منهج تلقي الدين فضيلة الشيخ/ د. ناصر العقل
تقول إذا كان شخص فاسد العقيدة بحيث يؤمن بشهادة أن لا إله إلا الله ولا يؤمن بشهادة محمد - صلى الله عليه وسلم - فهل عقيدته صحيحه وهل يصلى عليه وهل يصح الاستدلال بقوله - صلى الله عليه وسلم - ( من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه دخل الجنة ) ؟.
إي نعم ، هذا السؤال الحقيقة مهم ، هذا يذكرنا بأصل من الأصول الضرورية وهو أنه لابد أن نؤخذ بمنهج الاستدلال السليم في الاستدلال بالنصوص خاصة على القطعيات، فإن عرض هذه القضية جاء على درجتين درجة التفصيل ، ودرجة الإجمال .
والإجمال لابد أن يفسر بالتفصيل لابد إذا جاء الأمر مجمل لابد أن نفسره بما يفصله فمثلاً أن - النبي صلى الله عليه وسلم - ذكر أن من أركان الإسلام ، أولاً من أركان الإيمان بالله وملائكته ورسله أليس أفضل الرسل وأقربهم ورسول هذه الأمة هو محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟
إذاً الذي ادعى أنه يشهد أن لا إله إلا الله ولا يشهد أن محمد رسول الله إذا ادعى أنه مؤمن لا نقول إنه مؤمن ، خرج بهذه القاعدة القطعية في حديث جبريل عليه السلام وهو محل إجماع .
أيضاً أركان الإسلام ، الركن الأول ركن واحد وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صار كله ركن، فلا يستقيم هذا بدون ذاك.
أما من قال، قول - النبي صلى الله عليه وسلم - ( من قال لا إله إلا الله ) أنه دخل الجنة، هذا معلوم بالضرورة لأنه لا يمكن أن تستقيم لا إله إلا الله على الوجه الشرعي المقبول الصحيح إلا إذا شهد أن محمد رسول الله، لأن من مقتضيات ولوازم وضرورات لا إله إلا الله طاعة الله في الاستجابة لأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهذه متضمنة لهذه بل حتى أن شهادة أن محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضاًَ تستلزم أركان الإسلام الأخرى، فعلى هذا نقول أن هذا مفسر بذاك ، فلا يتوقع بل لا يمكن أن يكون إنسان يقول لا إله إلا الله أو يقول أنا مؤمن بالله ويدعي الإسلام إذا لم يشهد أن محمداًَ رسول الله، وإذا لم يفعل ذلك فإنه لم يدخل في الإسلام ولا يعد مسلم، وينطبق عليه أحكام غير المسلمين .
يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤال هو كيف الرد على من يدعون عصمة الأولياء ويتخذونهم إلى الله زلفى، وقد يقدمون محبتهم على محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ؟
على كل حال هذه مسألة أنا أظنها بينة عند عامة المسلمين فضلاًَ عن طلاب العلم وخاصتهم، وهو إذا قلنا بأن - النبي صلى الله عليه وسلم - انقطع بموته الوحي وهو خاتم الأنبياء وأن الله أكمل الدين، فبعد هذا فليس هناك منافذ إلى الحاجة إلى من يقال أنه معصوم هذا أمر .
الآخر أن العصمة تحتاج إلى دليل والأدلة القطعية العصمة لأحد دون - النبي صلى الله عليه وسلم - تحتاج إلى دليل والدليل ثبت أنه ليس معصوم إلا - النبي صلى الله عليه وسلم - كل يؤخذ من قوله ويرد إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأن - النبي صلى الله عليه وسلم - قال ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ) وقال ( تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي ) وفى بعض الروايات ( وعطرتي ) يعني حقوق آل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
هذا الأمر يقتضي أن الدين كمل وحفظ .
أما العصمة لابد أن ينتج عنها أن المعصوم يؤخذ قوله بلا تردد وعمله بلا تردد ، ويؤخذ على أنه دين، هذا لا يمكن .
فإذًا دعوى العصمة هذه دعوة باطلة وتتنافى مع قطعيات الدين بل إنها تتنافى مع شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا شيخ إذا كانت طالبة تستمع إلى طالبة في القرآن الكريم ولكن عندما تشكل عليها آية أو تستصعب آية في حفظها تشير إلى بعضأجزاء الجسم، وإذا كان اسم من أسماء الله مثلا أشارت إلى الأذن أو إلى البصر يعني إنه سميع بصير، من باب التقدير، فهل هذا يقدح في العقيدة أو فيه سوء أدب مع الله - سبحانه وتعالى - هذا السؤال الأول، السؤال الآخر: سؤال الجارية التي سأل عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما سألها عن الله تعالى فأشارت إلى السماء ، هل هذا يعني فيه بمعنى التوجه أو الاتجاه وبارك الله فيكم
ما يتعلق بالإشارة إلى مواطن أو إلى أماكن الصفات في الإنسان عندما تورد أسماء الله وصفاته في القرآن في التلاوة أو حين ذكرها في الكتب أو حين ذكرها في السنة هذا لا يجوز لا يجوز؛ ولأنه فيه عدة محاذير :
أولاًَ : يشعر بالتشبيه وبالتمثيل، الله - عز وجل - ليس كمثله شيء .
ثانياً : أنه يوهم على المبتدئ وطالب العلم غير المتمكن في العقيدة بل عامة المسلمين هذا يوهمهم بأمور تدخل في أوهامهم ليست لائقة، وقبل ذلك كله هو سوء أدب مع الله - عز وجل - ثم إن هذا الأمر لو اتخذ لأدى إلى فتنة عظيمة فتنة الناس في التعلق بالمخلوقات من خلال صفات الخالق - عز وجل - وهذا باب بدعة وفتنة يجب سده .
نعم ورد عن - النبي صلى الله عليه وسلم - أشار أحياناً عندما يذكر بعض الصفات أشار إما إلى أصبعه وإما إلى كفه أو نحو ذلك حينما يورد بعض أسماء الله وصفاته أو أقر من فعل ذلك لكن هذا ليس شرطاً في رواية الحديث وهو على خلاف الأمثلة على خلاف عند أئمة الحديث هل نروي الحديث كما رواه - النبي صلى الله عليه وسلم - فيصبح هذا موقوف على ما فعله - النبي صلى الله عليه وسلم - لا نزد عليه ومع ذلك فإن بعض أئمة الحديث المعتبرين عند أهل السنة أيضاً يرون أن ذلك لا يجوز خاصة بعد أن خاض الناس في أسماء الله وصفاته، وبعدما وجد من يسمون بالمجسمة والممثلة الذين كفروا أو قالوا هذا الكفر العظيم، في تجسيم الله وتمثيله فإنه لما وجد هذا يجب أن يحذر منه ، ومن هنا أحب أن ننبه أن إثبات الصفات لله - عز وجل - كما هو مذهب السلف ليس تجسيم وليس تمثيلاً لأنني عندما ذكرت المجسمة والممثلة ربما يقذف في الأذهان بعض الناس أن إثبات الصفات لله - عز وجل - كما يفعل السلف أنه تجسيم وهذا خطأ .
التجسيم هو اعتقاد أن لله - عز وجل - صفات مثل صفات المخلوقين ، ويسمى التمثيل على الاصطلاح الشرعي، إذاً فهذا الأمر يجب تجنبه ولذلك أثر عن الإمام أحمد أنه بعدما صارت فتنة الجهمية وصاروا يخوضون في هذه الأمور أنه لما روى أحد طلاب العلم عنده النبى - صلى الله عليه وسلم - الذي أقر فيه رفع الأصبع في ذكر بعض أفعال الله - عز وجل - قال الإمام أحمد قطعها الله من أصبع، لأنه رأي أن هذا يشوش على الناس، والحاضرون ليس كلهم من أهل العلم الذين يفقهون .
أما ما أشارت إليه أو ما ذكرته من مسألة إشارة الجارية إلى السماء فلا شك أن هذا دليل قطعي فطري على علو الله - عز وجل - لأن الجارية سئلت سؤال مفاجئ من - النبي صلى الله عليه وسلم - وهو المشرع وأجابت جواباً بينا واضحاً وهذا كان في مقام التشريع ، - النبي صلى الله عليه وسلم - مشرع في أمر يتعلق بالله - عز وجل - وحينما سألها أين الله؟ أشارت إلى السماء ، فهذا تقرير دين ، يجب أن ندين الله به وأن الله موصوف بالعلو، بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله .
لكن لا يعني ذلك أن نستعمل هذه الكلمة دائماً في امتحان الناس كما يفعل بعض الجاهلين ، بعض الجاهلين إذا أراد أن يختبر أحداً من المسلمين في صلاح عقيدته أو استقامة عقيدته راح وسأله هذا السؤال، هذا مصدر فتنة؛ لأن ليس كل الناس يعرفون هذه السنة وليس كل الناس يعرف كيف يجيب، فلا ينبغي السؤال إلا في مثل المقام الذي حدث أو السبب الذي حدث في عهد - النبي صلى الله عليه وسلم - مقيد بتلك الشروط ، إن جاز فعله .
تقول هل يصح الإجابة على سؤال أين ال؟له بأن الله موجود في كل مكان ؟
لا هذا خطير ، بل يجب أن يقال الله - عز وجل - مستوٍ على عرشه فوق سماواته كما ورد في النصوص ، يجب أن نجيب بأجوبة النصوص الشرعية، أنا لنا أن نجيب بأكثر مما ورد، أليس الله - عز وجل - هو أصل الغيب؟ الله - عز وجل - هو الغيب، وهناك أمور أخرى، لكن كل ما يتعلق بالكيفيات أسماء الله وصفاته غيب، ولذلك امتدح الله المؤمنون بالإيمان بالغيب، هل يجوز أن نأتي بمعاني زائدة، وبألفاظ زائدة عما ورد في الكتاب والسنة، نقول الله - عز وجل - علا فوق سماواته مستوٍ على عرشه نجيب بهذا الجواب أو بنحوه مما لا يعطي معنى آخر يبتدأ .
تقول ما حكم من لا يقتنع بالأحكام الشرعية والعقدية إلا بأدلة عقلية وما الأسلوب الأفضل في دعوته ؟
هذا يعني نزعة وسواس ، وأيضاً نزعة عقلانية مذمومة ليس كل نزعة عقلانية مذمومة، ولكن العقل إذا كان يريد أن يتثبت بالإيمان أن يستزيد من الخير فهذا ممدوح لكن إذا صارت النزعة العقلية تريد أن تقصر الدلالات الشرعية على العقل فمن هنا تقع الهلكة ، فمثل هذا يجب أولاً أن يراعى؛ لأن الغالب أن أصحاب النزعات العقلية لا يسلمون من الغرور هذا هو الغالب .
ولذلك تجد خصوم الأنبياء من العقلانيين ، وليس هذا ذم لكل عقلاني إنما العقلاني إذا ما استجاب لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - إذا ما استجاب للدين كانت عقلانيته تتعدى الحدود الأصلية الحدود الفطرية للعقل ، إذاً النزعة العقلانية إذا وصلت إلى حد أن صاحبها لا يريد أن يؤمن بشرع أو بشيء من الشرع إلا بما يقنع عقله غالباً إنه يخشى عليه من الهلكة، لأن أغلب أمور الدين قدرية، والقدر غيب، وأصول الاعتقاد غيب، والغيب نعلم منه ظواهر الحقائق لا كيفيات الحقائق، والعقل لا يكتفي بظواهر الحقائق يريد أن يتطلع إلى الكيفيات وهذا مستحيل، فإذاً صاحب هذه النزعة أخشى ألا يصل إلى الحق، أخشى فلذلك يجب أن يوعظ ويخوف بالله - عز وجل - ويبين أو تبين له ثوابت الدين وهو أن الدين ينبني على التسليم، وأن العقل قاصر وأنه لا يمكن مقارنة الوحي المعصوم كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يقارن بأفكار الناس وآرائهم مهما بلغت من الذكاء والقوة والعبقرية، فإذا سلم بذلك وأدرك أنه إنسان محدود يعني يعتريه السهو والنقصان والخلل والضعف والفناء، وعرف قدر نفسه، من هنا ستستجيب عواطفه وسيستجيب عقله إن شاء الله للحق .
إذاً أرى أن السبيل الأول هو موعظته، ثم حواره بالمسلمات البدهية لا بالمقدمات المعقدة، العقليات المعقدة لا تصل إلى يقين .
لكن مثل عبارة القرآن في مسألة الذين أوجدوا ما يوجب الشك في الله - عز وجل - قال سبحانه ﴿ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾[ابراهيم: 10] .
وقال في الرد على من أنكر البعث حينما فتت عظماً وقال أنى يحيي هذه الله - عز وجل - قال الله - عز وجل - ﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ﴿78﴾ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾[يّـس:78-79].
مقدمات بسيطة بهذه المقدمات البسيطة الخفيفة يمكن أن نقنع العقلاني الذي عنده هذا الوسواس، أما التعمق في المحاورات فهو يزيد الأمور تعقيداً .
ما ردك على من يلقون الشبهة في تفسير بعض آيات القرآن بغير معناها، كمن يقول ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (99)﴾[ الحجر:99] ، يفسر اليقين هي درجة عالية من العبادة ؟
ما وجه تسميتها شبه هنا ؟
الشبه لدى الناس عامة الناس، يعني يأخذ آيات القرآن ويفسرها بغير معانيها
على معاني إشارية مثلاً ؟
معاني عقدية
يعني أحياناً تكون معاني هي جزء من معنىالآية ؟
لا هذا يحرفها تماماً ، يعني يوصلها بالعقل العامي أنه معنى ، الهدف منه تغيير اعتقاد ؟
أعد السؤال بشكل مرتب.
بعض الفئات تفسر القرآن بغير معانيها، بحيث يلقي شبه إذا أراد إلقاء شبه معينة لدى الناس فسرها بتفسير قد يستوعبها الشخص العامي كما يقول هو
يعني كأنك تقول يكون عنده أحياناً رأي مسبق أو بدعة يعتقدها ثم يسوق النص بما يؤيد هذه البدعة، يجعل بدعته أو وهمه أو رأيه هو الأصل ثم يذهب ليأتي ليلوي أعناق الأدلة من أجل أن تؤيد شبهته أليس كذلك ؟
هذا هو الذي قال الله فيه ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾[آل عمران:7] وعلى قراءة أخرى ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ﴾ الوقوف عند ﴿ إِلَّا اللَّهُ ﴾ - عز وجل - يعني إن هناك وهو الكيفيات والغيبيات والمسائل الغيبية البحتة لا يعملها إلا الله، والوقوف على ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ يعني أن بعض المعاني العميقة في كثير من النصوص لا يدركها إلا العلماء إذاً هذا المسلك مسلك خطير ويجب أن يتنبه له كل مسلم .
لأنه لا يضع في ذهنه رأي مسبق أو عقيدة مسبقة أو يكون متعلق ببدعة أو يكون متعلق برغبة في أمر من الأمور ثم يذهب ليستدل بذلك.
فإن هذا المنحى خطير على عقيدة المسلم وغالباًُ أن الله - عز وجل - يكله إلى نفسه فيهلك ، ويظن الدليل معه، مع أن الدليل ضده .
( العصمة ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم : والأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة، وآما آحادها فلا عصمة لأحد منهم، وما اختلف فيه الأئمة وغيرهم فمرجعه إلى الكتاب والسنة فما قام عليه الدليل قبل، مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة).
نعم هذه قاعدة تتعلق بحماية الدين، لما قلنا أن الدين أكمله الله - عز وجل - وأنه ليس لأحد أن يأتي زاعماً أنه من الدين إلخ ، فتأتي هذه بمثابة الحلقة التي يعني تكون إطار لهذه القاعدة وهي أن العصمة بمعني اعتقاد أن الإنسان يقول الحق جزماً ولا يمكن أن يرد في كلامه أي احتمال للخطأ .
العصمة بأن يكون القول والفعل دين، هذه لا يمكن أن يكون إلا للرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يعصم أن يقول على الله أن يعصم من أن يتطرق قوله نقص؛ لأن ذلك يتطرق إلى الدين أو زيادة تخرج عما أراده الله أو أن يقع في محذور شرعي كأن يقع في كبيرة أو أمر يتنافى مع كرامة - النبي صلى الله عليه وسلم - والأخلاق الفاضلة .
إذاً العصمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الدين وفى الأخلاق، وفى جميع الأصول التي تقتضي كمال الدين فإن - النبي صلى الله عليه وسلم - هو المعصوم .
أما بقية الناس فلا أحد معصوم حتى العلماء الكبار، حتى كبار الصحابة ، قد يرد إليهم خطأ، لأنهم ليسوا مصدر دين ليسوا مصدر تشريع ، - النبي صلى الله عليه وسلم - عصم لأنه هو يشرع فلا يتطرق إلى أقواله وأفعاله الباطل إطلاقاً .
فإذًا العصمة لا تكون إلا للرسول - صلى الله عليه وسلم - لكن هناك معنى بعض الناس يفهمه خطأ، وقد ذكره - النبي صلى الله عليه وسلم - أن الأمة في مجموعها معصومة، لماذا معصومة ؟ هل يعني ذلك أن كل الأمة لا يخطئون ؟ لا ، يعني ذلك أنه لا تخرج الأمة كلها عن الخطأ، يبقى منها ولو عدد قليل على الصواب، يعني لا تجمع على خطأ هذا معناه، لكن لا يمكن أن تتفق الأمة كلها على الصواب لماذا ؟ لأنهم بشر يخطئون ، ويسهون ، وينسون ،يبتدع بعضهم، وينحرف بعضهم تقع فيهم السبل، لكن لابد أن تبقى طائفة ولو قليلة على الحق ، هذا معنى قول - النبي صلى الله عليه وسلم - ( لا تجتمع أمتي على ضلالة ) لو أن البدع كثرت وكثرت الأهواء فلا يعني ذلك أن الأمة تجمع على البدع والأهواء .
وهل حدث هذا ؟ لا أبداً لم يحدث ولن يحدث ، يبقى ولو طائفة قليلة حتى أثناء الغربة - النبي صلى الله عليه وسلم - سمى أهل السنة أثناء الغربة بالغرباء ، لكنه مع ذلك وصفهم بأنهم ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ومن عاداهم ) هؤلاء الظاهرون هم الذين تحققت بهم عصمة الأمم ألا تجمع على ضلالة .
فإذًا الأمة معصومة في مجموعها أن تقع في ضلالة لا في أفرادها أما آحادها جماعاتها فرقها مذاهبها قد يقع الخطأ من أحد أو من بعض فئاتهم فلا عصمة لأحد منهم، وما اختلف فيه الأئمة ، هذه مسألة مهمة .
الله ينفعكم وينفع بكم، السؤال حول السلفية الحقيقية فيه من يدعيها نرجو من سماحتكم بيان حقيقتها لأن كثير من يدعيها وهو على شيء آخر ؟
سبق أن قلنا أن السلف والسلفية وصف لأهل السنة والجماعة، الذين أخبر - النبي صلى الله عليه وسلم - أنهم أجمعوا وصفهم أنهم من كان على ما كان عليه - النبي صلى الله عليه وسلم - وصحابته ، هذا أجمع وصف وأوضح وصف، فعلى هذا كل من كان على هذا السمت على سنة - النبي صلى الله عليه وسلم - وصحابته والتابعين وأئمة الهدى وعلماء المسلمين المقتدى بهم في الدين فهو سلفي ، ومع ذلك قد تظهر بعض التصرفات القولية أو الفعلية أو المواقف خاصة تجاه الآخرين من بعض من ينتسبون للسلفية تخالف منهج السلف ، فهذه التصرفات ليست من السلفية وينبغي أن يحرر هذه الأمور على أصول ومناهج .
إذاً السلفية منهج في العقيدة والدين والتطبيق والتعامل مع الخلق، متى وجد هذا المنهج عند شخص فقد التزم السلفية ، ولو أخطأ بعض الأخطاء فإن خطأه يحسب عليه ولا يخرجه من السلفية .
إذاً هذه مسألة مهمة ، لكن لا نحسب أخطاء أفراد من ينتسبون للسلف أو جماعات أحياناً لا ننسب أخطاءهم إلى السلفية؛ لأن هذا أمر لا يخلو منه مبدأ ولا دين ولا حتى الإسلام نفسه بمجموعة لكن من المسلمين من يسيئون إلى الإسلام، بالبدع والأهواء والفسق والفجور فهل هؤلاء يحسبون على الإسلام؟!
فكذلك السلفية ليس كل من ادعى السلفية يصح انتسابه إليها، وقد أيضاً يخطئ فلا ينسب خطأه إلى السلفية .
إذاً السلفية هم من كان على نهج الصحابة ومن كان في مثل العصور المعاصرة في كل عصر، من كان على هدي العلماء الكبار المهديين الراسخين أصحاب المنهج المعتدل المتزن أصحاب المرجعية في الأمة هؤلاء منهجهم في الجملة، ليس في أفرادهم ، منهجهم في المنهج السلفي .
تقول جزاك الله خير، بالنسبة لحديث - النبي صلى الله عليه وسلم - الذي يذكر فيه أن ثلاثة دخلوا إلى مجلس من مجالس - النبي صلى الله عليه وسلم - والأول اقترب منه فآوى إلى الله ، قرأتها مرة في تفسير الحديث فآوى إلى الله يعني فآواه الله إلى رحمته، هل هذا يعتبر من تأويل الصفة ؟
نعم، مثل هذا الكلام كلام مجمل يرجع إلى المقاصد، بعض الناس يقول: الكلمة يعني في تفسير معناها لا يتعمد التأويل، إنما يفسر الكلمة ببعض معانيها، لكن إن كان مؤول فربما يحسب هذا من التأويل، بمعنى أن الله - عز وجل - آواه، لكن ينبغي أن يعرف أن مثل هذا النص المقصود به الخبر، وأنه جاء بمعرض الترغيب فهذه من الأمور أو النصوص التي يقول السلف أنها تمر كما جاءت؛ لأنها نفسُ لها معنى ولوازمها كثيرة، لكن لا نفسرها بلازم واحد من لوازمها، أو بمعنى واحد من معانيها ونجعله هو تفسيرها كما أشارت إليه السائلة أن بعض أهل العلم فسر الإيواء هنا بالمعنى الذي ذكرت ، فهذا تفسير باللوازم وهو معنى من المعاني، لا نقصر عليه ولا نحصر المعنى به؛ لأن حصر المعنى به قد يؤدي إلى التأويل، إذاً المعنى مقصود به الترغيب، مقصود به خبر عن الله - عز وجل - وعن مجازاته لعباده على وجه حقيقي لا لبس فيه .
ومن هنا يقال هذا من الأمور أو من النصوص التي تمر كما جاءت، لا تؤول تأويلاً صريحاً، ولا تحمل على أنها صفة .
تقول يا شيخ هل عمل الجوارح شرط كمال في الإيمان أم شرط صحة ؟
على أي حال هذه من المسائل التي كثر الكلام فيها، بل إني أرى في هذا الوقت أن أكثر الذين خاضوا في هذه المسألة سواء الذين قالوا إن الأعمال شرط كمال أو أنها شرط صحة، بينهما تفاوت في المفهوم، وبينهم تفاوت في معاني الكلمة وفى مترتباتها وآثارها والصحيح أن الأعمال في مجموعها في جنسها شرط صحة، لكن في مفرداتها شرط كمال، ومن الأعمال ما هو لابد أن يكون شرط صحة مثل الصلاة وليست شرط كمال فعلى هذا أقول مجموع أعمال المسلم بجملتها أو مجموع الأعمال كلها ، لابد أن تكون شرط كمال؛ لأن من أعرض عنها كلها اختل إيمانه يعني بمعني لم يصح معه .
لكن بمفراداتها تعتبر شرط كمال وليس شرط صحة، فعلى هذا أنا أقول الصحيح أننا نحتاج أن نجمع بين القاعدتين نقول الأعمال من وجه شرط كمال ومن وجه شرط صحة، فهي بمجملها في جنس يسمى الجنس يعني بمعني يجب ألا يخلو إيمان المسلم من عمل إذا خلا من كل عمل اختل اختلالا كاملاً وفقد، لابد أن يكون فيه جنس عمل خاصة ضروريات الأركان والواجبات وهذا هو من وجه شرط كمال، ومن وجه شرط صحة .
تقول: يأخذ كثير من الناس في الوقت الحالي من الرؤى أحكام وحقائق غيبية لم ترد عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - فما هو توجيهكم لهم يا شيخ ؟
نعم هذا خطأ الرؤية الصالحة من الله - عز وجل - وهي جزء من ست وأربعين جزءاًَ من النبوة والرؤية الصالحة لها شروط أولاً أن تكون على مقتضى الكتاب والسنة وألا يغتر بها المسلم بحيث يجزم بأنها دليل، إيمانه، أو دليل صلاحه، نقول لا تكون سبب للرياء والسمعة، لا تكون استدراج إلى البدع والمحدثات فإذا الرؤية الصالحة وافقت الكتاب والسنة فهي مبشرة للمؤمن، وواجب أن تعرض على النصوص وعلى الدين فإن جاء في الرؤية أو الحلم ما يعارض الكتاب والسنة ، ما يعارض مقتضيات الدين فهو من عبث الشيطان فهو من الأحلام .
وعلى هذا فإن تقرير أمور الدين أو مصائر العباد أو الجزم بمقتضيات الرؤى الجزم هذا لا يجوز .
لكنها مبشرة مؤنسة يستأنس بها يستبشر بها قد تدل على عافية، قد تدل على إيمان قد تدل على صلاح ، قد تدلنا على مواطن أو أسباب العلاج المادي لبعض الناس، فهي من توفيق الله وتكون كرامة لكن بشرط ألا نجزم بها وأن نعتبرها نصيحة لا دليل مبشرة لا يقينية، إلا إن وافقت الكتاب والسنة ، يعني موافقة كالشمس، لا لبس فيها ، فهي جزء من الحق ، لا علاقة لها بالرائي ولا المرئي له .
تقول نرجو من فضيلتكم توضيح الفرق بين البدعة التي هي ضد الاتباع وبين السنة الحسنة الواردة في الحديث ، ويستدل بها كثير من الناس في البدع ؟
نعم هذه من القواعد التي سأشير إليها في الدرس القادم ، لكن استجابة للسؤال أشير بإيجاز أن البدعة كل محدثة في الدين، وعلى هذا ليست السنن بدع، يعني معني كلمتان متضادتان لا يمكن أن يلتقيان البدعة والسنة، لا عقلاً ولا شرعاً ولا عرفاً بأي اعتبار من الاعتبارات بل الشرع اعتبر البدعة محادة للدين تماماً من كل وجه ليستثنى من البدع شيء ودليل ذلك قول - النبي صلى الله عليه وسلم - على سبيل التعميم ( كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة ) وقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه رد ) ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
فالبدعة تقابل السنة مقابلة الأضداد وهما كما يقال في تعبير بعضهم المختصين يعني الجمع بين البدعة والسنة معادلة صعبة فلا يمكن أن يلتقيان، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله في الدرس القادم .