الصيام والتقوى
الصيام والتقوى
قال الله
تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ
كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
[البقرة/183]
قال الشيخ ابن عاشور في تفسيره"التحرير والتنوير":
"قوله :
{ لعلكم تتقون } بيان لحكمة الصيام وما لأجله شرع ، فهو في قوة المفعول
لأجله لِكُتِبَ ... والتقوى الشرعية هي اتقاء المعاصي.وإنما كان الصيام
موجباً لاتقاء المعاصي ، لأن المعاصي قسمان:
قسم ينجع في تركه التفكر كالخمر والميسر والسرقة والغصْب فتركُه يحصل بالوعد على تركه والوعيد على فعله والموعظة بأحوال الغير.
وقسم
ينشأ من دواع طبيعية،كالأمور الناشئة عن الغضب وعن الشهوة الطبيعية التي
قد يصعب تركها بمجرد التفكر. فجعل الصيام وسيلة لاتقائها ، لأنه يُعَدِّل
القوى الطبيعية التي هي داعية تلك المعاصي ، ليرتقي المسلم به عن حضيض
الانغماس في المادة إلى أَوج العالَم الرُّوحاني.فهو وسيلة للارتياض
بالصفات الملكية والانتفاض من غبار الكدرات الحيوانية .
وفي
الحديث الصحيح « الصَّوْمُ جُنَّة » أي وقاية. ولما تُرك ذكر متعلَّق
جُنَّة تعيَّن حمله على ما يصلح له من أصناف الوقاية المرغوبة ، ففي الصوم
وقاية من الوقوع في المآثم ووقاية من الوقوع في عذاب الآخرة ، ووقاية من
العِلل والأدْواء الناشئة عن الإفراط في تناول اللذات ."اهـ
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله عند هذه الآية:
"ثم
ذكر تعالى حكمته في مشروعية الصيام فقال: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } فإن
الصيام من أكبر أسباب التقوى، لأن فيه امتثال أمر الله واجتناب نهيه.
فمما اشتمل عليه من التقوى:
أن
الصائم يترك ما حرم الله عليه من الأكل والشرب والجماع ونحوها، التي تميل
إليها نفسه، متقربا بذلك إلى الله، راجيا بتركها، ثوابه، فهذا من التقوى.
ومنها: أن الصائم يدرب نفسه على مراقبة الله تعالى، فيترك ما تهوى نفسه، مع قدرته عليه، لعلمه باطلاع الله عليه.
ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الشيطان، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، فبالصيام، يضعف نفوذه، وتقل منه المعاصي.
ومنها: أن الصائم في الغالب، تكثر طاعته، والطاعات من خصال التقوى.
ومنها: أن الغني إذا ذاق ألم الجوع، أوجب له ذلك، مواساة الفقراء المعدمين، وهذا من خصال التقوى."اهـ
فالتقوى
هي المقصد الأسمى و الغاية المرادة بالصوم بل هي الغاية من العبادات
جميعا : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
وللتقوى
تعريفات عديدة من أقدمها ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سأل أبيّ
بن كعب عن التقوى، فقال له: أما سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال: بلى قال: فما
عملت؟ قال: شمرت واجتهدت، قال: فذلك التقوى.[i]
وعن
طلق بن حبيب، قال: التقوى أن تعمل بطاعة الله رجاء رحمة الله على نور من
الله، والتقوى أن تترك معصية الله مخافة عذاب الله على نور من الله[ii].
فالتقوى هي زاد الروح الذي به يسير إلى ربه ،ويصل سالما.قال الله تعالى :
{ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى }.
قال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي[iii] :
وكما أن البدن لا يكون صحيحا إلا:
بغذاء يحفظ قوته،
واستفراغ يستفرغ المواد الفاسدة والأخلاط الردية التي متى غلبت عليه أفسدته جميعه،
وحمية يمتنع بها من تناول ما يؤذيه ويخشى ضرره.
فكذلك
القلب لا تتم حياته إلا بغذاء من الإيمان والأعمال الصالحة تحفظ قوته،
واستفراغ بالتوبة النصوح يستفرغ المواد الفاسدة والأخلاط الردية منه،وحمية
توجب له حفظ صحته ويجتنب ما يضادها وهي عبارة عن ترك استعمال ما يضاد
الصحة. والتقوى اسم يتناول هذه الأمور الثلاثة فما فات منها فات من التقوى
بقدره.اهـ
نسأل الله العظيم أن يجعلنا من الصائمين القائمين المتقين،وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
[i] تفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 164)
[ii] تفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 244)
[iii] ص75