الثقة في قدرة الله عز وجل
أمر عظيم غفلنا عنه كثيراً ..
فما أحوجنا اليوم إلى هذه الثقة ..
لنعيد بها توازن الحياة المنهار..
ولكن ماهي الثقة بالله؟؟؟
فلا يثق بالله من لا يعرف الله، ولا البعيد عن ذكره، ولا العاصي له، ولا الغافل عن الفرائض، ولا المقصر في أداء السنن.
الثقة بالله درجات يصعدها المجاهدون لله بالذكر والعبادة والسهر في طاعات الله تعالى- الدارسون معاني صفات الله وأسمائه.
الثقة بالله تعالى ليست كلمات يتفوه بها المقصرون والعصاة، هؤلاء كذبوا على أنفسهم، هؤلاء نسوا الله فأنساهم أنفسهم،
هؤلاء أذلوا أنفسهم وأهانوها بالمعاصي، فأهانهم الله وأخرجهم من النور إلى الظلمات، وحرمهم الله نعمة الأمان، فهم في خوف من المستقبل وأحداثه، هم لم يتعلموا حب الله فحرموا حقيقة التوكل عليه، ولم يتعلموا الإخلاص لله تعالى، فلم يوفوا بعهودهم، فحرمهم الله نعمة الثقة به.
والثقة بالله هي مفتاح كل خير، ذلك أن الخير كله بيد الله وحده لا شريك له، والله عند حسن ظن العبد به، فعن الأسقع قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ( قال الله تبارك وتعالى: أنا ثم ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء)، وعن رسول الله- صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله جلا وعلا أنا ثم ظن عبدي بي إن ظن بي خير له وإن ظن بي شر فله).
الثقة بالله هي حصن المؤمنين من الشيطان وعدة المجاهدين، قال تعالى : ({ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَآءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}) البقرة 268، فمن لا يثق بالله تتخطفه وساوس الشيطان من الفقر فيسقط في كل رذيلة، ويُلبس الشيطان عليه الحق بالباطل فيستحل الحرام وينقض عرى الإسلام عروة عروة.
الثقة بالله هي خلاصة التوكل على الله وهي قمة التفويض إلى الله ،
((وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ))غافر
44
الثقة أيها المسلمون هي الإطمئنان القلبي الذي لا يخالطه شك .
الثقة هي التسليم المطلق للملك جل وعلا ، هي الإستسلام لله عز وجل .
فهو الأعلم بما يصلحنا وهو الأعلم بما ينفعنا وما يضرنا ((أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ))الملك.14
الثقة بالله هي كما قال شقيق البلخي: أن لا تسعى في طمع، ولا تتكلم في طمع، ولا ترجو دون الله سواه، ولا تخاف دون الله سواه، ولا تخشى من شيء سواه، ولا يحرك من جوارحك شيئاً دون الله؛ يعني في طاعته واجتناب معصيته
وقال بعض السلف: صفة الأولياء ثلاثة: الثقة بالله في كل شيء والفقر إليه في كل شيء والرجوع إليه من كل شيء.
الثقة بالله تعالى هي التي لقتّها الله تعالى أم موسى بقوله تعالى :
((وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ))القصص 7
إذ لولا ثقتها بربها لما ألقت ولدها وفلذة كبدها في تيار الماء تتلاعب به أمواجه وينطلق به الموج إلى ما شاء الله .
لكنه أصبح في اليّم في حماية الملك جل وعلاورعايته وما كان جزاء هذه الثقة العظيمة :
قال تعالى : ((فرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ))القصص 13
عباد الله الثقة بالله تنجلي جليّة واضحة في سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو سيد الواثقين بالله فبينما هو في الغارو الكفار بباب الغار قال أبو بكر خائفاً يا رسول الله والله لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا فقال صلى الله عليه وسلم بلسان الواثق بالله يا ابا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا وعندئذ تنجلي قدره ذي العزة والجبروت فيرد قوي الشر والطغيان بأوهى الأسباب بخيوط العنكبوت ويُسجِل القرآن هذا الموقف قال تعالى :
((إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))التوبة40
وفي عزوة الأحزاب نرى صورة المؤمنين الواثقين بربهم وبتأييده وعونه قال تعالى :
((وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ))الأحزاب22
((الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ))آل عمران173
الثقة بالله..
تجدها في إبراهيم عندما أُلقي في النار..
فقال بعزة الواثق بالله: حسبنا الله ونعم الوكيل..
فجاء الأمر الإلهي: يانار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم
الثقة بالله..
تجدها في هاجر عندما ولى زوجها وقد تركها في واد غير ذي زرع..
صحراء قاحلة وشمس ملتهبة ووحشة..
قائلة: يا إبراهيم لمن تتركنا؟
الله أمرك بهذا ؟
قالتها فقط لتسمع منه كلمة يطمئن بها قلبها ..
فلما علمت انه أمر إلهي قالت بعزة الواثق بالله ..
إذا لا يضيعنا الله ففجر لها ماء زمزم وخلد سعيها..
ولو أنها جزعت وهرعت لما تنعمنا اليوم ببركة ماء زمزم !
الثقة بالله..
تجدها في أولئك القوم الذين قيل لهم ..
إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم..
ولكن ثقتهم بالله أكبر من قوة أعدائهم وعدتهم..
فقالوا بعزة الواثق بالله: حسبنا الله ونعم الوكيل ..
فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء !
الثقة بالله..
تجدها في ذلك المحزون الذي هام على وجهه ..
من يا ترى يقضي دينه أو يحمل عنه شيئاً من عبئه ..
إنه الله فانطرح بين يديه..
وبكى يتوسل إليه..
فكان أن سقطت عليه صرة من السماء قضى بها دينه وأصلح أمره !!
الثقة بالله..
تجدها في ذلك الذي مشى شامخاً معتزاً بدينه ..
هامته في السماء ..
بين قوم طأطأوا رؤوسهم يخشون كلام الناس !!
الثقة بالله..
نعيم بالحياة..
طمأنينة بالنفس..
قرة العين..
أنشودة السعداء !
فيا أمة الله ..
أين الثقة بالله..
يامن يتوق إلى الهداية ..أين ثقتك بالله ؟
يامن يريد السعادة ..أين ثقتك بالله ؟
وقال ربكم أدعوني أستجب لكم ..
فهل هناك أصدق من الله؟؟
ومن أوفى بعهده من الله؟؟
فكيف با الله عليك يا عبد الله..
تتقلب في نعم الله ثم تبادره بما يغضبه
وتعصاة بما أنعم عليك بة من نعم
وذلك من ابشع الذنوب وابغضها الى الله
الغفلة عن مراقبة الله عز وجل، وعدم استشعار عظمته هي طريق المعاصي المعبدة وسبيلها الممهدة، التي تقود أصحابها إلى درك الآثام، ومن ثم إلي المعاناة الأليمة من سوء أثارها ووخيم عواقبها.
فلو أن المؤمن استشعر مراقبة الله تعالى دائماً وأنه يتقلب في نعمائه، ويحيا في حفظه وكلاءته، لما أقدم على ما يغضبه ويسخطه سبحانه وتعالى، بل ولبذل المزيد من الشكر، ليستحق الزيادة من الإنعام والإحسان.
لكن الغفلة والنسيان من طبيعة الإنسان، ولذلك تفضل الله تعالى على عباده ببسط يده بالليل، ليتوب مسيء النهار، وبسط يده بالنهار، ليتوب مسيء الليل، حتى تبلغ الروح الحلقوم.
ومن مزيد كرم الله تعالى وفضله: أن جعل هذا الباب بينه وبين عبده مفتوحاً يلج منه من شاء، متى شاء، لا يصده عنه حاجب، ولا يحول دونه حارس ولا بواب
((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ))(186) (البقرة)