خطبة بعنوان (المهدي المنتظر عند أهل السنة والجماعة)
(الخطبة الأولى )
أما بعد: فإن أعظم فتنة تصيب المسلمين وأكبر بلاء يهدد الدين وشرَّ واقع في حياة الأولين والآخرين، ألا وهو "المسيح الدجال"، وعظم بلائه وفتنته، حتى حذر منه كل نبي قومه، وكذلك أنه يوشك أن يؤذن له بالخروج، ففي سنن الترمذي أن رسول الله قال: (الدجال يخرج من أرض بالمشرق يقال: لها خراسان) وهي من نواحي إيران اليوم. فمتى يخرج عباد الله؟.
اعلموا أن المسيح الدجال لا يخرج حتى يظهر المهدي المنتظر، رجل صالح يبعثه الله عز وجل خليفة حكما عدلا من سلالة النبي يصلحه الله في ليلة. ففي سنن الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً )لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي(، وفي سنن أبي داود عن ابن مسعود أيضاً مرفوعاً )لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا)،
وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن علي مرفوعاً(المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة)
هذه هي عقيدة أهل السنة في المهدي، فهو رجل صالح يبعثه الله ليصلح ما أفسد الناس، وهو قرب خروج المسيح الدجال.
أما الشيعة فالمهدي عندهم عبارة عن أسطورة وخيال، يعتقدون أنه آخر أئمتهم، وهو المدعو بمحمد بن الحسن العسكري، دخل سرداب سامراء منذ ألف ومائة عام وكان عمره خمس سنوات، ولم يظهر له أثر بعدها. قالوا: إنه سيخرج ويعيد لآل البيت كرامتهم، وذلك إذا فسد الزمان.
سبحان الله، ما هذه الأباطيل والأساطير؟! ما الذي يجعله يختفي ولا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدعو إلى الله؟! قالوا: إنه ينتظر فساد الزمان!! بالله عليكم هل ينتظر فساداً أكثر من هذا؟! فكلامهم هذا لا يدل عليه لا كتاب ولا حديث صحيح ولا عقل صريح، إنما هو خيال وضلال. ونحن لو لم تأتِ نصوص صحيحة في المهدي لما أثبتناه.
وفي مقابل الشيعة هناك أناس لقبوا أنفسهم بالمفكرين، أنكروا المهدي بلا دليل، سوى أنهم قالوا: إن إثبات أحاديث المهدي سيؤدي إلى أن يدعي المهدوية كل أحد، كما فعلها كثير.
صحيح، إن هناك كثيراً من الناس من لقب نفسه بالمهدي، وادعى بأنه هو، كما فعل الملحد الفاجر عبيد الله بن ميمون القداح الفاطمي زوراً، اليهودي الأصل، انتسب زورا إلى بيت النبوة، وادعى أنه المهدي، وملك واستفحل أمره وعظم شره، حتى استولى على بلاد المغرب ومصر والحجاز والشام، وادعى بعد ذلك الألوهية وانتشر أتباعه القرامطة الباطنية الرافضة، واشتدت بالمسلمين كربتهم وعظمت غربتهم، حتى سخر الله الرجل الصالح صلاح الدين الأيوبي فقضى عليهم.
نعود إلى المهدي الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً، فيكون بين المسلمين والروم هدنة، حتى إنهم يشتركون جميعاً في غزو عدو مشترك لهم، فينصرهم الله، حتى إذا كانوا بمرج ذي تلولٍ وقف رجل من النصارى ورفع الصليب وقال: غلب الصليب. فيغضب رجل من المسلمين فيدق الصليب.
هنالك تغدر الروم وتجمع جيوشها للملحمة الكبرى والمعركة العظمى ضد المسلمين. وينصر الله تعالى عباده ويفتحون مدينة كبرى هي "روما" في أصح الأقوال، لأنه في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((سمعتم بمدينة جانب منها في البر وجانب منها في البحر؟)) قالوا: نعم يا رسول الله، (قال لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من بني إسحق، فإذا جاؤوها نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر فيسقط أحد جانبيها). و"روما" كما تعلمون بها عاصمة الكفر "الفاتيكان".
فبينما يكون المسلمون يتقاسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ والخبر الفظيع: إن المسيح الدجال قد خرج. فيتركون كل شيء ويرجعون.
وهذه هي علامات الساعة الكبرى ـ عباد الله ـ تتلاحق كالمطر، لا يكاد يفصل بينها فاصل، فقد قال عن أشراط الساعة: (الآيات خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضا)
المسيح الدجال وفتنته العظمى، يبقى أربعين يوماً، يعثو في الأرض فساداً وتضليلاً، أكثر من يتبعه اليهود والنساء،
فقد روى الإمام أحمد عن عثمان بن أبي العاص مرفوعاً)وأكثر تبعِه اليهود والنساء) يتبعه اليهود لأنهم يؤمنون به ويدعونه بالمسيح بن داود، ينتظرونه لأنه يرد إليهم ملكهم كما يزعمون.
يبلغ حينها الضيق بالمسلمين مبلغه، يعدون للقتال، وبينما المهدي ذات يوم يسوّي الصفوف لصلاة الفجر، وتقام الصلاة وهم في كربة شديدة، إذا بالمهدي يلتفت ويلتفت معه المسلمون فيرون رجلاً داخلاً عليهم، رجل مربوع بين الحمرة والبياض، كأن رأسه يقطر ماء وإن لم يصبه بلل. أتدرون من؟ إنه المسيح عيسى ابن مريم رسول الله عليه السلام.. إنه عيسى ينزله الله تعالى إلى الأرض ليخلص المسلمين من المسيح الدجال وفتنته. فيراه المؤمنون فيعرفونه لأنهم يعرفون صفاته، فيرجع المهدي القهقرى ليتقدم عيسى للصلاة، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول: تقدم فصلّ فإنها لك أقيمت. فيصلي بالمسلمين وبعيسى رجل من أمة المسلمين تكرمة الله لهذه الأمة.
ينزل عيسى عليه السلام بالمنارة البيضاء بباب شرقي بدمشق، ويحكم بشريعة الإسلام، وهذا فخر لهذه الأمة، فقد روى أبو نعيم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً)منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه)
ينزل كما وعد الله، فإن الله تعالى ذكر في القرآن أن نزول عيسى من علامات الساعة فقال: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لّلسَّاعَةِ)، فيكسر الصليب ويحرم الخنزير ويؤمن به بعض أهل الكتاب من النصارى، قال تعالى): وَإِن مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)، ويضع الجزية فلا تقبل من النصارى لأن شبهتهم قد زالت.
أول أعماله هي قتل المسيح الدجال، فبمجرد انقضاء صلاة الفجر يتوجه عليه السلام مع المهدي وجيش المسلمين إلى بيت المقدس، حيث يحاصر الدجالُ وأتباعُه اليهود المسلمين هناك. ففي سنن ابن ماجه عن أبي أمامة مرفوعاً: (يقول عيسى: افتحوا الباب فيفتحونه ووراءه الدجال ومعه سبعون ألفاً من اليهود، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هارباً، فيدركه عيسى عند باب لُدّ فيقتله)، وفي رواية عند مسلم: (ولو تركه لذاب حتى يهلك، ولكن الله يقتله بيده فيريهم دمه)
هذا هو الدجال قد انتهى أمره وبطل شره، علامات تدل على قرب نهاية العالم، فماذا بعد ذلك؟
أقول قولي هذا وأستغفرالله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فأستغفروه إنه هوالغفورالرحيم
(الخطبة الثانية)
الحمد لله رب العالمين، الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وجعل أمتنا خير أمة، وبعث فينا رسولاً يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، أحمده تعالى على نعمه الجمة،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تكون لنا فيها العصمة، وأن محمداً عبده ورسوله أرسله للعالمين رحمة، صلـى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه صلاة تكون لنا نوراً من الظلمة.
أما بعد: فإننا سمعنا بعضآ من أشراط الساعة، كلها فتن، وجميعها محن، فالدنيا تنادينا بشهواتها، والنفس تميل لرغباتها، وإبليس الرجيم يزين لنا طرق الضلالة، وخلطاء السوء يسحبوننا لغيّهم لا محالة، اشتدت كربتنا وقويت غربتنا، وليس لنا إلا الله وحده هو ربنا.
فتعالوا بنا ـ عباد الله ـ نسمع وصايا الله فإنه تعالى خير موصٍ، تعالوا بنا نفزع إلى ربنا ومولانا وسيدنا ومالك أمورنا ومصرف قلوبنا، نسأله المخرج من الفتنة والنجاة من المحنة،
فهو يقول في كتابه الكريم: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّـٰكُمْ أَنِ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ[تقوى الله هو كما قال ابن عباس وغيره: "هو ترك ما حرم الله عليك وأداء ما افترضه"،
سمي بذلك لأنه وقاية تقيك من عذاب الله وسخطه.
وهكذا كانت وصية رسول الله ، فعن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون. فقلنا: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. فقال(أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة)
وكان إذا بعث رجلاً في سرية أوصاه بتقوى الله. وسأل أبو سعيد الخدري رسول الله فقال: أوصني، قال)أوصيك بتقوى الله، فإنه جماع كل خير)
وهكذا كان أبو بكر رضي الله عنه يقول في خطبته: (أما بعد: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله). وعندما حضرته الوفاة قال لعمر: (يا عمر اتق الله)
وها هو عمر يكتب إلى ابنه عبد الله قائلاً: (أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله، فإنه من اتقاه وقاه ومن أقرضه جزاه)
فجملة القول أن التقوى هي وصية الله لجميع خلقه.
قل لمن ضاق عليه رزقه: يقول تعالى: (وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ)
قل لمن عسر عليه أمره: يقول تعالى): وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)
قل لمن ضاق به صدره لكثرة ذنوبه، يقول تعالى): وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفّرْ عَنْهُ سَيّئَـٰتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً)
قل لمن يرجو رحمة الله: يقول تعالى): وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ)
قل لمن شكا ضيق حاله: يقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ)
أبشروا أيها المتقون بمعية الله، فإن الله سبحانه كثيراً ما يقول: (وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ) و أبشروا بمحبته فإنه تعالى كثيراً ما يقول): إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ) وأبشروا بتوليه لكم فإنه سبحانه يقول: (وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلْمُتَّقِينَ)
وأبشروا بقبول أعمالكم فإنه سبحانه يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ) وأبشروا بما أعده لكم فإنه سبحانه يقول: (وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)
وقال في الحديث القدسي: ((أعددت لعبادي الصالحين ـ أي: المتقين ـ ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. ((أيام قليلة ترون فيها تعباً ونصباً وكرباً، ثم يأتي الفوز العظيم، (وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُون)