أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
محمود علي التلواني
الحمدُ الله
نحمده حمدَ مَن لا ربَّ له سواه، وأشْكُره على جزيل فضْله وعطاياه، وأشهد
أنَّ الحلال ما أحلَّه وأنَّ الحرام ما حرَّمه، وأنَّ الدين ما شرَعه،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحْده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده
ورسوله.
وبعد:
للهِ أولياء وللشيطان أولياء:
بيَّن الله - سبحانه
وتعالى - في كتابه الكريم وفي سُنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنَّ له
أولياءَ من الناس وللشيطان أولياء، فقال الله - تعالى - مبينًا أولياءَ
الرحمن: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا
هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ
الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ
لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَلَا يَحْزُنْكَ
قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ)[يونس: 62 - 65].
وقال - تعالى -: (اللَّهُ
وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ
يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ
النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
وقال - تعالى -: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى
أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ
فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ *
فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ
يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ
يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا
أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا
أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ
إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ *
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا
وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ
يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ
اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة: 51 - 56].
هكذا بيَّن الكتاب صفاتِ
"أولياء الرحمن" التي منها: العِلم والمعرِفة، والصلاح والتقوى، وذلك يعني
أنَّ الأولياء هم العلماء العاملون والفقهاء المبرزون حَمَلة كتاب الله،
المتَّبعون لسُنَّة نبيه - عليه الصلاة والسلام -.
وقال مبينًا أولياءَ
الشيطان: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى
الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ) [النحل: 98
- 100]، وقال - تعالى -: (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ
فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ
ضَعِيفًا)[النساء: 76]، وقال - تعالى -: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ
اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ
فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ
أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ
بَدَلًا)[الكهف: 50]، وقال - تعالى -: (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ
وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا *
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا
* أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا
مَحِيصًا)[النساء: 119 - 121]، وقال - تعالى -: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ
إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ *
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا
ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ
وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران: 173 - 175].
فأولياء الشيطان هم
أتْباعُه العاصون لله - عز وجل - المخالفون لكتابه ولسُنة نبيِّه - صلى
الله عليه وسلم - المغرورون بتزيين الشيطان ووعْده لهم؛ (يَعِدُهُمْ
وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمْ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا).
صفات أولياء الرحمن:
يقول شيخُ الإسلام ابن
تيمية - رحمه الله -: "وإذا عُرِف أنَّ الناس فيهم أولياء الرحمن وأولياء
الشيطان، فيَجب أن يُفرَّق بين هؤلاء وهؤلاء، كما فرَّق الله ورسوله
بينهما، فأولياءُ الله هم المؤمنون المتَّقون، كما قال - تعالى -: (أَلَا
إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *
الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)[يونس: 62 - 63]، وفي الحديثِ
الصحيح الذي رواه البخاري وغيرُه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن
النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يقول الله - تعالى -: مَن عادَى لي
وليًّا فقد بارَزني بالمحاربة - أو فقد آذنتُه بالحرْب - وما تقرَّب
إليَّ عبدي بمثل أداء ما افترضتُ عليه، ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ
بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي
يُبصِر به، ويده التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها)) - وفي رواية: فبِي
يسمع وبي يُبصِر، وبي يبطش وبي يمشي - ولئن سألني لأُعطينَّه، ولئن
استعاذني لأُعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعله تردُّدي عن قبْض نفْس
عبدي المؤمن، يَكْره الموت وأكْره مساءتَه ولا بدَّ له منه))، وهذا أصحُّ
حديث يُروَى في الأولياء، فبيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه مَن
عادى وليًّا لله فقد بارَز الله في المحاربة"[1].
وروى البخاريُّ ومسلم في
"صحيحيهما" عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله -
صلى الله عليه وسلم - يقول جِهارًا من غير سِرٍّ: ((إنَّ آل فلان ليسوا لي
بأولياء - يعني: طائفة مِن أقاربه - إنما وليِّي الله وصالِح
المؤمنين))[2]، وهذا موافقٌ لقوله - تعالى -: (فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ
مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ
ذَلِكَ ظَهِيرٌ)[التحريم: 4]، يقول الرازي: "(وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)،
قال ابن عبَّاس: يريد أبا بكر وعمر مواليين النبي - صلى الله عليه وسلم -
على مَن عاداه، وناصرين له،وقال الضحَّاك: خيار المؤمنين، وقيل: مَن صلح
مِن المؤمنين؛ أي: كل مَن آمَن وعمل صالحًا، وقيل: مَن برئ منهم مِن
النِّفاق، وقيل: الأنبياء كلهم، وقيل: الخلفاء، وقيل: الصحابة، وصالِح ها
هنا ينوب عن الجمْع، ويجوز أن يُراد به الواحدُ والجمع"[3].
فلا دخْلَ للقرابة في الولاية إنَّما هي متعلِّقة بالإيمان والتقوى وكفى.
أَلاَ إِنَّمَا التَّقْوَى هِيَ العِزُّ وْالْكَرَمُ *** فَلاَ تَتْرُكِ التَّقْوَى اتِّكَالاً عَلَى النَّسَبْ
فَقَدْ رَفَعَ الْإِسْلاَمُ سَلْمَانَ فَارِسٍ *** وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ النَّسَيبَ أَبَا لَهَبْ
والولاية ضدُّ العَداوة،
والأصْل في الولاية المحبَّة والقُرْب، والأصل في العداوة البُغض والبُعد،
فإذا كان الولي هو الموالِي لله - عز وجل - القريب منه المطيع له فيما
أَمَر، والمنتهي عمَّا نهى عنه، فالمعادي لوليِّه هو المعادي له - عز وجل -
قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا
عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ
بِالْمَوَدَّةِ)[الممتحنة: 1]، فمَن عادَى أولياء الله فقدْ عادى الله،
ومَن عادى الله فقد حارَبه؛ ولأجل ذلك قال - تعالى -: ((مَن عادَى لي
وليًّا فقدْ آذنتُه بالحرْب))[4].
أسأل الله - عز وجل - أن
يُوفِّقنا لمَا يحبُّه ويَرْضاه، وأن نكون عاملين بأوامِره منتهيين عمَّا
نهى الله ورسولُه عنه، وأن يجعلَنا من أوليائه الصالحين، آمين.
________
[1] "أولياء الرحمن وأولياء الشيطان"، لابن تيمية.
[2] متفق عليه.
[3] "مفاتيح الغيب"، للرازي.
[4] رواه البخاري