وجوب الاتباع وذم الابتداع فضيلة الشيخ/ د. ناصر العقل
أولاً: كلمة كل ماذا تعني؟ ثم قال (كل محدثة) بعض الناس قد يقول: إن هذا يعني المحدثات عموما، لا (كل محدثة في الدين) قال: بدعة.
ومن هنا أحب أن أنبه طلاب العلم خاصة من الغفلة أحيانا البحث عن تعريفات البدعة، تعريف الناس للبدعة مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عرفها تعريفا جامعا شاملا كاملا لا مزيد عليه، ولذلك أرى أن نقتصر على هذا التعريف.
إذًا قيل ما البدعة؟ نقول: (كل محدثة في الدين بدعة) هذا نص حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ونستريح من الخلافات في البدعة، هذا أمر الأمر الآخر النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا زيادة في بيان أن البدعة كلها مذمومة، قال: (وكل بدعة ضلالة) حتى لا يأتينا من يتحزلق ويقول لنا:
إن هناك بدعة حسنة، أو بدعة هي فيها هداية، أو فيها خير، كيف تكون بدعة حسنة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (وكل بدعة ضلالة)، مطلقا تشمل ملايين المفردات أيضا نجد هذه المسألة أحكمت في نصوص أخرى، مثل قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذه النصوص متواترة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) لاحظوا كيف (من أحدث في أمرن) ما أمرنا؟ هو أمر الدين ما ليس منه -من أمر الدين- ما لم يأتِ منه مما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو رد: يعني مردود على صاحبه.
والرد: كلمة حازمة انظر كيفية اختيار العبارة فهو رد: مردود لا يمكن قبوله اعتقادا ولا قولا ولا عملا، وأيضا لما ورد احتمال أو قد يرد، لما كان قد يرد على أذهان بعض الناس احتمال تأويل الكلمة جاءت بلفظ آخر، قال (من عمل عمل) الأولى: من أحدث في أمرنا، والثانية: قال: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد، فهذا يعني جميع العمل: عمل القلب، وعمل الجوارح، وتعرفون أن من أصول السنة القطعية أن الإيمان اعتقاد، وقول، وعمل، وعلى هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -(من عمل عمل ليس عليه أمرن) يشمل الأعمال القلبية الاعتقادية، وأحوال القلب، ويشمل القول، ويشمل الأفعال التي هي العبادات ونحوها مما هو من البدع.
نخلص من هذا أنا إذا رددنا هذه القاعدة إلى قواعد أخرى صارت أكثر إحكاما من القواعد الأخرى التي قلنا فيها أن مصدر الدين ما هو؟ الكتاب والسنة، ثم قلنا: إن الله أكمل الدين لا يحتاج إلى زيادة ولا إلى نقص، وكمال الدين يتنافى مع إحداث بدع كمال الدين يتنافى تنافيا قطعيا عقلا وشرعا وعرفا وعلى مقتضى الفطرة، والواقع يتنافى إذا قلنا أن الدين كامل هل يعقل أنا نقبل بدعة في الدين أو حدث في الدين أو نقص أو زيادة، إذن مادام الله عز وجل أكمل الدين فتأتي مسألة أخرى وهي أيضا أن الله قد تكفل بحفظ الدين وجعله ظاهرا؛ لأنه قد يقول إنسان جاهل أو متحزلق أو منافق نعم، أكمل الله الدين لكن الناس أضاعوا الدين، نقول: إذا كان بعض المسلمين أضاعوا بعض العمل بالدين فلا يعني أن الدين بذاته ضاعت معالمه؛ لأن مصادره محفوظة، وأن الله عز وجل كما أكمل الدين تكفل بحفظه وجعل نبيه - صلى الله عليه وسلم - خاتما للأنبياء، لألا يحتاجوا الناس إلى نبوة، وإذا احتاجوا إلى شيء جديد للدين يبتدعونه لاحتاجوا إلى نبوة؛ لأنه لو فتحنا باب الإحداث في الدين كل إنسان سيذكر من الدين ما يحلوا له، ما يميل إليه قلبه وعاطفته ورغباته حتى وإن سماه دين يدخل الشيطان على الناس، وكل يدعي أن ما يعتقده ويقوله مما لم يرد في الكتاب والسنة ويفعله ويهواه أنه دين لا سيما أن الشيطان دخل على أهل البدع مدخل خطير، وهو أنه دخل عليهم بدعوى أن ما يحدثونه يدخل في نصر الدين أو في تأييد الدين، فمثلا بدع الاحتفالات بزعم منهم أنها محبة لمن يحتفلون في حقه من الأنبياء والصالحين، وهذا مدخل للشيطان خطير التبرك الاحتفاء بالأشخاص والأشياء على أكثر مما ورد به الشرع يأتي باسم محبة أولياء الله، فيأتي باسم التدين.
ومن هنا أكبر خطر في الابتداع أنه يأتي باسم التدين باسم التعبد الإلهي بأشياء، أو محبة الله عز وجل، أو محبة رسوله - صلى الله عليه وسلم - أو محبة أولياء الله، وهذه مداخل خطيرة، مع أن الله عز وجل وفى من الأحكام والأفعال والاعتقادات في هذه الأمور ما لا يمكن أن يحتاج الناس بعده إلى شيء من الدين.
إذن فلا يمكن لأحد أن يحدث شيئا ويزعم أنه من الدين بحال من الأحوال وعلى هذا سيأتي -إن شاء الله- من خلال الدروس القادمة نماذج لمثل هذه الأمور من البدع وغيرها ترد على مقتضى الكتاب والسنة ومقتضى هذه القاعدة، نسأل الله الجميع التوفيق والسداد وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله أجمعين.
نبدأ في استقبال الأسئلة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: ذكرتم فضيلتكم في قاعدة الإلهام والفراسة والرؤى، أن الإلهام قد يقع لبعض الناس مثلما وقع لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه وأرضاه -، ذكرتم فيما بعد أن عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -( كل بدعة ضلالة) وقول عمر في صلاة التراويح: "نعمت البدعة هذه"، ما رأي فضيلتكم في هذا .
هذه مسألة مهمة وكثيرا ما تسأل، نأخذها بالقاعدة أولاً:
صلاة التراويح ألم يصلها النبي - صلى الله عليه وسلم -
ثانياً: حينما تركها النبي - صلى الله عليه وسلم - ألم يتركها لعلة ظاهرة، ما العلة؟ خوفًا أن تفرض، لكن بعدما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - هل يعقل أن تفرض؟
كلام عمر "نعمت البدعة" إن صح فهو من باب المشاكلة في الألفاظ وهذا يوجد في ألفاظنا كثير، من باب التنزل موجود في الخطاب عند العلماء والأئمة وغيرهم لا يعني أنه يمدحها على أنها بدعة، لكن كأنه يقول للسائل مادمت تدعي أنها بدعة فنعمت البدعة، فنعمت البدعة؛ لأن أصلها موجود في الشرع.
فالبدع قد يسمى ابتداع لغة، لكن ليس هو البدعة المصطلح عليها التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها لا يجد أهل البدع إلا مثل هذا الدليل الدليل مشتبه فهل نستدل بمشتبهات؟
وردت كثير من الإجابات لعلي أعرضها كما هي لتعلق عليه.
بالنسبة للسؤال الأول: ما مصادر الدين عموما والعقيدة خصوصا؟ وردت إجابات كثيرة بأنها الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، وأخر قال: الكتاب، والسنة، وإلإجماع فقط، وأخر أخرج القياس أن يكون مصدرا للعقيدة، وآخرقال: الرجوع إلى العلماء الربانيين الذين رفعهم الله بعلمه.
الإجابات في مجملها متقنة وجيدة، ويبدو أن التي أجابت وذكرت القياس اختلط عليها الاجتهاد في الفقه والأحكام الاجتهادية والعقيدة، سبق أن قررنا في الدروس السابقة أن العقيدة توقيفية قطعية لا مجال للاجتهاد فيها، فمن هنا لا يرد القياس، نعم القياس يعتبر من وسائل الاجتهاد وليس من المصادر أيضا تسميته مصادر، مصدر تسميته فيها تجوز حتى في الأحكام نوع من التوسع في الاصطلاح وإلا فالقياس لا يرد في العقيدة؛ لأنها ليس اجتهادية.
وعلى هذا فإجابات الإخوة متكاملة، والذين قالوا الكتاب والسنة أجابوا إجابة جيدة، والذين أضافوا الإجماع كذلك إجابتهم جيدة، ولا تنافي بين الجوابين؛ لأن الإجماع مبني على الكتاب والسنة كما قررنا سابقا.
أحسن الله إليك ياشيخ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، البدعة ذكرت أنواع ومن تعريفها أنه الشيء الذي لم يكن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - هل الأشياء المخترعات تعتبر بدعة ومن أي نوع من البدع؟
ما يتعلق بالمخترعات وغيرها وسائل الحياة ليس فيها بدع بل ينبغي للمسلم دائما أن يأخذ بأحدث وسيلة تخدم حياته ودينه، إذا لم تتعارض هذه الوسيلة مع غايات الشرف إذا انطبقت عليها الشروط.
البدع إذن لا تكون إلا في العقائد، العبادات، والاحتفالات البدعية ونحوها ما يتدين به الناس، المخترعات والمصنوعات ووسائل الحياة ومناهج التعامل مع الآخرين إذا التزمت أصول الشرع هذه الأصل فيها الإباحة مطلقا، وكل مستجد فيها يفيد يجب الأخذ به بضوابطه الشرعية، لا تسمى بدع؛ لأن البدع لا تكون إلا في الدين، في العقيدة في العبادة فيما يلحق بذلك من الأعياد والاحتفالات ونحوها، والمناهج القطعية في الدين هذه هي التي يكون فيها الابتداع، أما الحياة وسائلها مناهج الحياة البحتة الاقتصادية وغيرها فالأصل فيه الإباحة بشروط الشرعِ، وما يستجد منها لا يعتبر بدع في المصطلح الشرعي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قال الشيخ: إن الكرامة تقع من أهل البدع هل عند الشيخ أمثلة من التاريخ على هذا الشيء، لأن هذه فتنة؟ الأمر الثاني: ما الأمر على أن الكرامة لا ينشرها بين أحبابه وزملائه لا يدخل فيها الرياء ولكن فتح الله عليه هذا الشيء؟.
أما الكرامة التي أشار إليها الأخ الكرامات تختلط أحيانا بالخوارق التي فيها فتنة فمثلا إنسان دعى عند قبر اعتقادا منه أن الدعاء عند القبر يكون مجاب بناء على تعلق قلبه بصاحب القبر هذا قد يجاب فتكون هذه ظاهرها الكرامة وهي استدراج قد ينتفع بمثل هذا العمل انتفاعا يكون أحيانا خارق للعادة كأن يشفى من مرض معضل، أو مثلا يحدث له شيء لم يكن يحدث للعادة من جلب نفع أو دفع ضر ويكون هذا من باب الابتلاء؛ لأن الله تعالى وكله إلى ما فعل وخسر دينه ويكسب ما يريد من متاع الدنيا، أما كون الكرامة لا تنشر فلأن هذا نهج السلف الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يكرهون وهو سبيل المؤمنين كراهية أن تنشر الكرامة من سبيل المؤمنين كانوا يكرهون ذلك، ولأن هذا يجده أي إنسان نوع من التورع وأحواله القلبية على مقتضى الشرع يجد أنه إذا تحدث عن كرامته تميل نفسه إلى الغرور تميل إلى الرياء، وما دام أكرمه الله بكرامة فينبغي أن يحفظ ما بينه وبين ربه، أما الحديث عن الكرامة يكون أحيانا من باب الاتعاظ أو من باب تبشير الناس بالخير أو من باب الفائدة للآخرين المتحققة فهذا يكون بقدر بضوابطه الشرعية.
السلام عليكم يا شيخ عندي سؤالين: السؤال الأول: البدعة عموما معناها؟
السؤال الأول: كان عن مفهوم البدعة وقد تحدثت عنه، البدعة: هي كل محدثة في الدين في العقيدة والعبادات والأمور التي تعبد به الخلق مثل الاحتفالات البدعية وغيرها كل هذا ما تدين به الناس مما لم يرد به الشرع فهو بدعة وعلى هذا فإن وسائل الحياة لا تدخل في التدين، وسائل الحياة من المباحات الأصل فيه الإباحة ولا تدخل في البدعة.
السؤال الثاني: وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي، ما معنى أغتال من تحتي؟
أما عبارة يغتال من تحتي، فمعناها ألا يأتيني أذى من تحتي، من أذى الجن والشياطين، وغالبا يكون أذى الجن والشياطين يكون من تحت الإنسان هذا هو الغالب، كأنه يستعيذ بالله عز وجل أن يأتيه هذا الأذى الأغلب على هذا النحو.
ما موقف العامي من البدعة وأهلها؟
أما موقف العامي من البدعة كما سأل السائل عليه أن يبتعد عن البدعة، وأن يبتعد عن أجواء البدعة وعن مخالطة أهل البدعة في بدعهم، وأن يناصح بإجمال ولا يدخل في التفاصيل، وأن يرجع إلى العلماء في هذه الأمور، أهم مسألة في موقف العامي مما يخالفه الناس اليوم وكثير من المسلمين أن بعض العوام والعامي لا يعني مجرد الذي لا يقرأ ولا يكتب، العامي هو من لا فقه له في الدين، وإن سمى نفسه متعلم، لأن العامية أحيانا تطلق على من هو متعلم لكنه عامي في أمور الدين، فهذا عليه ألا يوقع نفسه فيما يحرجه شرعا، يعني إذا رأى بدعة إن كان ينكرها إنكارا مجملا ولا يتشابس مع أصحاب البدع بالحوار وهو لا يفقه أو لا يعلم ولا يتشابه أيضا باستعمال الأساليب التي فيها قسوة وعنف، فإنه لا ينبغي بل لا ترد البدعة بالعنف، فالعامي عليه ألا يقع في اشتباك يوقعه في حرج ويخرجه من الأدب، لكن أيضا عليه أن يبتعد عن مواطن البدع، حتى لا تصله العدوى.
قلت قبل قليل أنه ليس هناك بدعة حسنة.
نعم هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس قولي.
ما كان من الخط البني المحاذي للحجر الأسود بعض العلماء يقول أنه بدعة حسنة، أو ما كان مثل مشاريع إفطار صائم أو ما لم يكن موجود على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو أمر ناصح للأمة هل هذا يقال له بدعة أو لا؟ والواضح أنه أمر نصح للأمة؟
أما البدعة الحسنة فالوسائل التي ذكرها السائل ليست من باب البدع شرعا ولا اصطلاحا، مثلا وسائل المضرات الأعمال الخيرية ووسائل الدعوة إلى الله عز وجل العمل الخيري المرتب الذي يحمل وسائل متعددة يستخدم التقنيات الحديثة ونحو ذلك هذا كله يدخل في باب الوسائل العامة في باب المباحات العامة، ليست هذه من باب التدين بل هي من باب الوسائل، باب الوسائل إذا توافرت فيه الضوابط الشرعية كله مفتوح، فأنا أقول ما ذكره السائل لا ينطبق على مفهوم البدعة؛ لأنه داخل في الأمور الدنيوية البحتة.
أخونا من المغرب يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سؤالي: ما مدى صحة قول "إذا تتبعت ذلة العلماء اجتمع فيك الشر كله".
نعم هذه مقولة لا بأس بها نعم؛ لأن الإنسان الذي يتتبع الذلات سواء من باب الفتنة بها، أو من باب النقد، أو من باب التعلق بها، وأخذها هذا لا شك أنه يهلك؛ لأن الذلات هي أخطاء، فالإنسان الذي سيأخذ بالأخطاء منهجا له أو للشماتة بالعلماء لا شك أنه يهلك نسأل الله العافية.
الأخ يسأل هل الإلهام يعتبر من التشريع؟
إلهام النبي - صلى الله عليه وسلم - من التشريع أما ما بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فالإلهام لا يدخل في التشريع إنما الإلهام إذا توافرت فيه الشروط الملهم يوافق ما يرد إليه يوافق الكتاب والسنة.
فعلى هذا نظرا لأن الإلهام حده غامض، إذا كان ما يحدث للإنسان من إلهامات يوافق الكتاب والسنة فهو من توفيق الله ويدخل في باب الإلهام، أما إذا خالف الكتاب والسنة فليس إلهاما إنما هو من عبث الشيطان.
هل كل من وقع في بدعة يحكم عليه أنه مبتدع أم أن هناك ضوابط شرعية تطبق على من وقع في البدعة؟
أحسنت وهذا أيضا مما يحتاجه طلاب العلم بخاصة وعموم المسلمين بعامة، وهو أنه إذا رأينا إنسانا مسلما وقع في بدعة قولية، أو اعتقادية، أو فعلية، أو مارس بدعة من البدع في منهجه في الحياة، هل يحكم عليه أنه مبتدع لأول وهلة؟ نقول: الأصل هذا يرجع إلى أن البدعة أو البدع إذا كانت منهجا للشخص بمعنى أنه ينهج نهج المبتدع في الاستدلال وفي الممارسات وفي العبادات أو يعتقد صحة مناهجهم فهو مبتدع، وإن قلت عنده البدع العملية الظاهرة؛ لأن كثيرا من الناس تطبيقاته لأمور الدين قليلة، لكنه يعتقد ينحى منحى أهل البدع ينتسب إلى فرقة، ويأخذ بمنهجها فهذا يعتبر مبتدع بناء على المنهج الذي يسلكه ويلتزمه.
الصورة الثانية: فيما إذا رأينا إنسانا يعمل ببدعة أو بدعا قليلة وهذه البدع ليست من البدع المكفرة المخرجة من الملة، وهي أكثر ما عليه المسلمين، المبتدعة من المسلمين بدع غالبا غير مكفرة، إذا رأينا إنسانا يعتقد أو يقول أو يفعل بدعة ولا نعرف حاله لا نصفه بالابتداع ابتداء، لأنها قد تكون ذلة كما ذكرت في الحديث السابق قد تكون ذلة أو جاءت عن تأول أو جهل أو تقليد من غير تبصر، أو عن اشتباه، فلا نحكم على من يقع في بدعة أو بدع قليلة لا نحكم عليه حتى نرى منهجه، فإذا كان ينهج نهج البدع في الاعتقاد والمنهج العام يخالف السنة في المنهج فهذا مبتدع وإذا لم يخالف السنة فهو ليس مبتدع، وإذا لم يخالف السنة فليس مبتدع.
هناك صورة ثالثة: وهو إذا كان الإنسان يدعي أنه ليس على منهج البدعة ولا نعرف عنه عقيدة أو قولا يدل على أنه ينهج نهج المبتدعة، لكنه يمارس بدع كثيرة هي الظاهرة على سلوكياته في تعبده في معاملاته في سمته في شكله الظاهر في تشبهه، فهذا الإنسان الذي يظهر على مسلكه العام البدع المتكاثرة فهو مبتدع، حتى لو ادعى أنه لا ينهج نهج المبتدعة، إذًا إذا تكاثرت البدعة أو صار الإنسان على منهج أهل البدع فهو بدعي أما إذا كانت البدعة قليلة عنده لا يوصف بالابتداع بل يقال هذا وافق المبتدعة، يقال هذه ذلة يقال خطأ وينصح ويبين له وجه الخطأ.
لماذا لا يجمع العلماء على العقيدة مع عظم شأنها وخطورتها ووضوح الأدلة فيها بخاصة كون العلماء قد يسمع لهم وقد وفق الله جل وعلا بلاد الحرمين بتهيئة مجمع الفقه وبناء صرحه فلماذا لا يجمعون ويريحون الأمة ويسكتون من لهم انحرافات عقدية كالخوارج وغيرهم، وبخاصة أن القرآن نص على طاعة أولى الأمر وهم العلماء والأمراء بقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾[النساء: 83]، وكذلك آية التنازع وفيها الرد إلى الله ورسوله وإلى أولي العلم ؟
أحسنت هذا السؤال يتضمن عدة نقاط، لماذا لا يجمع العلماء على العقيدة؟
هذه الحقيقة تحتاج إلى تعديل، المعروف سلفا ومن ثوابت الأمور ومسلماتها أن علماء السنة كلهم منذ عهد الصحابة إلى عصرنا هذا متفقون على أصول الدين وثوابته ومسلماته، وهي ليست مجرد دعوة بل هي حقيقة وهي الواقع وهي مقتضى حفظ الدين، وبقاء طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من آذاهم وهي مقتضى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (لا تجمع أمتي على ضلالة) من مقتضيات تطبيق هذه النصوص والقطعيات أنه فعلا أصول السنة العقيدة ثوابتها مسلماتها أصول الاعتقاد مناهج الدين العامة متفق عليها عند أئمة السنة، ومن خالف من أفراد العلماء في أصل من هذه الأصول، فمخالفته ليست محسوبة على الجميع بل هي ذلة عالم مع أنه يندر هذا من باب الاحتياط، وإلا حسب استقرائي لا أجد أن عالما من علماء السنة المعتبرين الراسخين في العلم خالف في أصل من أصول الاعتقاد، ولا في مسلمة من مسلمات الدين، ولا في ثابتة من ثوابته ولا في منهج من مناهجه بحمد الله وهذا أمر ضروري ومجرد استقراء فلان أو فلان أمر ضروري في الدين.
إذًا الثوابت محفوظة ولا خلاف عليها يبقى ما يندرج أحيانا تحت الثوابت تحت العقيدة، وليس من العقيدة يكون عليه خلاف، ويظن الناس أنه عقيدة وليس بعقيدة، هذا الخلاف فيه يرد بأنه ليس من قطعيات الدين لكنه يلحق بالناحية والموضوعية العلمية فقط، يعني مثلا علماء السلف اتفقوا على رؤية المؤمنين لربهم في الجنة يوم القيامة - نسأل الله أن يجعلنا جميعا منهم - هذا إجماع، لكن اختلفوا في مسألة رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه في المعراج هل هي عينية أو بصرية، الاختلاف في هذه الجزئية من الرؤية لا يعني الاختلاف في الأصل القطعي، وهذا تجده في الشفاعة، تجده في أركان الإيمان، في أركان الإسلام، في أمور كثيرة الأصول القطعية متفق عليها، ما يتفرع عنها أحيانا يلحق بها من الناحية العلمية لكن لا يلحق بالناحية التطبيقية، يكون عليه خلاف؛ لأنه من الاجتهادات والتي اختلفت فيها النصوص، لكن لماذا العلماء لا يتفقون على بعض النوازل؟ فلعل هذا من رحمة الله بالأمة، كيف نتصور لو أن المجامع الفقهية أو مجالس العلماء أو هيئة كبار العلماء عندنا في هذا البلد وفي غيره من المجامع التي تجمع مجموعات من علماء الأمة، لو أنهم اتفقوا كلهم على أمر واحد لوقع الأمة في حرج شديد، أقصد في الاجتهادات، هذا فيه الخير الكثير، وموقف أفراد الأمة ولأنه ينشأ عن هذا سؤال ضروري كأنه في ذهن أكثر المشاهدين، وهو أنه إذا قلنا من الخير أن يختلف العلماء في الاجتهادات؛ لأن هذا فيه سعة على الأمة، لكن كيف نتعامل؟ نحن العامة نتعامل مع اختلافات العلماء بأن نعمل بالضوابط الشرعية نتبع من نرى في تقديرنا أنه الأعلم والأحوط في علمه والأقرب إلى الدليل، بدون تشهي ولا أهواء وقد نختلف، فقد يرى منا أن هذه المواصفات تنطبق على العالم فلان وآخر يرى أن هذه المواصفات تنطبق على العالم فلان، وهذا حدث في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه مما يدل على أنه تشريع عندما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة أن لا يصلوا العصر إلا في بني قريظة وهم قبل العصر منهم من أسرع يعني باذلا جهده من أجل في أن يصل قبل غروب الشمس من أجل أن يصلى، ومنهم من فقه فقها آخر قال: قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - الحث ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة:286]، فلما حضر وقت الصلاة - صلوا وهم في الطريق؛ لأنهم تأولوا تأولاً صحيحا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرهم جميعا، وكان هذا فيه توسعة؛ لأنهم لو أخذوا برأي واحد وقعوا في حرج شديد.
فهكذا بقية ما يقع من العلماء من اختلافات فهذا فيه خير كثير ولو أحيانا قضايا نرى أنها حساسة وخطيرة مادامت اجتهادية، فهذا فيه خير كثير وتوسعة على الأمة، المصالح العظمى والقضايا الكبرى للأمة سيسدد الله فيها العلماء -إن شاء الله- أن يقفوا موقفا يرشد الأمة.
أخونا يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحيانا في منتديات الإنترنت وعبر الرسائل الإليكترونية يتداول الناس بعض الكلام الذي يكون فيه إما أحاديث ضعيفة أو بدع يسأل هل يلزم أو يجوز له أن ينقل فتاوي العلماء الثقات مثل ابن باز وابن عثيمين والألباني وغيرهم رحم الله الجميع.
نعم هذا هو الأصل، إذا رآى مخالفات من الناس عبر هذه الوسائل الأولى، وهذا يذكرنا بما ذكرته من القواعد قبل قليل قواعد المجادلة بالحسنى وتذكير الناس ونصحهم والرد على المخالف أنه ينبغي أن يكون بالاستناد على فتاوى العلماء في القضايا المعاصرة بعض الناس يقول: لماذا لا نستند إلى الدليل؟ نعم الدليل له وجاهته لكن يجب أن نفهم أن الدليل يحتاج إلى استنباط.
وعلى هذا فإن كلام العلماء الكبار المعاصرين في القضايا المعاصرة في مسائل الدين النوازل وغيرها في الرد على المخالفين منهجهم قائم على الدليل أصلا، ولا بد أن يتضمن الدليل حتى ولو لم يصرح العالم بالدليل، لذلك فعلا هذا منهج رشيد إذا أردت أن ترد على الآخرين أو تنصحهم أو تبين لهم وجه الحق أن تستند على فتاوى العلماء، على مواقفهم؛ لأن هذا أولا أدعى لقبول الناس للحق؛ لأنه فرق بين أن يأخذوا مني ومنك ومن الثالث ممن ليس عندهم عالم راسخ وبين أن تأتي برأي وموقف عالم راسخ مقبول عند الأمة، وفرق بين أيضا أن تأتي بخلاصة فكر عالم بذل جهده ونصحه للأمة، وبين أن تذهب تخبط وتبحث عن الاستدلال وربما تخطأ كثيرا فتقع في مجازفات وأخطاء، فإذن أقول هذا هو المنهج السليم والذي ينبغي أن يسلكه الشباب والدعاة الذين يتصدون للردود أو يبينون أن يناصحون أن يستندوا على أقوال علمائهم فإنها خلاصة.
أخونا يقول: هل هناك بدعة مكفرة وبدعة غير مكفرة؟
بلا شك البدع فيها مكفرة وفيها وغير مكفر، البدعة: هي كل شيء محدث في الدين كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - هناك من أحدث في الدين شركيات تنافي الاعتقاد، هناك من أحدث في الدين أمور ردة هناك مثلا من أحدث في الدين أن قصر الصلاة على ثلاثة وهذا وجد من المفتونين حتى في التاريخ المعاصر، وأنا أذكر أحد مدعى النبوة قبل سنين ليست بالبعيدة، ابتدع أمورا يعني دعوى النبوة نفسها بدعة مكفرة في الدين ودعوى اختصار الصلوات الاستغناء عن أركان الإسلام دعوى استباحة بعض الشركيات الصريحة، هذا كله من البدع المخرجة من الملة المكفرة، لكن ينبغي أن ننبه إلى ما ذكرته وسأذكره في كل مناسبة لخطورته، لا يعني أن كل من فعل ذلك نكفره لأول وهلة، ليس كل من فعل بدعة مكفرة مخرجة من الملة نحكم على عينه حتى نتثبت، ربما يكون متأول، ربما يكون جاهل، ربما يكون اشتبه عليه، الأمر ربما يكون مكره، ربما يكون أحيانا فعل شيء نظنه شركي وهو على وجه آخر ليس بشركي، على سبيل المثال وهذا أكرره دائما لأنه بين، لو رأينا إنسانا عند القبر وفجأة هذا الشخص سجد، هذا فيه احتمال أن يكون سجد لغير الله فيكون شرك، فيه احتمال أنه يكون تذكر نعمة من نعم الله فنسي أنه عند القبر فسجد شكرا لله، هذه أخطأ، لكن هل وقع في الشرك على هذه الصورة؟
لذلك يجب أن نحتاط لذممنا أولا نحتاط.
إذن أقول البدع تنقسم إلى: مكفرة، وغير مكفرة، ليس كل من فعل البدع المكفرة وليس من عادته أن يفعل أن نكفره من أول وهلة حتى نطبق الشروط وتنتفي الموانع.
الأخت تقول: هل وضع اليد على المصحف عند الحلف هل يعتبر بدعة؟
يعني وضع اليد من باب تكريم المصحف ما يظهر لي لا حرج فيه، هذا من باب التوثيق، كما توضع اليد مع اليد الأخرى عند البيعة، فهذا أظنه - -إن شاء الله- - من الصور الصحيحة لتوثيق الأمر.
الأخ يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - أنتم أعلم بأمور دينكم أو كما قال، هل هذا الحديث يأخذ به في هذا الموقف؟
أولا الحديث فيه مقال ولفظه: أنتم أعلم بأمور دنياكم وليس بأمور دينكم، بل العكس أنتم لستم أعلم بأمور دينكم، الله عز وجل هو الأعلم والأحكم في أمور الدين، لكن جاء في قصة تأبير النخل عندما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وجدهم يلقحون النخل يأبرون النخل، فظن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا لاعتقاد منه لا عن تجربة، فكان من باب الرأي قال: لا تفعلوا ذلك، فلما لم يفعلوا لم يتلقح النخل وصار شيصا يعنى بمعنى لم ينضج النضج الوافي،فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - عرف أن هذا مبني على تجارب فكان بمثابة التشريع، قال أنتم أعلم بأمور دنياكم ومن هنا أمور الدنيا تنبني على التجارب أيا كان نوعها وتنبني على الإباحة والله أعلم.
الأخ يقول: ما الوسائل لمعالجة المراء عند المؤمن؟
في الحقيقة أهم شيء ترويض النفس، الإنسان يجب أن يستحضر رقابة الله عز وجل أن يعمل بمبدأ الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، إذا أردت أن تجادل استحضر رقابة الله عز وجل عليك فيما تقول وما تفعل، ثم استحضر أنك تقول في الدين، وأنك تجادل في أمر تقول فيه على الله، ولتستحضر أيضا المعاني الأخرى من الورع والحذر من القول على الله بغير علم، وأن تتحرى الحق وتتجرد له، وأن تبتعد عن الهوى والتشهير، وأن تكون في جدالك مستعد جميع أنواع الاستعداد، إذا لم تكن مستعدا علما واستعدادا وخلقا أو ترى من نفسك أحيانا الإخلال بهذه الأمور فلتبتعد.
على أي حال في نهاية هذا الدرس نسأل الله للجميع التوفيق والسداد والرشاد وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.