أيها الزائر الرمضاني، أنت صاحب بيت
أيها الزائر الرمضاني، أنت صاحب بيت
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
المساجد
بيوت الله في أرضه، وهي أيضاً بيت كل تقي، كما بيَّن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-، هي بيت الله الذي أمر المؤمنين ببنائه؛ لكي يستقبل الراغبين
في الفوز الإلهي الذي يقذفه الله في قلوب المؤمنين، لاسيما الزائرين لهذه
البيوت، كما قال -تعالى- بعد بيان جمال وروعة نوره في قلب عبده المؤمن: (فِي
بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ
تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ
وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ
وَالأَبْصَارُ) (النور:37).
ومن
ثم صار المسجد بيت كل تقي، فمن كثرة ما يزور المسجد صار كأنه بيته أكثر من
بيته الذي يؤويه هو وأسرته، وهو فضلاً عن ذلك يشعر بمسؤوليته تجاه تعمير
المسجد بالذكر والصلاة أكثر من غيره، وبالإضافة إلى أنه لا بد لكل مسجد من
قائمين على أمره يستنون بسنة أبويهم إذا قال الله لهما: (وَإِذْ
بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً
وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ
السُّجُودِ) (الحج:26).
الحاصل
أنه لابد لكل مسجد من روَّاد يحافظون على الصلاة فيه، ولابد من قائمين على
أمره والإصلاح من شأنه، وأما من عدا هذين الصنفين من الناس فهم في عُرْف
أنفسهم فضلاً عن عُرْف غيرهم زائرين حقيقيين، ليس لهم أن يشاركوا برأي ولا
مشورة ولا غيرها، والغالب على هؤلاء أن يكونوا زائرين للحي أصلاً؛ لأن كل
ساكن للحي ممن مَنَّ الله عليه بالمحافظة على صلاة الجماعة فلابد وأنه
سيكون من رواد مسجد ما.
ولكن
الأمر في رمضان يختلف حيث يكثر الزوار من أبناء الحي الذين قرروا المحافظة
على صلاة الجماعة في رمضان، ومن ثَمَّ يختار كل واحد منهم مسجداً من مساجد
الحي؛ لكي يحيا ضيفاً عليه في شهر رمضان.
وكم
أتمنى لو كان قرار هؤلاء الزوَّار بالمحافظة على صلاة الجماعة قراراً
استراتيجياً لا موسمياً، وأن يعزموا على صلاة الجماعة طوال حياتهم.
ولذلك
فنحن نوجه الدعوة إليهم وإلى القائمين على المساجد على حد سواء أن يكون
التعامل مع الضيوف الرمضانيين على أنهم من روَّاد المسجد، وأن يستثمر شهر
رمضان في دمجهم في المسجد، وربطهم بدروسه وخطبه وإيجاد الأخوة مع أهل
المسجد.
بيد
أن هناك طائفة من الزائرين يزداد طموحنا إلى جعلهم من القائمين على أمر
المسجد، وليس مجرد رواد المسجد، وهم الذين كانوا في يوم من الأيام من
القائمين على المسجد، ثم ابتعدوا عن هذه الرسالة السامية، ولاشك أن
القائمين على أحوال المساجد هم أعلم بمن كان معهم، وربما كان قبلهم ثم
ابتعد، وكثيراً من هؤلاء يأخذه الحنين في رمضان لاسيما مع تصفيد الشياطين
لكي يعود إلى مسجده، ولكنه غالباً ما يفضل أن يعود زائراً، بل زائراً
خفيفاً كما يقولون، فتجده في زاوية من زوايا المسجد في صلاة القيام، إذا
جلس ضم ضلوعه إلى بعضها، كأنما يريد منها أن تدفن معه سره، فلا يلتفت أحد
إلى أن هذا فلان الذي كان هنا يوماً من الأيام، عيناه تعانقان المكان
تتفحصان ما زاد وما نقص، فإذا اصطدمت بعيني من يعرفه ردهما إلى الأرض، يرى
الأمر الذي لا يعجبه تتحرك شفتاه بالاعتراض أو التوجيه، بينما لسانه مازال
ساكناً، وقلبه المتردد يعقد شفتيه على لسانه مرة أخرى.
أخي
العائد استثمر الشهر الكريم، وعُدْ بقوة، ولا تختر تلك الزاوية البعيدة من
المسجد، ولكن عُد إلى حيث المسابقة على الصف الأول، تصرف وكأنك صاحب بيت،
فأنت بالفعل كذلك، اسأل عما تفتقده من نقص، وحبذا لو عرضت على القائمين أن
تُتِمََّه: أين المجلة الرمضانية؟ أين المشروب الرمضاني المثلج؟ أين المشروب الساخن للقارئ؟ بل أين القارئ الاحتياطي؟ أين...؟ أين...؟
ربما
تسمع ما لا يسرك أو تجده في أعين الآخرين لا بأس، ونسأل الله لهم الصبر،
فإعادة تثبيت عضو في مكانه من الجسد عملية ليست سهلة، ولكنها في النهاية
تستحق كل ما يمكن تحمّله في سبيلها من آلام.
إن
فاتك ذلك فلا يفوتك الاعتكاف وفي مسجدك الذي كنت في يوم من الأيام من
القائمين عليه، أنت بالذات أستحلفك بالله إذا مَنَّ الله عليك بالاعتكاف
فليكن في بيتك الأول، عشرة أيام كفيلة بأن تعيد تثبيتك في مكانك.
فإن
فاتك ذلك فلا يفوتك صلاة العيد؛ حيث الأعمال كثيرة، والساحة تسع لكل
مشارك، احمل مكنسة، أو علق لوحة، أو حتى شجع من يفعل ذلك، وبعد الصلاة
تقدم بمقترحاتك البنَّاءة لمن ينظمها، واعرض عليه المساعدة فيها، فإذا بك
قد عدت. نسأل الله -تعالى- أن يردنا إليه رداً جميلاً.