شرح الحديث التاسع والثلاثين إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين (عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)).
هذا
الحديث أخرجه الإمام ابن ماجه والإمام البيهقي وصححه الإمام ابن حبان رحمه
الله وحسنه جمع من الأئمة والحديث حسن قال المصنف رحمه الله عن ابن عباس
رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)
إن الله تجاوز يعني عفا وصفح عفا وصفح وسامح سبحانه وتعالى لهذه الأمة
تجاوز لي عن أمتي الأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم أمتان أمة الدعوة وأمة
الدعوة هي كل من ولد أو وجد منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم
القيامة هذه أمة الدعوة.
والأمة
الثانية هي أمة الإجابة أمة الإجابة وهم من استجاب لدعوة النبي صلى الله
عليه وسلم وآمن به عليه الصلاة والسلام إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ،
الخطأ ضد العمد فالفعل الذي يقع من الإنسان إما أن يكون قصده تعمده وإما أن
يكون فعله من دون قصد فالذي فعله من دون قصد يسمى خطأ قال والنسيان
النسيان ضد الاستذكار ضد ما يذكر قد يفعل الإنسان فعلا وهو لا يريد فعله
ناسي أن هذا الفعل سيفعل كما سيأتي وما استكرهوا عليه يعني ما حملوا عليه
كرها وقهرا فيحملون على هذا الفعل وهم لا يريدونه فيفعلونه قهرا هذا الحديث
كما قال الإمام النووي أنه اشتمل على فوائد مهمة لو جمعت في مصنف لو جمعت
لبلغت مصنفا لما تحتوي عليه هذه القواعد الكبيرة من هذه القواعد والفوائد
أن نعم الله سبحانه وتعالى على الناس نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى ومن هذه
النعم نعمة التشريع الذي شرعه الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة وشرعه على
هذه الأمة بما تطيق ولذلك لا يجازيها ربنا جل وعلا إلا بما تطيق ومن هنا
جاء اليسر والسماحة في مواضع كثيرة من هذا التشريع من هذه المواضع وهي
الفائدة الثانية رفع الحرج عن الأفعال التي تقع من الإنسان وهو لا يريد
وقوعها مثل الخطأ والنسيان وما يقع إكراها وهذا كما هو دلت عليه السنة في
هذا الحديث أيضا جاء في كتاب الله عز جل مثل قوله سبحانه وتعالى ﴿
رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ
تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن
قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ﴾ [البقرة: 286 ].
قال الله فعلت قال الله لقد فعلت فهذا يدل على رفع التكليف على الإنسان في
مثل هذه الحالات فلا يؤاخذ ولا يجازى عندما يقع الفعل خطأ وعندما يقع
الفعل نسيانا وعندما يقع الفعل إكراها والإكراه أيضا جاء في قوله جل وعلا ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106 ].
فهذا يدل على أن هذه الأشياء من مواضع التيسير والسماحة في هذا الدين فلا
يحاسب الإنسان على هذه الأفعال التي وقعت خطأ أو نسيانا أو إكراها والخطأ
والنسيان والإكراه يقع من المكلف تجاه حقوق الله سبحانه وتعالى كما يقع
تجاه الناس فأما ما يقع تجاه حقوق الله فالخطأ مثل أن يدعو الإنسان من لفرح
أو لغضب أو لشيء ثم يخطأ في دعائه مثل الشخص الذي تاهت ناقته وعليها متاعه
ثم بعد إعياء وتعب شديد نام تحت ظل شجرة فلما استيقظ وجد الناقة والمتاع
عنده فمن شدة الفرح دعا ربه قال اللهم أنت عبدي وأنا ربك من شدة الفرح لأنه
وجد متاعه اللهم أنت عبدي وأنا ربك فالله جل وعلا لا يؤاخذه في هذا الكلام
أو في هذا الدعاء الخطأ فما كان حقوق الله فهو معفو عنه لا إثم فيه
ويتجاوز الله سبحانه وتعالى عنه وقد يكون من حقوق العباد مثل القتل الخطأ
القتل جريمة كبيرة بلا شك جريمة عظيمة ولذلك من قتل متعمدا ﴿ فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴾ [النساء: 93].
فالقتل جريمة كبيرة فإذا تعمد إنسان قتل مسلم فجريمة كبيرة كذلك إذا تعمد
قتل غير مسلم وهو ليس محارب للمسلمين وإنما هو معاهد أو ذمي أو مستأمن فهذه
جريمة كبيرة بلا شك ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (من قتل معاهد لم يرح رائحة الجنة)
فإذا القتل جريمة عظمى لكن إذا وقع القتل خطأ هذه الجريمة العظمة جزاؤها
ماذا لا إذا كان عمدا القصاص لكن إذا كان مع القصاص أيضا الإثم عند الله
يعني القصاص في الدنيا والإثم عند الله سبحانه وتعالى لكن إذا وقع هذا
القتل خطأ انتقل من القصاص إلى الدية ثم أيضا العفو عند الله تعالى ليس
عليه إثم إنما وقع هذا الخطأ وقع الخطأ فإذا كان من حقوق العباد فحق العباد
قائم وهو الدية لكن معفو عنه عن الإثم وخففت العقوبة من القتل إلى أن تكون
حقا لولي المقتول وهي الدية وهي الدية أما النسيان ففي حقوق الله سبحانه
وتعالى معفو عنه كذلك لذلك من أكل أو شرب ناسيا في نهار رمضان فهل يفطر لا
يفطر لأنه أكل أو شرب ناسيا ولذلك الله سبحانه وتعالى عفا عن هذا النسيان
قال النبي صلى الله عليه وسلم (إنما أطعمه الله وسقاه)
فمن أكل أو شرب ناسيا فلا يؤاخذ ولذلك حتى الناسي في الصلاة لو أخطأ في
صلاته نسيانا فيجبره بإيش بسجود السهو إذا كان النسيان واجب أما إذا كان
ركنا فيعيده فقط ولا إثم عليه ما دام ناسيا إذا النسيان في حقوق الله
سبحانه وتعالى كذلك لا يحاسب عليه الإنسان والنسيان في حقوق العباد كثيرة
أن ينسى حق ماله لأخيه فإذا تذكر هذا الحق فحينئذ يعيد إليه هذا المال أو
هذا الحق ولا يعاقب عليه ما دام ناسيا ولم يجد إثباتا أما الإكراه فالإكراه
أيضا لأنه كسر على النفس أن تفعل شيئا فلو أكره إنسان مثلا على في عقيدته
بأن يقول أنا لا أعبد الله والنار على رأسه فله أن يقول ذلك ﴿ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106].
فلا يحاسب على هذا ولا يعتبر خرج من الإيمان ولا يعتبر خرج من الإيمان
كذلك في الحقوق في هذه الدنيا فلو أكره إنسان أن يطلق زوجته فطلقها إكراها
قال أهل العلم لا يقع الطلاق لأن هذا بغير إرادته إذا هذه أمثلة على أن
الإنسان من فضل الله سبحانه وتعالى ورحمته بهذه الأمة أنه لا يحاسبه على ما
وقع منه خطأ أو نسيانا أو بإكراه هذا إذا كانت في حقوق الله أما في حقوق
العباد فترد الحقوق عليهم ولا يأثم فترد الحقوق عليهم ولا يأثم الإنسان هذا
من رحمة الله سبحانه وتعالى ومن تيسيره على هذه الأمة وهذا موضع من مواضع
التيسير والرحمة وإلا فالمواضع كثيرة لذلك الله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه
رفع عن هذه الأمة الأوزار والأسرار التي كانت على الأمم السابقة فالأمم
السابقة إذا ارتكب إنسان كبيرة من الكبائر الذنوب فما كفارته القتل لكن هذه
الأمة التوبة فقط يتوب والله سبحانه وتعالى يتوب على من تاب وما رفعه الله
سبحانه وتعالى على هذه الأمة كثير وأمة محمد صلى الله عليه وسلم آخر الأمم
زمانا لكنها أول الأمم عند الله سبحانه وتعالى يوم القيامة هذه ذكرنا
مجموعة أمثلة على الخطأ والنسيان والإكراه والأخوة معنا في الموقع أيضا لهم
أن يمثلوا بمن أراد أن يمثل في الخطأ فليمثل ومن أراد أن يمثل في النسيان
فله ذلك ومن أراد أن يمثل في الإكراه فله ذلك