خطبة رائعة ومفيدة عن أهمية الإخلاص في العبادة وفوائده
ملخص
الخطبة: 1- غنى الله تعالى عن خلقه. 2- بيان الله تعالى للعبادة الحقة. 3-
حقيقة العبادة. 4- الإخلاص روح العبادة وأساسها. 5- أمر الله تعالى
بالإخلاص. 6- معنى الإخلاص. 7- تفاوت الأعمال بحسب النية. 8- وعيد من فسدت
نيته. 9- الإخلاص حرز من الشيطان. 10- الإخلاص في المباحات.
الخطبة الأولى
أمّا بعد: فاتَّقوا الله معشرَ المسلمين، فتقوَى الله عدّتُكُم وزادُكم لأخرَاكم وصلاحُ دنياكم.
عِبادَ
الله، اعلَموا أنَّ الله غنيٌّ عن العالمينَ، لا تنفعُه طاعة الطائعِين،
ولا تضرّه معصيةُ العاصينَ، وإنما نَفعُ الطّاعةِ لفاعلِها، وضرَرُ
المعصيَةِ لصاحبِها، قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ
وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ
[الجاثية:15].
ولمّا كانَ العبدُ مخلوقًا لعِبادةِ الله تعالى ولاَ
صَلاحَ له ولا فَلاحَ في الدّارَين إلاّ بتحقيقِ هذهِ العبوديّة بَيَّن
الله له أنواعَ العِبادة، وفصّلها للخَلق في الكتابِ والسنّة، وبيَّن ما
يُضادّ هذه العِبادةِ؛ ليتقرّبَ المسلِم إلى ربِّه بفعلِ كلِّ أمرٍ أمرَه
الله به، وبِتركِ كلِّ نهيٍ نهاه الله عنه، قالَ الله تعالى: يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ
وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج:77]، وقال تَعالى:
وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
[الحشر:7]، وقال : ((مَا نهيتُكم عَنه فاجتنِبوه، وما أَمرتكم بِه فأتوا
مِنه ما استَطَعتم، فإنما أَهلَك مَن كان قبلَكم كَثرةُ مسائِلهم
واختلافُهم على أنبيائِهم)) رواه البخاريّ ومسلم من حديث أبي هريرة رضي
الله عنه[1].
والعِبادةُ تقرُّبٌ إلى الله عزّ وجلّ بما شرَع بحبٍّ
وخُضوعٍ تامّ واستسلامٍ لربّ العالمين، قالَ الله تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى
رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ
ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ [الزمر:54]، وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ
تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]، فلا يتَقرّب أحَدٌ
إلى الله تعَالى ولا ينالُ رضوانَه إلاّ بأن يعمَلَ الطاعةَ على نورٍ مِنَ
الله، ويترك المعصية على نور من الله، فلا يَبتدِعُ في دينِ الله، ولا
ينحرِف عن شرعِ رسول الله ، عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله :
((مَن عمِل عملاً ليس عَليه أمرُنا فهو ردّ)) رواه مسلم[2]، و((من أحدَثَ
في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ)) رواه البخاري ومسلم من حديثها[3].
وروحُ
العبادةِ والقُرُبات وشرط قَبولها هو الإخلاص، فالإخلاص هو عمَلُ القلبِ
الذي يحبّه الله ويرضاه، والإخلاص هو الذي يزكِّي الأعمال ويطهِّرها
وينمِّيها، فيبارك الله فيها وينفَع بها، ويجزِل الله به الثوابَ، والإخلاص
هو الذي كلَّف الله بالتزامِه العباد، وهو الذي ابتَلاهم الله به
ليحقِّقوه فيثابوا، أو يضيِّعوه فيعَاقَبوا، قال الله تعالى: الَّذِي
خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2]، قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى
الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [هود:7]، وقال تعالى:
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ
أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الكهف:7]، قال ابن كثيرٍ رحمه الله تعالى في
تفسيره: "ولم يقل: أكثر عملاً بل أحسن عملاً، ولا يكون العمَلُ حسنًا حتى
يكون خالصًا لله عز وجلّ على شريعةِ رسول الله ، فمتى فقَد العمل واحدًا من
هذين الشّرطين حبط وبطل"اهـ[4]، وقال الفضيل بن عياض رضي الله عنه في
تفسير لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً: "أَخلَصُه وأصوَبُه،
فإذا كان العمل خالصًا ولم يكُن صوابًا لم يُقبَل، وإذا كان صوابًا ولم يكن
خالصًا لم يُقبَل، فلا بدّ أن يكون خالصًا صوابًا"[5].
وقد أمر
الله بالإخلاص في الطاعاتِ والفرائض وفي كلِّ ما يأتي المسلم ويذَر مما أمر
الله به أو نهى عنه، فقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ
وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5]، وقال
تعالى: فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ
الْخَالِصُ [الزمر:2، 3]، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمِعت رسولَ
الله يقول: ((إنما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت
هجرته إلى الله ورسوله فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومن كانت هِجرتُه لدنيا
يصيبُها أو امرأةٍ ينكِحها فهِجرته إلى ما هاجَر إليه)) رواه البخاري
ومسلم[6].
ومعنى الإخلاص نَقاءُ النيّة والعَمَل وتصفيَتُهما من
كلِّ خَلط وشائبة تُبطِل النيّة أو تبطِل العملَ أو تقدَح في كمالِ النية
أو العمَل من الإرادات الفاسدَةِ كالرياء والسُّمعة والعُجب وكالبِدَع
المحدثة، فالنّيةُ الصادِقة والعمَل المخلصُ كاللّبن الخالص الذي لم يختلِط
بالفرثِ والدّم المذكور في قوله الله تعالى: وَإِنَّ لَكُمْ فِي
الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ
فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ [النحل:66].
والعمَلُ
يكونُ بصورةٍ واحدة، ويختلِف حكمه بحسَب النية الصادقة والإخلاصِ أو نيةِ
السوء والمخادَعَة فيه، فالمخلِص في عَمَله من المقرَّبين، والمخادِع
المدخولُ النية من المبعَدين المعذَّبين، فهؤلاء قومٌ يصلّون مع رسول الله
ويجاهِدون معه بإخلاصٍ فهم بأفضلِ المنازل رضي الله عنهم ورَضوا عنه، قال
تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ
هُمْ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ [المؤمنون:9-11]، وقال الله عن هؤلاء الصحابةِ رضي الله عنهم:
لَكِنْ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ
الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:88،
89].
وقَومٌ آخرون مِنَ المنافقين يُصلّون مع رسول الله ويجاهِدون،
لكنّهم فقَدوا الإخلاصَ والإيمانَ، فهم بشَرِّ المنازل، قال الله تعالى:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ
تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء:145]، فصورةُ العملِ واحدة، ولكنّ
المخلِصين مقرَّبون فائزون، والمرائِين مبعَدون خاسرون.
وهذا قتيلُ
معركةِ الجِهاد في سبيلِ الله وقارِئ القرآن ومنفِقُ المال في سبيل الخير،
جعَلهم الله تعالى فَريقَين: فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير، فمن أخلَصَ
لله في عمَلِه رَفعَه الله درجات، ومن عمِل قُربةً رياءً وسمعة، وضَعَه
الله دَرَكات، عن أنس رضي الله عنه أنَّ أمَّ حارثة بن سُراقة أتَت رسولَ
الله فقالت: يا رسولَ الله، ألا تحدِّثني عن حارثَةَ؟ ـ وكان قُتل يوم بدر
ـ فإن كان في الجنّة صَبرت، وإن كان في غَير ذلك اجتهَدتُ في البكاءِ
عليه، فقال: (( يا أمَّ حارثة، إنها جِنَان في الجنّة، وإنّ ابنَك أصابَ
الفردوسَ الأعلى)) رواه البخاري[7]، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما
عن النبيِّ قال: ((يقال لصاحب القرآن: اقرَأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ
ترتِّل في الدنيا؛ فإنَّ منزلَتَك عند آخِرِ آيةٍ تقرؤها)) رواه أبو داود
والترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"[8]، وعن أبي كبشة عمرو بن سعدٍ الأنماريّ
رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إنما الدّنيا لأربعة نفَر: عبدٍ رزقه
الله مالاً وعلمًا، فهو يتّقي اللهَ ويصِل فيه رَحِمه ويَعلَم لله فيه
حقًّا، فهذا بأفضل المنازل، وعبدٍ رَزَقه الله علمًا ولم يرزُقه مالاً، فهو
صادِق النية يقول: لو أنَّ لي مالاً لعمِلتُ بعمَل فلان، فهو نيّته
فأجرهما سواء، وعبدٍ رزَقَه الله مالا ولم يرزقه عِلمًا، فهو يخبِط في ماله
بغيرِ عِلم، لا يتّقي فيه ربَّه ولا يصِل فيه رحِمه ولا يعلَم لله فيه
حقًّا، فهذا بأخبَثِ المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علمًا، فهو
يقول: لو أنَّ لي مالاً لعمِلت فيه بعمل فلان، فهو نيّتُه فوِزرُهما سواء))
رواه الترمذي وقال: "حديث حسن صحيح"[9].
فتدبَّر ـ أيها المسلم ـ
هذه الأعمالَ الصالحة التي أريد بها وجهُ الله والدار الآخرة وكان الإخلاص
روحَها ومبناها كيف صارَ صاحبُها منَ الفائزين المقرَّبين، ثم تدبَّر هذه
الأعمالَ نفسَها لمّا تجرَّدت من الإخلاص وخالَطَها الرّياء كيف صار
صاحبُها من المطرودِينَ الخاسرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت
رسولَ الله يقول: ((إنّ أوّلَ الناس يُقضَى يومَ القيامة عليه رجلٌ
استُشهِد، فأتِيَ به فعرَّفَه الله نعمَتَه فعَرَفها، قال: فما عمِلتَ
فيها؟ قال: قاتَلتُ فيك يا ربِّ حتى استُشهِدتُ، قال: كذبتَ، ولكنّك قاتلتَ
لأن يقال: جريء فقد قيل، ثم أُمِر به فسُحِب على وجهه حتى أُلقِيَ في
النار، ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه وقرَأَ القرآنَ، فأتِيَ به فعرَّفَه
نعَمَه فعَرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلَّمتُ العلم وعلَّمتُه،
وقرأتَ فيك القرآن، قال: كذبتَ، ولكنّك تعلَّمتَ ليقال: عالم، وقرأتَ
القرآنَ ليقال: قارئ فقد قيل، ثم أمِرَ به فسُحِب على وجهه في النار، ورجلٌ
وسَّع الله عليه وأعطاه من أصنافِ المال، فأتِيَ به فعرّفه نِعَمَه
فعَرَفها، قال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تحبّ أن تنفَقَ
فيها إلا أنفقتُ فيها لك، قال: كذبتَ، ولكنّك فعلت ليقال: جواد فقد قيل، ثم
أُمِر به فسُحِب على وجهِهِ حتى أُلقِيَ في النار)) رواه مسلم[10]، وعن
أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعَد بشفاعتِك؟ قال:
((من قال: لا إلهَ إلا الله خالِصًا من قلبه)) رواه البخاري[11].
فأينَ
هذا الذي يقولها عالمًا بمعناها عاملاً بمقتَضاها مخلصًا مجتهدًا ممن
يقولها رياءً أو يقولها عادَةً وتقلِيدًا لا يعرفُ معناها ولا يعمَل
بمقتضاها؟! ولو ذكَرنا أنواعَ الأقوال والأفعال التي تتَّفِق في الصورةِ
وتختلِف في الحقيقةِ والجزاءِ بالإخلاص أو عدَمه لطال الكلام.
فكونوا
ـ عبادَ الله ـ من المخلِصين؛ فإنهم في كنَفِ الله وحِفظِه ورِعايتِه
وعِصمتِه، قد نجّاهم الله من مكائِدِ الشيطانِ وحَسرَة الخسران، وآواهم إلى
حِزبِه المفلِحين، قال الله تعالى عن إبليس: قَالَ رَبِّ بِمَا
أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ
أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:39، 40]،
وقال تعالى: فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ
مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82، 83]، وقد قرأها ابنُ كثير وأبو عمرو
البصرِي وابن عامر بكسر اللام إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلِصِينَ،
ومَن قَرَأها بفتح اللام وهم نافع والكوفيّون فمعناه: مَن اختارَهم الله
لاتِّصافهم بالإخلاصِ. وشرَط الله تعالى لتوبَةِ التائبين تحقيقَ الإخلاص
في أعمالهم فقال تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا
وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ
الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا
[النساء:146].
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى
الأشعريّ: (من خلُصت نيّته كفاه الله ما بينه وما بين الناس)[12]، وقال
عليّ رضي الله عنه: (لا تهتمّوا لقِلّة العمل، واهتمّوا للقَبول)[13]، وقال
بعض العُبّاد: "إنَّ لله عبادًا عَقَلوا، فلمّا عَقَلوا عمِلوا، فلمّا
عمِلوا أخلَصوا، فاستدعاهم الإخلاصُ إلى أبوابِ البرِّ جميعًا"[14].
أيّها
المسلمون، تمسَّكوا بهذا الركنِ العظيم، تمسَّكوا بالإخلاص، فابتَغُوا
بأعمالِكم وجهَ الله والدار الآخرة، وأخلِصوا لله نيّاتكم وإراداتكم،
وتقرَّبوا إلى الله بما شرَعَه الله عزّ وجلّ، وإيّاكم والبدَعَ في
القُربات فكلّ بدعةٍ ضلالة.
ويُستَحَبّ للمسلم أن يفعلَ المباحَ
بنيّة ثوابِ الله عليه، فإذا فعَل المباحَ بنيّة الأجرِ من الله ضاعفَ الله
له الثوابَ، عن سعد بنِ أبي وقّاص رضي الله قال: قال رسول الله : ((وإنّك
لن تنفِقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ الله إلا أُجِرت عليها حتى ما تجعَل في في
امرأتِك)) رواه البخاري ومسلم[15].
قال الله تعالى: فَمَنْ كَانَ
يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ
بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110].
بارك الله لي ولَكم في
القرآنِ العظيم، ونَفَعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذّكر الحكيم،
ونفعنا بهديِ سيّد المرسلين وبقولِه القويم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله
العظيمَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور
الرحيم.
--------------------------------------------------------------------------------
الخطبة الثانية:
الحمد
لله العزيزِ الغفورِ، العليمِ بذات الصدور، أحمد ربي سبحانه وأشكره، وأتوب
إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له الحليم
الشّكور، وأشهد أنّ نبيَّنا وسيّدَنا محمّدًا عبده ورسوله، أرسَلَه الله
رحمةً للعالمين، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد وعلى آله
وصحبِه أجمعين.
أمّا بعد: فاتقوا الله ـ عبادَ الله ـ في السرِّ والعلانية؛ فإنه يعلَم ما في قلوبكم ويرى أعمالَكم.
أيّها
المسلمون، اصدُقوا اللهَ في طلبِ مرضاته، واحذَروا غضَبَه ونِقمته بالبُعد
عن محرَّماته، وألزِموا قلوبَكم الإخلاصَ في دينكم؛ فإنّه منهجُ نبيّكم،
وبه تزكو أعمالكم وتُرفَع درجاتُكم وتستنير سرائركم، قال الله تعالى: قُلْ
إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ
وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ قُلْ إِنِّي أَخَافُ
إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ
مُخْلِصًا لَهُ دِينِي [الزمر:11-14]، وعن جُبير بن مطعِم رضي الله عنه
قال: قال رسولُ الله : ((ثلاثٌ لا يغِلّ عليهنّ قلبُ امرئٍ مسلم: إخلاص
العمَلِ لله، ومناصَحَة ولاةِ الأمر، ولزوم جماعةِ المسلمين)) رواه
أحمد[1]، ومعناه أن هذه الثلاثَ الخلال تصلِح القلوبَ، فمن تمسَّك بها طهُر
قلبُه من الخيانة والغلِّ والشرّ والدّغَل والفُرقة والنّفاق.
عباد
الله، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
[الأحزاب:56]، وقد قال : ((من صلّى عليَّ صلاةً واحدة صلّى الله عليه بها
عشرًا)).
فصلّوا وسلِّموا على سيّد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.
اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم...