خطبة عن التوبة وشروطها وختام العام بتوبة صادقة وفتح صفحة جديدة مع الله تعالى
*الخطبة الأولى*
أيها
الناس اتقوا ربكم وتوبوا إليه فإن الله يحب التوابين واستغفروه من ذنوبكم
فإنه خير الغافرين توبوا إلى ربكم مخلصين له بالإقلاع عن المعاصي والندم
على فعلها والعزم على أن لا تعودوا إليها فهذه هي التوبة النصوح التي أمرتم
بها: يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر
عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار
ليست التوبة أن
يقول الإنسان بلسانه: أتوب إلى الله أو اللهم تب علي وهو مصر على معصية
الله. وليست التوبة أن يقول ذلك وهو متهاون غير مبال بما جرى منه من معصية
وليست التوبة أن يقول ذلك وهو عازم على أن يعود إلى معصية ربه ومخالفته.
أيها
الناس توبوا إلى ربكم قبل غلق باب التوبة عنكم فإن الله يقبل التوبة من
عبده ما لم يغرغر بروحه فإذا بلغت الروح الحلقوم فلا توبة: إنما التوبة
على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله
عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا
حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا
لهم عذابا أليما .
فبادروا أيها المسلمون بالتوبة فإنكم لا تدرون
متى يفاجئكم الموت ولا تدرون متى يفاجئكم عذاب الله: أفأمن أهل القرى أن
يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم
يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ، عباد
الله هل أمنتم مكر الله يمدكم بالنعم المتنوعة وأنتم تبارزونه بالمعاصي
إن
من أعظم العقوبات قسوة القلوب ومرضها وإن الكثير الآن قلوبهم قاسية يسمعون
المواعظ والزواجر ويقرؤونها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله وكأنهم لا
يسمعون الجيد منهم إذا سمع الموعظة وعاها حين سماعها فقط فإذا فارقها خمدت
نار حماسه واستولت الغفلة على قلبه وعاد إلى ما كان عليه من عمل *واعلموا
أن الله غني حميد .
أيها الناس إنه لا توبة مع الإصرار كيف يكون الإنسان تائبا من ذنب وهو يصر عليه؟
يقول النبي : ((من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرض فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات)).
أيها
المسلمون إن التوبة الكاملة كما تتضمن الإقلاع عن الذنب والندم على فعله
والعزم على ألا يعود إليه تتضمن كذلك العزم على القيام بالمأمورات ما
استطاع العبد فبذلك يكون من التوابين الذين استحقوا محبة الله ورضاه: إن
الله يحب التوابين ويحب المتطهرين
فتوبوا أيها المسلمون إلى ربكم
واستغفروه بطلب المغفرة منه بألسنتكم وقلوبكم: وتوبوا إلى الله جميعا أيها
المؤمنون لعلكم تفلحون بادروا بالتوبة قبل أن يأخذكم الموت فيحال بينكم
وبينها وتموتون على معصية الله. إن بعض الناس تغره الأماني ويغره الشيطان
فيسوف بالتوبة ويؤخرها حتى يقسو قلبه بالمعصية والإصرار عليها فتغلق دونه
الأبواب أو يأخذه الموت قبل المهلة في وقت الشباب.
اللهم وفقنا للمبادرة بالتوبة من الذنوب والرجوع إلى ما يرضيك عنا في السر والعلانية فإنك علام الغيوب.
بارك
الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر
الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو
الغفور الرحيم.
*الخطبة الثانية*
الحمدلله قابل توبة المؤمنين وأشهد أن محمدآ عبده ورسوله سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
أما
بعد: أيها الناس، توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة
قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم تسعدوا، وأكثروا الصدقة في
السر والعلانية ترزقوا.
أيها الأحبة، إننا نودع هذا العام، عام مضى
وانقضى من أعمارنا، لقد كنا بالأمس القريب نستقبله، وفي هذه الأيام نودعه،
ولكن الفرصة لا تزال مهيئة لنا في استدراك الماضي، وذلك بالتوبة الصادقة
حتى نبدأ صفحة بيضاء.
فمن بدرت منه خطيئة أو ارتكب معصية خلال
هذا العام فبادر بالتوبة والاستغفار وأتبعها بالحسنة التي تمحوها كفرها
الله عنه ووقاه خطرها، يقول سبحانه: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ
نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا
[النساء: 110].
معاشر المسلمين، إن التوبة الصادقة تمحو
الخطيئة مهما عظمت، كما قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ
يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وقد دعاكم ربكم سبحانه وتعالى
فقال: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة: 74].
وإنه فتح بابه للتائبين ليلاً
ونهارًا، قال : ((إن الله يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده
في النهار ليتوب مسيء الليل))،
وعلق الفلاح عليها فقال سبحانه
وتعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31]، ووعد بالقبول عليها: وَهُوَ
الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ
[الشورى: 25].
ووالله، لو فكر الناس في عظمة الله ما عصوه؛
لأنه عظيم يغار إذا انتهكت محارمه، يثيب من أطاعه ويعاقب من عصاه، وكفى
بخشية الله علمًا وبالاغترار بالله جهلاً.
فالبدار البدار إلى
التوبة الصادقة قبل أن توضعوا في الحفر المظلمات، وقبل أن تقول نفس: يا
حسرتا على ما فرطت في جنب الله، ومن قبل أن تقول: ربِّ ارجعون لعلي أعمل
صالحًا فيما تركت.
وبشرى أزفها لكم ـ معاشر التائبين ـ من كلام رب العالمين، هذه البشرى هي أن السيئات إذا تاب منها العبد بدلت حسنات،
قال تعالى: إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا
فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ
غَفُورًا رَحِيمًا وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ
إِلَى اللَّهِ مَتَابًا [الفرقان: 70، 71].
فالتوبة التوبة أيها المسلمون، تفوزوا برضوان الله وتسعدوا في الدنيا وبالنعيم المقيم في دار المقامة.