ قَرِيْبَاً مِنْهُ
وَحَدَّثَهَا غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ مَا رَأَى مِنْ رَسُوْلِ الله - صلى
الله عليه وسلم - مِنَ الْأَخْلاقِ وَالْآَيَاتِ. فَأَحَبَّتْهُ وَرَأَتْ
أَنَّهُ لَا أَهْلَ لَهَا مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ سِوَاهُ، قَالَتْ
نَفِيْسَةُ - رضي الله عنها -: ((فَأَرْسَلَتْنِي خَدِيْجَةُ خُفْيَةً
إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - بَعْدَ أَنْ رَجَعَ فِيْ
عِيْرِهَا مِنَ الْشَّامِ، فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ
تَتَزَوَّجَ؟ فَقَالَ: مَا بِيَدِيْ مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ، قُلْتُ:
فَإِنَّ كُفِيْتَ ذَلِكَ وَدُعِيتَ إِلَى الْمَالِ وَالْجَمَالِ
وَالْشَّرَفِ وَالْكِفَايَةِ أَلَا تُجِيْبُ؟ قَالَ: فَمَنْ هِيَ؟ قُلْتُ:
خَدِيْجَةُ، قَالَ: وَكَيْفَ لِيَ بِذَلِكِ؟ قُلْتُ: بَلَى وَأَنَا
أَفْعَلُ، فَذَهَبْتُ فَأَخْبَرْتُهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أَنَّ أَئْتِ
لَسَّاعَةِ كَذَا وَكَذَا فَأَرْسَلَتْ إِلَى عَمِّهَا عَمْرِو بْنِ
أَسَدٍ لِيُزَوِّجَهَا فَحَضَرَ وَدَخَلَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه
وسلم - فِيْ عُمُوْمَتِهِ فَخَطَبُوْهَا مِنْ عَمِّهَا، فَقَالَ عَمُّهَا:
هَذَا الْفَحْلُ لَا يُقْدَعُ أَنْفُهُ)) أَيْ: لَا يُضْرَبُ أَنْفُهُ
لِكَوْنِهِ كَرِيْماً سَيِّدَاً، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُرَدُّ..
فَتَزَوَّجَ الْكَرِيْمُ الْكَرِيْمَةَ..
وَوَاللَّهِ مَا
اخْتَارَهَا رَبُّ الْعَالَمِيْنَ لِنَبِيِّهِ - صلى الله عليه وسلم -
إِلَّا لِأَنَّهَا امْرَأَةٌ طَيِّبَةٌ طَاهِرَةٌ ثَابِتَةٌ حَازِمَةٌ..
فَالَوَحْيُ وَتَبِعَاتُهُ، وَالْرِّسَالَةُ وَثُقْلُهَا، وَالْبَلَاغُ
وَمَئُونَتُهُ.. كُلُّهَا تَحْتَاجُ إِلَى ثُبَاتٍ أَقْوَى مِنْ ثُبُوْتِ
الْجِبَالِ.. وَكَانَتْ خَدِيْجَةُ - رَضِيَ الله تعالى - عَنْهَا
مَنْبَعَ الْتَّثْبِيْتِ وَالْطُّمَأْنِيْنَةِ وَالْمُوَاسَاةِ.
لَمَّا خَافَ الْنَّبِيُّ
- صلى الله عليه وسلم - مِنَ الْوَحْيِّ أَوَّلَ مَرَّةٍ زَمَّلَتْهُ
حَتَّى ذَهَبَ رَوْعُهُ فَقَالَ لَهَا: ((مَا لِي لَقَدْ خَشِيَتُ عَلَى
نَفْسِيْ؟ فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، قَالَتْ خَدِيْجَةُ: كَلَّا أَبْشِرْ
فَوَ الْلَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدَاً فَوَ الله إِنَّكَ لَتَصِلُ
الْرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيْثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتُكْسِبُ
الْمَعْدُوْمَ وَتَقْرِي الْضَّيْفَ وَتُعِيْنُ عَلَى نَوَائِبِ
الْحَقِّ)) رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ.
تَأَمَّلُوْا كَلَامَ
هَذِهِ الْحَبِيْبَةِ الأَرِيبَةِ الْحَنُونِ الْرَّؤُوْمِ الْمُؤْمِنَةِ
الْصِّدِّيقَةِ؛ فَهِيَ أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ وَآَمَنَ بِهِ،
وَبَشَّرَهُ وَأَذْهَبَ الْخَوْفَ عَنْهُ، وَقَوَّاهُ وَثَبَّتْ
قَلْبَهُ.. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ - رحمه الله تعالى -: ((خَدِيْجَةُ
أَوَّلُ خَلْقِ الْلَّهِ إِسْلَامَاً بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِيْنَ لَمْ
يَتَقَدَّمْهَا رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ)).
وَقَالَ إِمَامُ
الْسِيَرِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ - رحمه الله تعالى -: ((آَمَنَتْ بِهِ
خَدِيْجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ بِمَا جَاءَهُ مِنَ الله وَوَازَرَتْهُ
عَلَى أَمْرِهِ، فَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ آَمَنَتْ بِالله وَرَسُوْلِهِ،
وَصَدَّقَتْ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ الله، فَخَفَّفَ الله بِذَلِكَ
عَنْ رَسُوْلِهِ، أَلَّا يَسْمَعَ شَيْئَاً يَكْرَهُهُ مِنْ رَدٍّ
عَلَيْهِ وَتَكْذِيْبٍ لَهُ فَيَحْزُنُهُ ذَلِكَ إِلَّا فَرَّجَهُ الله
عَنْهُ بِهَا إِذَا رَجَعَ إِلَيْهَا تُثَبِّتُهُ وَتُخَفِّفُ عَنْهُ
وَتُصَدِّقُهُ، وَتُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ الْنَّاسِ)).
لَقَدْ اخْتُصَّتْ - رضي
الله عنها - بِخَصَائِصَ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِيْنَ
لَمْ يَشْرَكْهَا فِيْهَا أَحَدٌ مِنْهُنَّ، وَشَارَكَتْهُنَّ فِيْ
أَكْثَرِ خَصَائِصِهِنَّ فَكَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِنَّ، وَمِنْ
خَصَائِصِهَا: أَنَّ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَتَزَوَّجْ
عَلَيْهَا فِيْ حَيَاتِهَا، وَلَا أَشْرَكَ مَعَهَا غَيْرَهَا فِيْ
قَلْبِهِ؛ وَفَاءً لَهَا، وَرَدَّاً لإِحْسَانِهَا، وَاعْتِرَافَاً
بِفَضْلِهَا، وَأَوْلادُهُ - صلى الله عليه وسلم - كَانُوْا كُلُّهُمْ
مِنْهَا إِلَّا إِبْرَاهِيْمَ - رضي الله عنه -، وَهِيَ خَيْرُ نِسَاءِ
الْأُمَّةِ، وَمَنَاقِبُهَا جَمَّةٌ، وَأَخْبَارٌهَا غَزِيْرَةٌ،
وَفَضَائِلُهَا كَثِيْرَةٌ..
سُمِّيَ الْعَامُ
الَّذِيْ تُوُفِّيَتْ فِيْهِ مَعَ أَبِيْ طَالِبٍ عَامَ الحُزْنِ؛ لِأَنَّ
الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَدْ فِيْهِ أَقْرَبَ نَصِيرَينِ
لَهُ مِنَ الْبَشَرِ.. قَالَ ابْنُ أَخِيْهَا حَكِيْمُ بْنُ حِزَامٍ - رضي
الله عنه -: ((تُوُفِّيَتْ خَدِيْجَةُ فِيْ رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ
الْنُّبُوَّةِ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ بِنْتُ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ سَنَةً
فَخَرَجْنَا بِهَا مِنْ مَنْزِلِهَا حَتَّى دَفَنَّاهَا بِالْحُجُونِ
وَنَزَلَ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم - فِيْ حُفْرَتِهَا وَلَمْ
تُشْرَعْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ يَوْمَئِذٍ.. )).
فَرَضِيَ الله عَنْ
أُمِّنَا خَدِيْجَةَ وَأَرْضَاهَا وَعَنْ سَائِرِ أُمَّهَاتِ
الْمُؤْمِنِيْنَ، وَعَنِ الْصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَجَمَعَنَا بِهِمْ
فِيْ دَارِ الْنَّعِيمِ، وَرَزَقَنَا الْسَيرَ عَلَى صِرَاطِهِمْ
الْمُسْتَقِيْمِ، وَجَنَّبَنَا دُرُوْبَ الْمُفْسِدِيْنَ، إِنَّهُ
سَمِيْعٌ مُجِيْبٌ..
وَأَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَا وَاسْتَغْفِرُ الله...
الْخُطْبَةُ الْثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلهِ حَمْدَاً
طَيِّبَاً كَثِيْرَاً مُبَارَكَاً فِيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا
وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ
لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسْولُهُ صَلَّى الله
وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ
إِلَى يَوْمِ الْدِّيِنِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا الله - تعالى – وَأَطِيْعُوْهُ: (وَاتَّقُوا الْنَّارَ
الَّتِيْ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِيْنَ * وَأَطِيْعُوْا الْلَّهَ
وَالْرَّسُوْلَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُوْنَ) [آَلِ عِمْرَانَ: 132].
أَيُّهَا الْنَّاسُ:
لَأُمِّ الْمُؤْمِنِيْنَ خَدِيْجَةَ - رضي الله عنها - مَنَاقِبُ
عِدَّةٌ.. فَقَدْ عَدَّهَا الْنَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِنَ
النِّسَاءِ الْكَامِلَاتِ وَهُنَّ قَلَائِلُ، وَكَانَ - صلى الله عليه
وسلم - يَتَعَاهَدُ صَاحِبَاتِهَا بِالْهَدَايَا، وَيُكْثِرُ الْثَّنَاءَ
عَلَيهَا حَتَّى غَارَتْ مِنْهَا عَائِشَةُ - رضي الله عنها -..
وَيَكْفِيْ فِيْ
فَضْلِهَا أَنَّ اللهَ - تعالى -أَرْسَلَ سَلَامَهُ لَهَا مَعَ
جِبْرِيْلَ، وَبَلَّغَهُ جِبْرِيْلُ لِلْنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛
فَفِيْ حَدِيْثِ أَبِيْ هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: ((أَتَى
جِبْرِيْلُ الْنَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ
الله، هَذِهِ خَدِيْجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيْهِ إِدَامٌ أَوْ
طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ - عليها السلام -
مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّيْ وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِيْ الْجَنَّةِ مِنْ
قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيْهِ وَلَا نَصَبَ))رَوَاهُ الْشَّيْخَانِ.
هَذِهِ الْمَرْأَةُ
الْعَظِيْمَةُ الَّتِيْ ارْتَبَطَ ذِكْرُهَا بِذِكْرِ الْوَحْيِّ
وَالْبِعْثَةِ حِيْنَ كَانَتْ تُثَبِّتُ الْنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم
- وَتُبَشِّرُهُ.. هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْطَّاهِرَةُ الْعَفِيْفَةُ
الْحَيِّيَّةُ السَتِيْرةُ حَتَّى لُقِّبَتْ بِالطَّاهِرَةِ فِيْ
الْجَاهِلِيَّةِ فَزَادَتْ بِالْإِسْلَامِ شَرَفَاً إِلَى شَرَفِهَا،
وَطَهَارَةً إِلَى طَهَارَتِهَا.. هَذِهِ الْمَرْأَةُ الْعَظِيْمَةُ فِي
الْإِسْلَامِ انْبَرَى لَفِيْفٌ مِنَ الْجَاهِلِينَ وَالْجَاهِلاتِ
لِتَلْوِيْثِ سُمْعَتِهَا، وَاجْتَمَعُوْا عَلَى تَشْوِيْهِ صُوْرَتِهَا،
وَتَدْنِيسِ سِيْرَتِهَا، بِخَلْعِ اسْمِهَا الْطَاهِرِ عَلَى مَرْكَزٍ
لِلتَغْرِيبِ وَالتَّخْرِيْبِ وَالْإِفْسَادِ، وَمُحَادَّةِ الله - تعالى -
فِي أَحْكَامِهِ، وَتَزْوِيْرِ شَرِيْعَتِهِ..
وَلَئِنْ كَانَ
الْرَّوَافِضُ قَبْلَ أَشْهُرٍ قَدْ أَظْهَرُوْا الْطَّعْنَ فِيْ
عَائِشَةَ - رضي الله عنها - فَإِنْ اللِيبْرالِيِّينَ حَاوَلُوا
تَشْوِيْهَ سُمْعَةِ خَدِيْجَةَ - رضي الله عنها -، وَالْرَّافِضَةُ
وَاللِيبْرَالِيُّونَ قَرِيْبٌ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قُرْبَ الْيَهُوْدِ
وَالْنَّصَارَى مِنَ الْرَّافِضَةِ الْفُرْسِ..
لَقَدْ أَرَادُوْا
خِدَاعَ الْعَامَّةِ بِتَصْوِيْرِهِم خَدِيْجَةَ - رضي الله عنها -
سَيِّدَةَ أَعْمَالٍ تَخْرُجُ فِيْ تِجَارَتِهَا، وَتُبَاشِرُ
أَعْمَالَهَا خَارِجَ مَنْزِلِهَا، وَتُزَاحِمُ الْرِّجَالَ فِيْ
مَيَادِيْنِهِمْ.. وَيُعْلِنُوْنَ بِاسْمِ الْطَّاهِرَةِ خَدِيْجَةَ
الْتَمَرُّدَ عَلَى الْحِجَابِ وَعَلَى قِوَامَةِ الْرَّجُلِ عَلَى
الْمَرْأَةِ وَعَلَى إِسْقَاطِ الْمَحْرَمِ فِي الْسَّفَرِ.. وَبِاسْمِ
خَدِيْجَةَ يَدْعُون إِلَى الْسُّفُوْرِ وَالِاخْتِلَاطِ وَمُزَاحَمَةِ
الْرِّجَالِ.. فَمَا أَكْثَرَ كَذِبَهُمْ وَمَا أَعْظَمَ فِرْيَتَهُمْ
عَلَى بَيْتِ الْنُّبُوَّةِ..
أُوْلُوْ اخْتَارُوْا
غَيْرَ خَدِيْجَةَ.. تِلْكَ الْمَرْأَةُ الْقَارَّةُ فِيْ بَيْتِهَا فلَمْ
يُعْرَفْ لَهَا خُرُوْجٌ مُسْتَمِرٌّ مِنْهُ، وَلَا مُزَاحَمَةٌ
لِلْرِّجَالِ، وَلَا غِشْيَانٌ لِلْأَسْوَاقِ، لَا فِيْ الْجَاهِلِيَّةِ
وَلَا فِيْ الْإِسْلَامِ.. تِلْكَ الْمَرْأَةُ الَّتِي مَا كَانَتْ
تَمْنَعُهَا الْجَاهِلِيَّةُ أَنْ تَخْرُجَ فِيْ تِجَارَتِهَا لِلْشَّامِ
مَعْ غُلَامِهَا وَخَدَمِهَا وَهِيَ الْسَيِّدَةُ الَّتِيْ لَا يُوْطَأُ
لَهَا عَلَى طَرَفٍ، وَلَا يُكْشَفُ لَهَا كَنَفٌ..
أُوْلُوْ اخْتَارُوْا
غَيْرَ خَدِيْجَةَ الَّتِيْ كَانَتْ تَبْذُلُ مِنْ مَالِهَا لِلْرِّجَالِ
لِيُدِيرُوا تِجَارَتَهَا لِكَيْ تَقَرَّ هِيَ فِيْ مَنْزِلِهَا.. وَالله
مَا مَنَعَهَا مِنْ غِشْيَانِ أَعْمَالِ الْرِّجَالِ إِلَّا طُهْرُهَا
وَعِفَّتُهَا وحَيَاؤُهَا.. وَلَقَدْ كَانَتْ تَوَكِّلُ مَحَارِمَهَا مِنَ
الْرِّجَالِ لِشِرَاءِ حَاجَاتِهَا كَمَا اشْتَرَى لَهَا ابْنُ أَخِيْهَا
حَكِيْمُ بْنُ حِزَامٍ مَوْلَاهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ - رَضِيَ الله
تعالى عَنْهُمْ-..
وَجِبْرِيلُ - عليه
السلام - بَشَّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ وَلَمْ يُبَشِّرْهَا
بِقَصْرٍ أَوْ بُسْتَانٍ أَوْ نَحْوِهِ فَاسْتَخْرَجَ الْعُلَمَاءُ مِنْ
ذَلِكَ نُكْتَةً لَطِيْفَةً ذَكَرَهَا الْسُّهَيْلِيُّ - رحمه الله تعالى -
فَقَالَ: "لِذِكْرِ الْبَيْتِ مَعْنَىً لَطِيْفٌ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ
رَبَّةَ بَيْتٍ قَبْلَ الْمَبْعَثِ فَصَارَتْ رَبَّةَ بَيْتٍ فِيْ
الْإِسْلَامِ مُنْفَرِدَةً بِهِ، لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فِيْ
أَوَّلِ يَوْمٍ بُعِثَ فِيْهِ رَسُوْلُ الله - صلى الله عليه وسلم -
بَيْتٌ فِيْ الْإِسْلَامِ إِلَّا بَيْتَهَا، وَهِيَ فَضِيْلَةٌ مَا
شَارَكَهَا فِيْهَا غَيْرُهَا" فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يَخْتَارَ أَذْنَابُ
الْغَرْبِ خَدِيْجَةَ مِثَالَاً لِلتِجَارةِ وَمُزَاحَمَةِ الْرِّجَالِ
وَتَحْرِيْرِ الْمَرْأَةِ مِنْ أَحْكَامِ الْشَّرِيِعَةِ وَهِيَ الَّتِيْ
قُرَّتْ فِيْ بَيْتِهَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَبَعْدَهُ، وَأَوْكَلَتْ
أَمْرَ تِجَارَتِهَا وَمَالِهَا لِلْرِّجَالِ.. نَعُوْذُ بِالْلَّهِ -
تعالى - مِنَ الْجَهْلِ وَالْهَوَى وَعَمَى الْبَصِيْرَةِ.
وَلَمَّا تَزَوَّجَتْ
خَدِيْجَةُ - رضي الله عنها - رَسُوْلَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ
قَبْلَ الْبِعْثَةِ يَتَعَبَّدُ الْلَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ فِيْ
غَارِ حِرَاءٍ وَمَا نُقِلَ أَنَّ خَدِيْجَةَ كَانَتْ تَخْرُجُ مَعَهُ،
أَوْ تَبْحَثُ عَنْهُ إِذَا اسْتَبْطَأْتُهُ، وَهِيَ الْزَّوْجَةُ
الْمُحِبَّةُ الَّتِيْ سَعَتْ إِلَيْهِ حَتَّى حَظِيَتْ بِهِ.. بَلْ
كَانَتْ تَنْتَظِرُهُ فِيْ بَيْتِهَا حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهَا.. وَمَنْ
قَرَأَ أَحَادِيْثَ بَدْءِ الْوَحْيِّ تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ.
كَذَّبُوُا وَرَبِّ
خَدِيْجَةَ عَلَى خَدِيْجَةَ.. فَمَا حَضَرَتْ مُنْتَدَيَاتِ الْرِّجَالِ،
وَلَا غَشَتْ أَسْوَاقَهُمْ، وَلَا شَارَكَتْ فِيْ مُؤْتَمَرَاتِهِمْ..
بَلْ أَشْرَفُ شَيْءٍ وَهُوَ دَعْوَةُ الخَلْقِ إِلَى الْحَقِّ تَرَكَتْهُ
مِنْ أَجْلِ الْقَرَارِ فِيْ الْبَيْتِ، فَمَا خَرَجَتْ مَعَ الْنَّبِيِّ
- صلى الله عليه وسلم - لَتَدْعُوَ الْنَّاسَ بَلْ كَانَتْ تُثَبِّتُهُ
وَتُسَلِّيهِ وَتُصَبِّرُهُ وَهِيَ فِيْ مَنْزِلِهِ، وَتُوَفِّرُ لَهُ
الْسَّكَنَ وَالْطُّمَأْنِيْنَةَ وَالْرَّاحَةَ فِيْ مَخْدَعِهِ..
لَمْ تَكُنْ خَدِيْجَةُ
كَمَا حَاوَلُوا تَصْوِيْرَهَا سَيِّدَةَ أَعْمَالٍ، وَإِنَّمَا كَانَتْ
رَبَّةَ مَنْزِلٍ.. كَانَتْ سَيِّدَةَ أَشْرَفِ مَنْزِلٍ.. فَحَظِيَتْ
بِشَرَفِ أَنْ تَكُوْنَ سَيِّدَةَ الْنِّسَاءِ.. وَأَفْضَلَ أُمَّهَاتِ
الْمُؤْمِنِيْنَ.
هَذَا الْتَشْوِيهُ
الْمُتَعَمَّدُ لِسِيرَةِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْعَظِيمَةِ مَاذَا
يُرِيْدُ مِنْهُ أَهَلُ الْجَهْلِ وَالْهَوَى مِنْ أَتْبَاعِ الْغَرْبِ
الْشَهْوَانِيِّ؟
إِنَّهُمْ يُرِيْدُوْنَ
تَسْوِيْقَ الْرَّذِيْلَةِ بِاسْتِغْلَالِ أَسْمَاءِ فُضْلَيَاتِ
الْنِّسَاءِ الَلَّائِي لَا يُخْتَلَفُ فِيْ فَضْلِهِنَّ، وَتَمْرِيْرِ
ثَقَافَةِ الْتَّغْرِيْبِ وَالتَّخْرِيْبِ عَبْرَ بَوّابَةِ تٌكْتَبُ
عَلَيْهَا أَسْمَاؤُهُنَّ..
لَقَدْ كَانَ
المُسَوِّقُونَ لِلْمَشْرُوْعِ الْتَّغْرِيْبِيِّ خِلَالَ عُقُوْدٍ مَضَتْ
يَدْعُونَ إِلَيْهِ بِالْطَّعْنِ الْمُبَاشِرِ فِيْ أَحْكَامِ
الْشَّرِيِعَةِ، ويُفْصِحُونَ عَنْ وجْهَتِهِمُ الَّتِيْ يَمَمُوْهَا
شَطْرَ الْغَرْبِ، وَيُشِيدُونَ بِأَعْلَامِ الْمُتَحَرِّرِيْنَ
وَالْمُتَحَرِّرَاتِ وَالْثَّائِرِيْنَ عَلَى الْدِّيْنِ وَالثَائِرَاتِ،
لَكِنَّ تَسْوِيْقَ الْمَشْرُوْعِ الْتَّغْرِيْبِيِّ بِهَذِهِ
الْطَّرِيْقَةِ مُنِيَ بِفَشَلٍ ذَرِيْعٍ؛ لِأَنَّ عُمُوْمَ
الْمُسْلِمِيْنَ انْحَازُوْا لِدِيْنِهِمْ، وَارْتَضَوْا شَرِيْعَتَهُمْ،
وَأَقْبَلُوا عَلَى عُلَمَائِهِمْ وَدُعَاتِهِمْ، وَكَرِهُوا فَسَادَ
الْغَرْبِيِّيْنَ وَانْحِطَاطَهُمْ، وَلَمْ يُصَدِّقُوْا الْكَذَبَةَ
الْمَسُوِقِينَ لْمَشْرَوعَاتِهِمْ.. فَتَغَيَّرَ تَكْتِيْكُ
الْغَرْبِيِّيْنَ وَأَذْنَابِهِمْ فِيْ بِلَادِ الْعَرَبِ، وَتَحَوَّلُوْا
مِنَ الْطَّعْنِ الْمُبَاشِرِ فِيْ الْإِسْلَامِ وَرَفْضِ أَحْكَامِهِ
إِلَى إِعَادَةِ قِرَاءَةِ نُصُوْصِهِ وَتَفْسِيْرِهَا تَفْسِيْرَاً
غَرْبِيَّاً، وَاسْتِخْرَاجِ شُذُوْذِ الْأَقْوَالِ وَغَرِيْبِ الْآَرَاءِ
لِيُضْرَبَ بِهَا مُحْكَمُ الْتَّنْزِيْلِ.. وَالاسْتِعَانَةِ بِمَنْ
قَلَّ حَظٌّهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالْدِّيْنِ مِمَّنْ اشْتَرَوا بِعَهْدِ
الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنَاً قَلِيْلَاً.. مِمَّنْ يَكْتُمُوْنَ مَا
أَنْزَلَ الله - تعالى -مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى.. مِمَّنْ
يَتَلَاعَبُونَ بِالْمُحْكَمِ مِنَ الْآَيَاتِ؛ لِيَنْتَعِلَهُمُ
اللِيبْرَالِيُّونَ وَيُخْرِجُوْنَهُمْ بِمَشَالِحهِمْ وَلِحَاهُمُ
ذَلِيْلِيْنَ حَقِيرِينَ مُهَانِيْنَ مُقَادِينَ يَقُوْدُهُمْ فَسَقَةُ
الْنَّاسِ وَجَهَلَتُهُمْ جَنْبَاً إِلَى جَنْبٍ مَعَ الْسَّافِرَاتِ
الْمُتَبَرِّجَاتِ مُغْتَرِبَاتِ الْعُقُوْلِ وَالْأَفْكَارِ؛ لِيُبِيحُوا
لَهُنَّ مَا حَرَّمَ الله - تعالى - عَلَيْهِنَّ، وَيَقَبِضُوا ثَمَنَاً
بَخْسَاً عَلَى تَزْوِيْرِهِمْ وَإِضْلَالِهِمْ لِلْنَّاسِ.. وَالْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِيْ أَسْقَطَهُمْ مِنْ عُيُونِ الْخَلْقِ، وَمَنْ هَانَ
عَلَى الله - تعالى - هَانَتْ عَلِيهِ شَرِيْعَةُ الْلَّهِ - تعالى -
فَبَاعَهَا بِثَمَنٍ بَخْسٍ، وَبَذَلَ كَرَامَتَهُ لِلْفُسَّاقِ
فَغَشِيَهُ الذُّلُّ وَإِنْ نَالَ شَيْئَاً مِنْ جَاهٍ وَمَالٍ وَشُهْرَةٍ
وَإِعْلَامٍ: (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ
يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [الْحَجِّ: 18].
الْلَّهُمَّ احْفَظْ
بِلَادَنَا وَنِسَاءَنَا وَبَنَاتِنَا مِنْ شَرِّ الْمُفْسِدِيْنَ
وَالْمُفْسِدَاتِ، وَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ خَاسِرِيْنَ،
الْلَّهُمَّ انْصُرْ عِبَادَكَ الْمُحْتَسِبِيْنَ، وَاخْذُلْ
الْمُنَافِقِيْنَ يَا رَبِّ الْعَالَمِيْنَ..