الهمزة اللمزة
الهمزة اللمزة
زياد أبو رجائي
وَيْلٌ : كلمة عذاب ، ويقال لمن وقع في الهَلَكَة (1) ، والويل
في القرآن لمستحقي العذاب بجرائمهم ، بمعنى التفجع . وهي كلمة أصلها دعاء
عليه ، وتوحي هذه الكلمة بأن سوء صنيعهم موجب للعذاب .
- لماذا ذكر الله لفظ ( ويل ) ولم يستخدم لفظ ( ويح ) ؟
وقد أجاب اللغويون على ذلك بقولهم : أن ( ويل ) تطلق لمن كان في
الهلاك وواقع فيه وهي للتفجيع ، بينما ( ويح ) تطلق على من شارف الهلاك
وهي للتوبيخ ، فتأمل قوة اللفظ في الأسلوب القرآني .
- وكلمة (ويل) : نكرة أفادت معنى التهويل ، وبهذا التنكير الذي قصد به إلى
المبالغة والتهويل فيما ينتظرهم من سوء العقاب ،وهذا من البلاغة القرآنية
: بأنها خرجت بالنكرة عن معنى الشيوع إلى معان اكتسبتها من السياق.
- وكلمة (ويل) بالرفع إيذان بالجملة الإسمية ليكون بذلك العذاب بلا انقطاع
ولو كانت الجملة فعلية لدلّ على عدم ثبات العذاب لذلك قـال تعالى في
نهاية السورة : ( إنها عليهم مؤصدة في عمدٍ ممدة ) أي : أبوابها مغلقة
عليهم لا تفتح إشارة إلى دوام العذاب ، والنكتة في ذلك أن الجملة الاسمية
أثبت وآكد من الفعلية (2)
وقد خص الله لفظة ( ويل ) لكل مغتاب ، تشنيعا له على ضرره ، بل نهى عن
الغيبة في موضع آخر قال الله تعالى : " وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً
فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ
(الحجرات : 12 ) "
والهُمَزَةُ : بمعنى الهَامِزُ والهُمَّازُ أي : العَيَّابُ
والهَمَّاز والهُمَزَة الذي يَخْلُف الناسَ من ورائهم ويأْكل لحومهم في الغيب
واللُّمَّازُ المغتابون بالحضرة أي : الذي يَعيبُكَ في وَجْهِك
والغيبة هي : أن يتكلم عن إنسان حال غيابه بما يكرهه لو سمعه وكان ما
يقوله صدقا . فإن كان ما يقوله كذبا كان بهتانا ، وكلاهما من الكبائر .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا
الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما
أقول ؟ قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته (3) .
والغيبة كما تكون باللسان، واليد، والإشارة، تكون بالقلب بسوء الظن، فإذا
ظننت لا تتبع ظنك بعمل. والغيبة من الكبائر، وليس لها كفارة إلا التوبة
النصوح
والغيبة لها نصيب من عذاب القبر ، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه :
مر بقبرين . فقال ( إنهما ليعذبان . وما يعذبان في كبير (4) . أما
أحدهما فيعذب في البول . وأما الآخر فيعذب في الغيبة ) (5)
وقد شدد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك : ( من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق )(6)
إذاً : كلُّ مَن وَقَع في هَلَكة دَعا بالويْل ، وهذا بلا ريب نهاية
الهماز اللماز ، لذلك ضمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن لا يغتاب
الجنة فقال :
خصال ست ما من مسلم يموت في واحدة منهن إلا كان ضامنا على الله أن يدخل
الجنة فذكر منها ورجل في بيته لا يغتاب المسلمين .(7) . وقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من
النار (8) وقال صلى الله عليه وسلم : ( من امرئ يخذل امرءا مسلما في
موطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن
يحب فيه نصرته و ما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك
فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته(9)
وترك الغيبة إلا لمن أظهر بدعة وهوى يدعو إليها فالقول فيه ليس بغيبة عند
أهل السنة والجماعة ، فعن الحسن البصري قال ثلاثة ليست لهم حرمة في الغيبة
أحدهم صاحب بدعة الغالي ببدعته .
الغيبة إنما هي أن تصفه على جهة العيب له بما في خلقته من دمامة وسوء خلق أو قصر أو عمش أو عرج ونحو ذلك .
ومما جاء في التشديد في الغيبة للصائم أن الإمام الأوزاعي أفتى : إن الغيبة تفطر الصائم وتوجب عليه قضاء ذلك اليوم .(10)
وشدد القرآن من ذلك بان اعتبرها أذية للمؤمنين :
قال تعالى :
{ و الذين يؤذون المؤمنين و المؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا و إثما مبينا } (11)
قال اللّه تعالى : { الَّذِينَ يلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ
المُؤْمِنِينَ في الصَّدَقَاتِ وَالَّذينَ لا يَجدُونَ إلا جُهْدَهُمْ
فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ }
التوبة : 79 وقال تعالى : { يا أيُّها الَّذين آمَنُوا لا يَسخَرُ
قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ
مِنْ نِساءٍ عَسَى أنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا
أنْفُسَكُمْ وَلا تَابَزُوا بالألْقابِ } الآية الحجرات : 11
أسرار البلاغة في الآية :
واستخدم القرآن لفظة ( همزة ) ولم يستخدم لفظة ( هماز او هامز ) للدلالة
على المبالغة كما قال اهل اللغة (12) ، و الهاء في (الهمزة )و ( اللمزة )
لم تلحق لتأنيث الموصوف بما هي فيه وإنما لحِقت لإعلام السامع أن هذا
الموصوف بما هي فيه قد بلغ الغاية والنهاية فجعل تأنيث الصفة أمارةً لمَا
أريد من تأنيث الغاية والمبالغة وسواء كان ذلك الموصوف بتلك الصفة مذكَّرا
أم مؤّنثا .
ومن المحاسن اللفظية في هذه الآية استخدام الجناس اللاحق :بأن يختلفا بحرف
غير مقارب فيه ( همزة ) ( لمزة ) ، وبلاغة القرآن ليست لرعاية التكليفات
البلاغية ، بل لأجل قوة المعاني وجزالة الألفاظ
1 ) لسان العرب ( 2/638)
2 ) الكشاف ( ص: 977 )
3 ) صحيح مسلم (70)
4 ) لا يقصد به تصغير الذنب و إنما يقصد به تسهيل الأمر في توقيهما ، أي
:أنه ليس بكبير تركه ، وحكى القاضي عياض رحمه الله تعالى : ليس بأكبر
الكبائر
5 ) سنن ابن ماجه 349 صحيح ابن ماجه 279 ، وحديث رقم : 2441 في صحيح الجامع
6 ) الجامع الصغير3966
7 ) 2739 صحيح الترغيب والترهيب
8 ) الجامع الصغير 11185
9 ) الجامع الصغير 10627
10 ) فتح الباري – ابن حجر ( 4/104)
11 ) ( الأحزاب : 58 )
12 ) لسان العرب ( 5/ 425 )