لمن تفتح أبواب الجنة وعمن تغلق أبواب النار؟
لمن تفتح أبواب الجنة وعمن تغلق أبواب النار؟
عبد اللّه قادري الأهدل
نعود مرة أخرى إلى الآية الكريمة التي فرض الله فيها صيام شهر رمضان على
المؤمنين، للتذكير بأن من أهم ما يثمره الصيام في الصائمين، تقوى الله -
عز وجل- كما قال – تعالى-: ((يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما
كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)) [البقرة (183)].
ونعيد كذلك التذكير بالحديث الذي بشر فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بفتح أبواب الجنة وغلق أبواب النار في شهر رمضان:
روى أبو هريرة - رضي
الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا كان رمضان،
فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين) [البخاري (1800)
ومسلم (1079) واللفظ له.
ثم نستفتي القرآن الكريم، في المؤهلات التي تفتح بها أبواب الجنة، وتغلق بها أبواب النار.
وسنجد أن التقوى التي
يجنيها الصائمون من صيامهم، هي خلاصة المؤهلات لدخول الجنة، والنجاة من
النار، في كل الأوقات، ومن باب أولى في هذا الشهر الكريم....
وقد تكرر ذلك كثيراً في القرآن الكريم، ومن ذلك قوله – تعالى- في الآيات الآتية:
((إن المتقين في جنات وعيون)) [الذاريات (15)].
((تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا)) [مريم (63)].
((وأزلفت الجنة للمتقين)) [الشعراء (90)].
((وسيق الذين اتقوا ربهم
إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام
عليكم طبتم فادخلوها خالدين)) [الزمر (73)].
((مثل الجنة التي وعد المتقون)) [محمد (15)].
((وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد)) [ق (31)].
((وإن للمتقين لحسن مآب(49)جنات عدن مفتحة لهم الأبواب)) [الذاريات (50)].
وقد جمع الله تعالى
للمتقين، دخول الجنة وما فيها من نعيم، والوقاية من النار، فقال تعالى:
((إن المتقين في مقام أمين (51) في جنات وعيون (52) يلبسون من سندس
وإستبرق متقابلين (53) كذلك وزوجناهم بحور عين (54) يدعون فيها بكل فاكهة
آمنين (55) لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب
الجحيم(56))
ومعلوم أن التقوى هي
طاعة الله – تعالى- بفعل ما أمر، وترك ما نهى عنه وزجر، ويدخل في ذلك،
فعل الواجبات والمندوبات، وترك المحرمات والمكروهات، وفعل المباحات، أو
تركها تقربا بذلك إلى الله – تعالى- وهذه هي الأحكام التكليفية التي ذكرها
العلماء في كتب أصول الفقه...
كما يكثر في القرآن
الكريم، أن الإيمان والعمل الصالح، هما المؤهلان لدخول الجنة، والعمل
الصالح هو التقوى، والإيمان أساسهما، قال – تعالى-: ((وبشر الذين آمنوا
وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من
ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ولهم فيها أزواج
مطهرة وهم فيها خالدون)) [البقرة (25)].
وكثيرا ما يفصل القرآن
الكريم، مؤهلات أهل الجنة الناجين من النار، فعلاً وتركاً، ومن أمثلة ذلك
قوله – تعالى-: ((قد أفلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2)
والذين هم عن اللغو معرضون (3) والذين هم للزكاة فاعلون (4) والذين هم
لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين
(6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7) والذين هم لأماناتهم
وعهدهم راعون (8) والذين هم على صلواتهم يحافظون (9) أولئك هم الوارثون
(10) الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)) (11) [المؤمنون].
وينبغي أن يعلم أن الحد
الأعلى للتقوى والإيمان والعمل الصالح، هو ما سبق من فعل المسلم الواجبات
والمندوبات، وترك المحرمات والمكروهات، وفعل المباحات أو تركها، تقربا
إلى الله – تعالى- وهؤلاء هم السابقون بالخيرات.
وأن الحد الأدنى للتقوى
الذي يستحق به صاحبه الجنة والنجاة من النار، بفضل الله ورحمته، هو فعل
الواجبات، وترك المحرمات، وهؤلاء هم المقتصدون في طاعة الله، بحيث لا
يحرصون على فعل المندوبات، وترك المكروهات...
ومع ذلك فإن رحمة الله –
تعالى- تشمل من يفرط في ترك بعض الواجبات، وارتكاب بعض المحرمات، ما سلم
من الشرك بالله، وهؤلاء هم الظالمون لأنفسهم.
وقد شمل هذه الأصناف
الثلاثة، قوله – تعالى-: ((ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا
فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل
الكبير (32) جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا
ولباسهم فيها حرير)) [فاطر (33)].
فالجنة يفتح الله
أبوابها لطالبيها،والنار يغلق الله أبوابها للهاربين منها، وطلب الأولى
والهرب من الثانية، إنما يكونان بالإيمان والعمل الصالح وتقوى الله
الشاملة لفعل الواجبات وترك المحرمات.
ولهذا جاء في بعض ألفاظ
حديث أبي هريرة - رضي الله عنه-: بعد ذكر فتح أبواب الجنة، وغلق أبواب
النار: (ونادى مناد: يا باغيَ الخير أقبل، ويا باغيَ الشر أقصر).
ومن فضل الله تعالى على
أمة محمد أنهم جميعا يدخلون الجنة، إلا من حرم نفسه منها، فأبى دخولها،
كما روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
قال: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى) قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟
قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) [البخاري رقم (6851)]
وقد خص الله – تعالى-
الصائمين، بباب من أبواب جنته الثمانية، لا يدخله غيرهم، إكراما منه –
تعالى- لهم، كما في حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله
عليه وسلم- قال: في الجنة ثمانية أبواب، فيها باب يسمى الريان، لا يدخله
إلا الصائمون) [البخاري رقم (3084) ومسلم (1152)].
وفي لفظ: (ومن دخله لم
يظمأ أبدا) [الترمذي (765) و قال: هذا حديث حسن صحيح غريب)] قال الحافظ:
"وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه، لأنه مشتق من الري، وهو
مناسب لحال الصائمين، وسيأتي أن من دخله لم يظمأ" [فتح الباري (4/11)].
وفي ذلك فليتنافس المتنافسون...
إن من أعظم نعم الله على
عبده المؤمن، أن يجتهد في عبادة ربه، كل باب من أبواب الخير: الصلاة،
والصيام، والزكاة والصدقة، والحج، والجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، والذكر، وصلة الرحم، وتلاوة القرآن، وقيام الليل،
والاعتكاف...وبخاصة في الأوقات الفاضلة، مثل هذا الشهر المبارك "رمضان"
لتجتمع له فضائل الأعمال، وينال من ربه – تعالى- رضاه وثوابه الجزيل.
وإن المسلم لجديرون بأن
يغنموا فرصة فتح أبواب الجنة التي بشر بها الرسول - صلى الله عليه وسلم -
في هذا الشهر الكريم، بأن يتطلعوا لكل تلك الأبواب، ولا يقتصروا على باب
واحد منها، اقتداء بالمصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام،
ومنهم خليفته الأول أبو بكر - رضي الله عنه - الذي رجا له الرسول - صلى
الله عليه وسلم - ذلك الخير كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -
قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من أنفق زوجين من شيء
من الأشياء في سبيل الله، دعي من أبواب –يعني- الجنة: يا عبد الله هذا
خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد
دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من
أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان) فقال أبو بكر: ما على هذا
الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، وقال هل يدعى منها كلها أحد يا رسول
الله؟ قال: (نعم وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر) [البخاري (3466) ومسلم
(1027)].
((وفي ذلك فليتنافس المتنافسون))..