الدرس (3) آداب مجلس العلم فضيلة الشيخ/ د. أحمد بن عبد الله الباتلي
الدرس الثالث
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد أرسله الله - تعالى- بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً - صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين- أما بعد فمرحباً بكم، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن يهب لنا من أمرنا رشداً ، تقدم في الدرس الماضي الكلام فيما تيسر عن الإخلاص ومن باب الاستذكار وربط السابق باللاحق نأخذ سؤالين من الأسئلة التي نود أن نراجعها مع الإخوة الطلاب الدارسين معنا في الاستديو، فأقول للإخوة: ذكرنا في الدرس السابق بعض الأحاديث النبوية الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضل الإخلاص، فمن يذكرنا بحديث من الأحاديث الواردة في فضل الإخلاص؟
عن عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه ).
أحسنت، شكر الله لك. وفعلاً هذ الحديث هو الحديث الذي يبدأ به أهل العلم مصنفاتهم ويستهلون به كتبهم؛ للدلالة على أهمية الإخلاص وتجريد النية لله -جل وعلا-.
أيضاً سبق في الدرس الماضي الكلام عن الوسائل المعينة على الإخلاص، فمن يذكرنا من الإخوة بأهم الوسائل في الإخلاص؟
ذكرنا الأسباب وذكرنا منها:
الأول: مجاهدة النفس.
والثاني: ملازمة التقوى .
الثالث: استحضار عظمة الله واطلاعه على العبد وبها يتوصل العبد إلى مرتبة الإحسان وعبادة الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
الرابع: كثرة الدعاء والإلحاح على الله في الدعاء.
الخامس: التعود على عبادات الخفاء التي لا يطلع عليها إلا الله مثل الصدقة والصلاة وغيرها .
هذه أبرزالوسائل التي يستعين بها العبد بتوفيق الله - تعالى- في أن تعينه على الإخلاص ليكون من المخلصين.
أيضاً طرحنا سؤالين على المسجلين في موقع الأكاديمية، للطلاب الدارسين والأخوات الدارسات، نعيد الأسئلة من باب التواصل، حتى تأتي الأجوبة:
السؤال الأول: اذكر دليلاً من كتاب الله - تعالى- أثنى الله فيه على أحد الأنبياء بالإخلاص.
السؤال الثاني: من القائل من السلف -رحمهم الله تعالى- «ما عالجت شيئاً أشد عليَّ من نيتي إنها تتفلت علي » وذكرت ثلاثة خيارات:
الأول: الإمام الشافعي والثاني: وكيع والثالث: سفيان الثوري.
فلعلنا ننتظر الأجوبة وإن لم تأت نجيب عنها في آخر الحلقة بإذن الله - تعالى-.
وصلتنا إجابات، محبة الوحيين من السعودية تقول: السلام عليكم ورحمة الله الجواب سفيان الثوري -رحمه الله تعالى- والآية قوله - تعالى- ﴿ وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِياًّ (51) ﴾ [مريم: 51] الإجابة الصحيحة فعلاً كما ذكرت، أنا لي ملحوظة أود أن أنبه لها الإخوة جميعاً من المشاهدين والمشاهدات والدارسين والدارسات: هذه الألقاب التي يستعملها البعض محبة الوحيين وعاشقة الجنة في بعض العبارات أولاً: فيها تزكية والله - تعالى- يقول: ﴿ فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النجم: 32]، والشيء الثاني: فيها بعض الصفات التي نتمنى حقيقة أن تكون أنسب مما ذكر ولا شك أن كلنا نحب الكتاب والسنة، لكن لن يجعل ذلك صفة لأحد دون أحد والسلف -رحمهم الله تعالى- كانوا يتحاشون في الأسماء وفي الألقاب مثل هذا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما جاءت إحدى أمهات المؤمنين ومعها جارية سميت برة فرأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن في ذلك تزكية فغير اسمها فأرى -والله أعلم- ألا نحرص على هذه الألقاب ومع الأسف هذه ترد كثيراً في المنتديات ويصف البعض نفسه بمثل هذه الأوصاف بأنه مثلاً خادم السنة وبأنه كذا وعاشق الجنة ونحو ذلك حبذا أن تكون أوصافنا مطابقة لأفعالنا - نسأل الله أن يوفق الجميع - ولا شك أني أعتذر بأن القصد التنبيه وأني أعرف الإخوة ما تسموا بهذه الأسماء إلا من باب الحرص والرغبة في التفاؤل بالخير- بإذن الله تعالى-.
كذلك يا شيخ أخت ذكرت نفس الجواب سفيان الثوري والآية ﴿ وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِياًّ (51) ﴾.
أيضاً أخرى تقول: سفيان الثوري. نعم وقال - تعالى- في يوسف - عليه السلام-﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ (24) ﴾ [يوسف: 24].
وأخرى: الجواب سفيان الثوري والآية القرآنية ﴿ وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مُوسَى ﴾.
وكذلك ابن النبلاء من السعودية: الجواب سفيان الثوري وكذلك الآية ﴿ سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي العَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِينَ (81) ﴾.
كذلك أنبه على ابن النبلاء حبذا يتسمى باسم آخر أفضل من هذا ولا يصف نفسه ولا أهله بهذه الصفة التي كان السلف يعتبرونها لا يوصف بها إلا كبار العلماء، بل إن الذهبي سمى كتابه: سير أعلام النبلاء الفضلاء الأخيار.
تقول: الجواب سفيان الثوري، ﴿ وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِياًّ (51) ﴾.
لدينا سؤال ورد في الحلقة الماضية يسأل: ما الفرق بين المخلِصين والمخلَصين؟.
نعم تلقيت هذا السؤال عبر المنتدى أيضاً والإخوة أكثروا السؤال حوله، الشيخ العلامة عبد الرحمن ابن سعد -رحمه الله تعالى- فرق بينهما: طبعاً بادئ ذي بدء أن المخلِصين اسم فاعل والمخلَصين اسم مفعول على أساس يتضح المعنى ابتداء ويقول الشيخ- حسب ما ذكر في التفسير بتصرف واختصار - المخلِصين لله في عبادتهم والمخلَصين الذين أخلصهم الله - تعالى- واختارهم واختصهم لنفسه وصرف عنهم المكاره فكانوا خيار خلقه يعني المخلَصين صفة أعلى لأن الله - عز وجل- اختارهم واصطفاهم واختصهم لنفسه فصرف عنهم المكاره فكانوا خيار خلقه ولذلك وصف الله - عز وجل- نبيه موسى ويوسف -عليهما السلام- بهذه الصفات، والإنسان يسعى أن يكون من المخلِصين ليكون بعد ذلك من المخلَصين.
بالمناسبة في الدرس الماضي أيضاً ورد سؤال عبر الهاتف من أحد الإخوة يسأل عن حديث (إن من شرار الناس من اتقي لفحشه) وبالبحث عن هذا الحديث تبين لي أنه رواه الإمام أحمد والبخاري في التاريخ الكبير بسند حسن وهذا الحديث له رواية أخرى عن عائشة -رضي الله عنها- (إن من شرار الناس من اتقاه الناس مخافة شره) قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم عليه عيينة بن حصن الفزاري ولما خرج قال:( بئس أخو العشير) وهذا قالوا: إنه من باب المداراة ليأمن من شره - وفق الله الجميع لما فيه الخير.
نبدأ الآن -على بركة الله- درسنا الجديد في هذا اللقاء المبارك وهو بعنوان آداب مجلس العلم، نترك المجال لشيخنا أحسن الله إليك يا شيخنا تفضل
آداب مجلس العلم
لا شك- أيها الإخوة- من الطلاب والطالبات أنكم تعلمون أن العلم يتلقى في مجلس العلم والوسيلة الأولى التي يتحصل بها على العلم الشرعي الذهاب إلى مجالس العلم، والمقصود بمجلس العلم هو كل مكان يتلقى فيه العلم، كل مكان يتلقى فيه العلم فيسمى مجلساً من مجالس العلم وهذا مفهوم واسع وشامل نريد أن نعممه لئلا نضيق واسعاً فكل مكان يتلقى فيه العلم فهو مجلس من مجالس العلم وأشرف مكان طبعاً هو بيت الله - عز وجل- إذا كان العلم يتلقى في بيت الله - تعالى- سواء في حلقات تحفيظ القرآن أو في الدروس العلمية التي يجثوا فيها الطلاب على ركبهم بين يدي شيوخهم فيقرؤون عليهم متوناً في العقيدة وفي الحديث وفي الفقه أو يقرؤون عليهم كتباً في التفسير و نحو ذلك فكل هذه تعد من مجالس العلم، أيضاً القاعات الدرسية قاعات المحاضرات في الجامعات، والفصول الدراسية في المدارس كل هذه تعد من مجالس العلم، أيضاً لو أن أحداً خصص مكاناً في بيته لاستقبال الطلاب فيعد مجلساً من مجالس العلم فكل مكان تلقى فيه العلم فإنه يعد من مجالس العلم، والقصد من ذلك بيان أن مفهوم مجلس العلم مفهوم واسع وليس عندنا مكان مخصص للعلم ونقول: لا يتلقى العلم إلا في هذا المكان؟ لا.. كل مكان يتلقى فيه العلم فهو مجلس من مجالس العلم، والعلماء -رحمهم الله - في كتب آداب التعلم كانوا يخصصون هذا الموضوع بالأهمية ويبدؤون به لأن مجلس العلم هو المكان الأول الذي يبدأ به الطالب قبل أن يتلقى العلم يجلس في هذا المكان ويتعلم الآداب التي ينبغي عليه أن يتخلق بها، فلذا رأيت أن يكون هو الموضوع الثالث بعد موضوع الإخلاص وبعد موضوع المقدمة عن الآداب الشرعية، وكان العلماء قديماً يحترمون مجلس العلم ويجلونه وكان السلف -رحمهم الله تعالى- من الطلاب والدارسين يحرصون على احترام مجلس العلم وتوقيره ولعلى أبدأ بقصة ذكرت في تراجم بعض المالكية لكي يتبين منها أهمية مجلس العلم:
ذكروا عن الإمام مالك بن أنس - إمام دار الهجرة صاحب الموطأ -رحمه الله تعالى- أنه كان يدرس للطلاب في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، فدخل المدينة فيل لأول مرة يدخل المدينة في ذلك القرن، أول مرة يدخل فيل في ذلك القرن دخل ذلك اليوم وتعرفون الفيل بطبعه من بين الحيوانات متميز وشكله غريب ويلفت النظر فقام الطلاب لينظروا إلى هذا الفيل الذي مر بجوار المسجد فقاموا جميعاً إلا طالب واحد كان جالساً في آخر حلقة الإمام مالك في آخر المجلس لم يقم، فالإمام مالك نادى هذا الطالب وقال له: لمَ لم تقم لتر الفيل؟ قال هذا الطالب: جئت من الأندلس لأراك لا لأرى الفيل. فأعجب الإمام مالك بهذه العبارة وقال له: من أنت؟ قال: أنا يحيى بن يحيى الليثي، فسر به الإمام مالك وقال: أنت عاقل الأندلس. يحيى بن يحيى الليثي وصفه الإمام مالك بقوله: أنت عاقل الأندلس وخصه الإمام مالك برواية من رويات الموطأ هي الرواية التي الآن بين أيدينا والرواية المشهورة التي اشتهر بها الموط وهي التي شرحت وهي التي فهرست في المعجم المفهرس وهي التي طبعها واعتنى بها الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في أوائل طبعات الموطأ.
فقصة الفيل حفظت لنا هذا الموقف وحفظت لنا رواية من روايات الموطأ وصارت سبباً لتوفيق الله - تعالى- في أن انتشر هذا الكتاب تعرفون أن الموطأ روي بروايات كثيرة أشهرها وأصحها رواية يحيى بن يحيى الليثي، وهو من تلاميذ الإمام مالك من نجباء تلاميذه توفي سنة مائتين وأربعة وثلاثين وطبعاً اشتهر في الأندلس؛ لأنه كان من محدثي المالكية في بلاد الأندلس معروف ترجمته هناك. أقول أيها الإخوة: إن هذا الطالب استطاع أن يمسك بأهوائه ولم تسول له نفسه كما يفعل بعض الطلاب من حب الاستطلاع فالطالب أمسك نفسه وجلس في مجلس العلم بين يدي شيخه الإمام مالك في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يقم ليرى الفيل مع أن الفيل ليس بأرض قومه وأول مرة يأتي، لكنه قصر نفسه على حب العلم فجلس بين يدي الإمام مالك. أيضاً الإمام مالك- كعادة العلماء في تقدير الطلاب- أثنى على هذا الطالب فقال: أنت عاقل الأندلس وخصه برواية من روايات الموطأ؛ بارك الله في هذا الكتاب وانتشر عن طريق هذا الطالب في هذا الموقف، فأحببت أن أنبه إلى هذا: مجلس العلم -أيها الإخوة- لا يخفى عليكم أن له مكانة وأهمية بحيث إنه ينبغي احترامه والدليل على هذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (ما اجتمع قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة وتنزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده) [أخرجه مسلم] أعيد الحديث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (ما اجتمع قوم يذكرون الله)
أولاً: (إلاحفتهم الملائكة) هذه أول منقبة.
ثانياً: (وغشيتهم الرحمة ).
ثالثاً: (تنزلت عليهم السكينة ).
رابعاً: (ذكرهم الله فيمن عنده).
إذن: هناك أربع خصال أكرم الله - عز وجل- بها طلاب العلم والذاكرين الله - عز وجل- في أي مكان يذكر فيه اسم الله - تعالى- ويطلب فيه العلم بأنه خصهم بهذه الخصال الأربع في هذا الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-
وروى الترمذي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعو) قالوا: وما رياض الجنة؟ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- (مجالس العلم) وفي رواية: (حلق الذكر ) وهذه هي الرواية المشهورة، لكن أتيت برواية الترمذي التي تدل على أن المراد برياض الجنة التي يرتع فيها قال - عليه الصلاة والسلام- (مجالس العلم) فلنحرص على توقير مجالس العلم واحترامها ومعرفة فضائلها- نسأل الله أن يوفقنا لما فيه الخير.
نجد أن بعض الدروس قد لا تبتدأ بالحمد أو بالبسملة أو بالصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهل هذا له أصل شرعي أن يبتدأ بالحمد أو بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
الأصل في العبادات خاصة في الدروس العلمية أن يحرص الشيخ على أن يبدأ درسه بالبسملة وبحمد الله - تعالى- وبالثناء على النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن كان بعض المحدثين يضعف حديث (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أقطع) وفي رواية (فهو أبتر) وفي رواية (فهو أجذم) وبعضهم يرى تقوية رواية( الحمد لله) وبسط هذا الشيخ الألباني في أول تخريجه لمنار السبيل في كتاب إرواء الغليل وفي أول حديث أطال النفس فيه فنقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- المشهور عنه من فعله- عليه الصلاة والسلام- أنه يبدأ بالحمدلة إذا خطب، وبالبسملة إذا كتب، هذا هو هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- كلما خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه في خطبة الجمعة أو في خطب الحج يبدأ بالحمد وإذا كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- رسائل للملوك في زمانه والولاة يدعوهم إلى دين الإسلام يبدأ بالبسملة وهذا هو الضابط عندما: نكتب نبدأ بالبسملة نكتب بسم الله الرحمن الرحيم كما جاء في قصة سليمان ﴿ إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنِّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) ﴾[النمل: 30]، فيبدأ بالبسملة وأما الخطابة وإلقاء الدروس يبدأ بالحمدلة فنحرص على هذا. أيضاً اشتهر عن السلف -رحمهم الله - تعالى- في دروسهم العلمية أنهم يبدؤون بحمد الله - عز وجل- والثناء عليه بما هو أهله ثم الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- والإكثار من ذكر الله - عز وجل- وما يكون في الدرس من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- من باب أن الله -عز وجل- أمر بالصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- وما فيها من أجر عظيم وثواب جزيل والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ) وذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه (ما اجتمع قوم في مجلس ولم يصلوا على النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا كان عليهم ترة) والترة معناها النقص فينبغي أن نصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- لا سيما في مجالس العلم- في أول المجلس وفي آخره- ليكون مجلساً مباركاً والله - عز وجل- يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56) ﴾ [الأحزاب: 56] وكان السلف -رحمهم الله تعالى- يكثرون في مجلس العلم من الأذكار، من ذكر الله - عز وجل- وهم يدرسون الطلاب، ومن باب الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله لعبد الله بن بسر المزني -رضي الله عنه- (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله ) وكانوا يكثرون الأذكار فقد ذكر الإمام الخطيب البغدادي في كتابه: الجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع: أن الحسن البصري كان كثيراً ما يقول في مجلسه: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، وكان سعيد بن المسيب كثيراً ما يسمع عنه في المجلس أنه يقول: «اللهم سلم، اللهم سلم » وكانوا يجمعونها فيقولون: اللهم سلم سلم وابن سيرين من أئمة التابعين كان يقول: «اللهم لك الحمد اللهم لك الشكر » والضحاك كان يقول: «لا حول ولا قوة إلا بالله» وكانوا يكثرون الاستغفار وممن عرف عنهم من علمائنا المعاصرين كثرة الذكر في مجلس العلم سماحة والدنا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- فإنه كان كثير الذكر لله - عز وجل- وخاصة في مجلسه فتجده وهو يُقرأ عليه يُسمع عنه التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ويسمع عنه الاستغفار كثيراً، ولذلك إذا كانت الناقضة قريبة من سماحة الشيخ -رحمه الله تعالى- تجد أنك تسمع لسانه يلهج بذكر الله - عز وجل- فينبغي علينا أن نحرص دائما في دروسنا وفي مجالسنا أن نكثر من ذكر - الله عز جل-.
وردنا سؤال يا شيخ عبر الموقع بخصوص الأسماء تقول الأخت راجية رضوان الله: أنتم تطرقتم –حفظكم الله- إلى الأسماء فإنني أريد أن أعرف هل في اسمي تزكية؟ لأنه يصبح مكرراً إذا كتبته مفرداً في الدرس بسبب تشابه الأسماء، وجزاكم الله خيراً.
على كلٍ اسمها راجية رضوان الله يعني تسأل الله - عز وجل- أن تكون ممن تحصل على الرضوان، مثل هذا أخف وأيسر من غيره والإنسان لا شك أنه يسأل الله - عز وجل- الرضا والعفو والمرحمة، لكن نحن نريد أن ننبه على ألا يكون في الأسماء مبالغة ولا يكون فيها تزكية ولا أريد أن أطيل في هذا؛ لأنه ليس هو موضوع الدرس.
هل يوجد أسئلة من قِبَل الحضور؟
سؤالي بالنسبة للبسملة، الرسائل تكتب على جميع المكاتبات والخطابات سواء الشرعية أو حتى المكاتبات الخاصة فهل فيه حرج كتابتها على الأوراق مع ملاحظة أنها قد تكون مصيرها إلى الحاويات؟
في الأصل كتابة البسملة هذا هو الأصل أنها تكتب البسملة في كل كتابة وأيضاً ينبغي علينا أن نحرص على المحافظة على الأوراق، الأوراق التي فيها ذكر الله - عز وجل- تحفظ وتصان من أن تلقى - كما تفضلتم- في أماكن لا تليق بها إنما تجمع في أماكن ولله الحمد توفرت الأماكن المخصصة للأوراق التي تحوي ذكر الله وينبغي علينا جميعاً سواء الآباء أو الأمهات والمعلمين والمعلمات أن يحافظوا على الأوراق التي فيها ذكر الله - عز وجل- يخصصوا أماكن في بيوتهم وصناديق أو حاويات في مدارسهم وتجمع فيها هذه الأوراق ويتعذر البعض بهذا يقول: لا أكتب بسم الله الرحمن الرحيم لأني أخشى أن تلقى. لا.. لا تحرم نفسك من الأجر ومن الدعاء ومن البدء بالبسملة أيضاً الحمد والصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن قرأها يكون له أجر وكذا من كتبها وتحرص على أن تصان وتحفظ لكن الذي نؤكد عليه عدم إهانتها أو إهمالها.
تفضلتم يا شيخ بقولك: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يستعمل الحمدلة في الخطب وكان يستعمل البسملة في الرسائل، فهل هذه القاعدة مطردة ؟ هذه واحدة.
الثانية: هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أرسل رسائله إلى كسرى مثلاً استعمل البسملة؟
القاعدة والمسألة ليست مطردة إنما الغالب من فعله - عليه الصلاة والسلام- والمشهور هو كذلك ولا سيما في خطب الجمعة.
والأمر الثاني: في بعض الرسائل قد لا يكون ذلك؛ بسبب عدم نقل الرواة إلينا وإلا الرسائل التي وصلت إلينا مكتوبة كلها تبدأ بالبسملة (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إلى فلان بن فلان أدعوك بدعاية الإسلام وهكذ) فالغالب من فعله - عليه الصلاة والسلام- الالتزام بهذا أما في مسألة قصة كسرى الذي وصلنا من قصة كسرى أنها كانت رسالة موجزة أرسلها النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عظيم البحرين ثم عظيم البحرين دفعها إلى كسرى فمزقها فدعى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يمزقوا كل ممزق، وقد استجيبت دعوته -صلى الله عليه وسلم- وسقطت دولة فارس.
نمضي يا شيخنا في بقية المحاور
المحور الآخر: البدء بالسلام والاستئذان عند الدخول وتقديم الأكبر عند الدخول .
عندما يأتي الطلاب والطالبات إلى مكان العلم سواء كان في مسجد أو في مصلى خاص بالنساء أو في المدارس أو الكليات ينبغي أن يحرصوا على الالتزام بآداب الدخول وأول أدب من آداب الدخول هو:
الاستئذان ثم السلام: وينبغي علينا أن نحر ص على أن نعود أبناءنا وبناتنا وطلابنا على أهمية الاستئذان وعدم الدخول هكذا بلا إذن
لأن هذا حقيقة:
أولاً: فيه حسن التأدب مع مجلس العلم ومع الشيخ ومع الطلاب.
ثانياً: فيه أنه لو كان الدرس قد بدأ ففيه حسن الدخول؛ لئلا يكون في ذلك قطع على الشيخ وتشويش على الطلاب الذين بدؤوا في الدرس ولذا يقول الخطيب البغدادي في آداب الدخول على المحدث: لا يجوز الدخول على المحدث من غير استئذان، فمن فعل ذلك أمر بالخروج وأن يستأذن ليكون تأديباً له في المستقبل. أيضاً النبي -صلى الله عليه وسلم- طبق هذا عملياً النبي -صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة كان جالساً في أعلى مكة فجاءه صفوان ابن أمية -رضي الله عنه- وكان حديث عهد بإسلام بلبن فدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يستئذن ولم يسلم فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-:( ارجع فقل السلام عليكم أأدخل؟) (ارجع فقل السلام عليكم) فيبدأ بالسلام ثم الاستئذان (أأدخل؟) [رواه أحمد وأبو داود]
أيضاً روى عبد الرزاق في المصنف عن جابر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من لم يبدأ بالسلام فلا تأذنوا له ) فينبغي أن يبدأ كل مسلم ومسلمة بالسلام عند الدخول وعند الاستئذان ولذا كان أبو هريرة -رضي الله عنه- إذا استئذن عليه رجل ولم يسلم قال: «لا تدخل حتى تأتي بالمفتاح وهو السلام» [أخرجه الخطيب في جامعه] فجعل مفتاح الدخول هو السلام، فينبغي علينا أن نحرص دائماً أول ما نصل إلى مجلس العلم أن نستأذن ونسلم ونعود أبناءنا وبناتنا على السلام وعلى تحية الإسلام، مع الأسف الآن يربى الطلاب والطالبات على كلمة: صباح الخير ونحن لا نقول: إنها كلمة منهي شرعاً وليس فيها أي محذور شرعي نقول: لا مانع من ذلك ولا بأس، لكن لا نقول: إنها هي المفضلة المقدمة بل ينبغي أن يعودوا على تحية الإسلام تحية أهل الجنة والنبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة أن( تحية الإسلام هي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) فيعودوا على السلام عند الدخول وعند الخروج وعند التحدث بالهاتف، سواء في البيوت أو في الدخول عند الأقارب أو في قاعات الدراسة أو نحو ذلك والله - تعالى- يقول: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾[النساء: 86]، والأحاديث الواردة في فضل إفشاء السلام كثيرة ولذلك عبد الله بن سلام سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلو الجنة بسلام ) فجعل السلام سبباً من الأسباب الأربعة في دخول الجنة، فينبغي علينا أن نحرص على الالتزام بهدي الإسلام في السلام وفي إفشائه وتعويد الأبناء عليه وأيضاً أنبه يا إخوة أنه لا مانع، لا ينبغي أن نضيق واسعاً لا مانع أن نستعمل بعض العبارات الترحيبية مثل أن نقول: أهلاً وسهلاً مرحباً ، حياكم الله، ما فيه مانع، لكن تكون بعد السلام والدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استئذنت عليه أم هانيء فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- (مرحباً بأم هانيء) فالنبي -صلى الله عليه وسلم- رحب بها وبوب على هذا البخاري قال: باب قول مرحباً أو باب جواز أن يقال مرحباً أنه يجوز أن يقول مرحباً، وقال أهل العلم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل وكره أن يأتي بلفظ السلام في مكان الاغتسال فلذلك استعمل عبارة أخرى ولذلك من سلم عليه في مكان مثل دورات المياه - أكرمكم الله- خاصة ليس المقصود الخلاء من الداخل إنما الدورة التي تكون عند بعض المساجد يتوضأ منها فلا ينبغي أن يأتي بلفظ السلام لأنه في مكان ليس المكان المناسب أن ياتي فيه بلفظ الجلالة والتسليم إنما يأتي بعبارات مرحبا أهلا وسهلا حياكم الله فإذا خرج فليسلم هذا من الآداب التي إن شاء الله سنشير إليها في حلقة مستقلة بإذن الله - تعالى- في مستقبل هذا البرنامج فأؤكد على هذا الأمر وهو الحرص على الالتزام بالسلام عند الدخول كذلك إذا أراد أن ينصرف فيقول: السلام عليكم أستودعكم الله وهذا أرشدنا إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إذا أتى أحدكم المجلس فليسلم فإن قام والقوم جلوس فليسلم فإن الأولى ليست بأحق من الآخرة) [رواه أحمد وأبو داود].
فلذلك ينبغي علينا أن نسلم دخولاً وخروجاً- نسأل الله أن يوفق الجميع للالتزام بآداب الإسلام وصالح الأعمال.
إذن بعد أن عرفنا الاستئذان في المجلس وكذلك السلام كيف تكون صفة الجلوس في المجالس؟ وأيضاً بالنسبة للصوت كيف يكون الإنسان صوته داخل المجلس؟
أولا أيها الإخوة عندما نأتي إلى مجلس العلم خاصة في القاعات الدراسية وأنا أؤكد على هذا والفصول المدرسية ينبغي أن نقرع الباب عند الاستئذان ويكون القرع خفيفاً، لا يكون مزعجاً لا للشيخ ولا للطلاب ويدل على هذا ما رواه البخاري في الأدب المفرد عن أنس ابن مالك -رضي الله عنه- قال: (كانت أبواب النبي -صلى الله عليه وسلم- تقرع بالأظافير) الأظافير يعني طرف الأصبع وهذا مبالغة في حسن الأدب والتأدب وعدم إزعاج النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الدخول والنبي صلى لله هو معلم البشرية وهادي الإنسانية ولنا فيه مع أصحابه قدوة حسنة فينبغي علينا عند الدخول على مشايخن وأساتذتنا في كافة الدروس والمحاضرات أن نستأذن أو نطرق الباب طرقاً خفيفاً لا يكون مؤذياً ولا مزعجاً وكذلك نستفيد من ذلك في بيوتنا إذا طرقنا على أحد يعني سواء طرقنا الباب أو الجرس لا ينبغي أن نعلق الجرس وأن نزعج؛ لأن هذا -لا شك- أن يكون مدعاة للفزع قد يكون هناك طفل نائم أو شيخ كبير في السن نائم أو مريض أو متعب وقت راحة فلا نخيف الناس أو نزعجهم، فإن هذا يسبب الإزعاج والقلق إنما نطرق الباب طرقاً خفيفاً أو نضغط الجرس ضغطة واحدة ونعلم أن الاستئذان ثلاث مرات فإن أذن لنا وإلا رجعنا.
تقديم الأكبر والأيمن:
أيضاً عند الدخول لو اجتمع مجموعة يريدون أن يدخلوا مسجداً أو يدخلوا القاعة الدراسية مكان الدرس نقدم الأكبر ونقدم الأيمن، يعني نحرص على تقديم الأكبر؛ لأن الأكبر ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث (كبر كبر ) وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (البركة مع أكابركم ) وإن كانوا سواء فنقدم من كان على اليمين وهذا هو الأولى في ذلك وهذا فيه تقدير لزملائنا وإخواننا وغرس للمودة والمحبة فيما بيننا.
الجلوس بأدب ووقار:
أيضاً إذا جاء الطالب إلى مجلس العلم ينبغي أن يجلس بأدب ووقار إذا كان مثلاً مجلس العلم في المسجد بحيث يجلس الطالب متربعاً فيجلس جلسة احترام ووقار ولا يكثر من التنحنح ولا يكثر من الحركة ولا يكثر من الالتفات ولا يكثر من العبث، بعض الطلاب من حين يجلس يكثر العبث سواء بيديه أو بوجهه أو بشماسه أو بلباسه وهذا –حقيقة- يشوشه ويشغله عن مجلس العلم وعن الاستفادة، ويشغل من بجانبه؛ فلا يكثر التلفت أو نحو ذلك.
أن يكون مقابلاً للشيخ:
أيضاً ينبغي أن يكون مقابلاً للشيخ في الجلوس ويستدل على هذا بحديث جبريل لما جاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- في السؤال عن الإسلام والإيمان جلس مقابلاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- (فوضع يديه على ركبتيه) فقالوا: يستحب للطالب أن يكون مقابلاً للشيخ سواء كان مقابلاً مباشرة أو في الجهة التي يراه فيها لا سيما إذا كثر العدد ولذلك استحب في خطبة الجمعة كما روي عن الإمام مالك وغيره أن يكون الجالس مصغياً ومشاهداً للخطيب؛ لأنهم قالوا: هذا أبلغ في الاستماع. طبعاً قد يكون في هذا كلفة وتعب لو طلبنا من شخص أن يكون طوال خطبة الجمعة رافعاً رأسه قد يكون في هذا تعب عليه، لكن القصد من هذا وهو الإنصات والاستماع واستدل طبعاً بعموم حديث جبريل.
وليعلم أنه يجب عليه أن يحرص كل الحرص على أن يكون جلوسه بوقار وأدب واحترام للشيخ فلا يكثر التنحنح ولا يكثر البصق ولا يكثر التثاؤب بحضرة الشيخ، لو عطس أحد فليشمته بعدم رفع صوته وغير ذلك، كل ذلك من الآداب التي نحرص عليها.
الحضور قبل الشيخ:
أيضاً حبذا أن نحرص على الحضور قبل الأستاذ وقبل الشيخ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (بورك لأمتي في بكوره) وكثيراً ما يروي لنا الصحابة أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:( دخل علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن جلوس في المسجد) فكان الصحابة يحضرون إلى مجلس العلم قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- ليكونوا متهيئين مستعدين للسماع أيضاً.
الحرص على القرب من الشيخ:
حبذا عند الجلوس أن نحرص على القرب من الشيخ؛ لكي نسمع صوته ونستفيد منه إذا كانت المقاعد مرقمة أو مرتبة فنلتزم بالنظام في هذا؛ لئلا يكون هناك إخلال بالترتيب في مسألة أخذ الغياب ونحو ذلك.
الجلوس حيث انتهى المجلس:
أيضاً من جاء متأخراً فليجلس حيث انتهى به المجلس لا ينبغي لأحد أن يزاحم غيره في الجلوس ولا ينبغي لأحد أن يقيم أحداً ويجلس مكانه، فمن آداب الجلوس التي أرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- إليها: أن يجلس أحدنا حيث ينتهي به المجلس كما رواه أبو داود وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يقيمن الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ) [رواه البخاري] لا يجوز لأحد أن يقيم زميلاً له من مجلسه ثم يجلس فيه، وكذلك من مقعده إذا كان على كرسيّ من كراسي الفصل يقول: قم وأنا أجلس مكانك. لا.. ليس هذا من الأدب ولا من الاحترام لكن إذا كانت المقاعد غير مرقمة فالأولى لمن سبق طبعاً في هذا أيض
عدم الجلوس بين اثنين إلا بإذنهما:
لا ينبغي الجلوس بين اثنين إلا بإذنهما، هذه من آداب الجلوس لا ينبغي الجلوس بين اثنين إذا كان اثنان من الطلاب جالسين بجانب بعض لا ينبغي أن أفرق بينهما وأجلس بينهما كما جاء النهي في سنن أبي داود:( نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجلس الرجل بين اثنين إلا بإذنهم) لأن في هذا تضييقاً بينهما وقد يكون بينهما محبة ومودة ويريد أن يستفيد بعضهما من بعض في الكتابة أو المساءلة، ونحو ذلك.
من فسح له في المجلس أن يجلس فيه:
لإن تلك كرامة ومودة قال الخطيب البغدادي: «من فسح له اثنان ليجلس بينهما فليفعل ذلك لأنها كرامة لا ينبغي أن يردها» واستدل بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (إذا أخذ القوم مجالسهم فإن دعا رجل أخاه فأوسع له في مجلسه فليأته فإنما هي كرامة أكرمه بها فليجلس فيه) [رواه الطبراني وقال الهيثمي: إسناده حسن].
أيضاً ينبغي على من جلس بين اثنين أن يشكر لهما إفساحهما يقول: جزاكم الله خيراً لعموم قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (من صنع لكم معروفاً فكافئوه فإن لم تجدوا فقولوا: جزاك الله خيراً فمن قال لأخيه: جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء).
أيضاً من جلس بين اثنين ألا يجلس متربعاً فيضيق عليهما إنما يجلس جلسة الملتم بحيث لا يضيق عليهما حتى يرى فسحة في المكان قال أحد الحكماء: «اثنان ظالمان: رجل أهديت له نصيحة فاتخذها ذنباً ورجل وسع له في المكان فقعد متربعاً» رجل أهديت له نصيحة فاتخذها ذنباً يعني قال: إنك ما نصحتني إلا لتعاقبني أو لتعتب علي أو تزجرني بعض الناس لا يتسع صدره لسماع مثل هذا و(المؤمن مرآة أخيه ) كما جاء الحديث في ذلك عند أحمد وأبو داود أيضاً من وسع له في المكان لا ينبغي له أن يجلس جلسة المتربع لئلا يضيق عليهما إنما يجلس جلسة على ركبتيه كما يقولون جلسة المستوفز يعني جلسة لا يكون فيها تربع ولا تضييق على غيره حتى يتأكد من خلو المكان في ذلك.
عدم التناجي في مجلس العلم:
أيضاً لا ينبغي التناجي في مجلس العلم لأن الأصل في الطلاب الإنصات والاستماع لا ينبغي التناجي والأصل في النهي عن التناجي:( لا يتناجى اثنان دون الثالث).
عدم الكلام ورفع الصوت:
ولا ينبغي الكلام ورفع الصوت بحضور الشيخ والأستاذ كما قال أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- (كنا جلوساً في المسجد إذ خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكأن على رؤوسنا الطير لا يتكلم أحد منا ) [رواه البخاري] هذا حقيقة في أهمية الإنصات والهدوء في المجلس، مما يلاحظ مع الأسف في بعض الفصول الدراسية كثرة الإزعاج وكثرة اللغط وكثرة الكلام، هذا لا ينبغي ويقاس على هذا إغلاق الهواتف الجوالة، ينبغي أن تغلق في مجالس العلم وفي المساجد؛ لأنها تشوش- حقيقة- على المصلين، تشوش على الدارسين وتشغل الطالب إذا جاءتك رسالة أو جاءك اتصال يشوش عليك ويشغل ذهنك، من هذا الذي اتصل؟ ماذا يريد هل أرد عليه؟ ويشغلك وينبغي الإنسان إذا كان في مجلس علم لا سيما في بيت من بيوت الله - عز وجل- أن يتفرغ لبيوت الله - عز وجل- للعبادة وللصلاة ولما جاء رجل ينشد ضالة في المسجد نهى النبي-صلى الله عليه وسلم- عن ذلك وقال: (لا ردها الله عليك) وقال:( إن المساجد لم تبن لهذا إنما هي للصلاة ولإقامة ذكر الله ولتلاوة القرآن) فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نشدان الضالة وعن إقامة الحدود في المساجد فكذلك من باب أولى النهي عن هذه الهواتف الجوالة وإشغال المصلين بها، و قول أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- (كأن على رؤوسنا الطير) مبالغة في الهدوء والإنصات يشبه ذلك فيمن كان في الحرم إذا نزل على رأسه طائر تجد أنه يصغي ولا يتحرك من باب ألا يفزع طائر الحرم أو قيل: إن هذا لو كان في غيره من الطيور فإن الإنسان يستكين ليظن الطائر أنه وقع على جدار، أو على جسم ثابت يريد أن يمسك بهذه الطائر وهذه عبارات يستعملونها في المبالغة والإنصات. أيضاً روي عن كثير من السلف -رحمهم الله - تعالى- في مجالسهم أنه كان لا يبرى فيه قلم ولا يضحك فيه. يعني الضحك الذي يكون فيه استهزاء أو سخرية ولكن لا بأس إذا كان هناك أمر طريف أو شيء من هذا أيضاً روي عن بعضهم أنه كان يوصي طلابه بعدم الإتيان بالعبارات التي لا تكون مناسبة في مجلس العلم؛ لأنهم يعرفون أنهم في مجلس تحفه الملائكة وتغشاه الرحمة- نسأل الله أن يوفق الجميع للالتزام بهذه الآداب.
شيخنا المبارك - بارك الله فيكم - بالنسبة لاحترام المعلم وتقديره في مجلس العلم كيف يكون ذلك؟
لا شك أن المعلمين عليهم مسؤولية كبيرة والعلماء والمشايخ الذين يقومون بالتدريس احتملوا واطلعوا بمهمة عظمية في نقل العلم للناس وهم يقومون بتبليغ كتاب الله وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى هؤلاء الدارسين وكذلك الأخوات المعلمات يقمن بهذه الرسالة نحو طالباتهن فهم - حقيقة بتوفيق الله تعالى- ينقلون الناس من الجهل إلى العلم وكم من طالب دخل المدرسة جاهلاً لا يعرف القراءة ولا الكتابة ولا يعرف شيئاً من القرآن- بتوفيق الله تعالى ، ثم ما بذله هؤلاء المعلمون من جهود- انتقل هذا الطالب إلى معرفة القراءة والكتابة وحفظ ما تيسر من كتاب الله - تعالى- فينبغي علينا معرفة حق هؤلاء العلماء من الأساتذة الفضلاء والمشايخ الأجلاء، والدليل على هذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (تعلموا العلم وتعلموا له السكينة والوقار وتواضعوا لمن تتعلمون منه ولمن تعلمونه) [رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله] أيضاً [رواه الترمذي] من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ليس منا من لمن يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه) والشاهد عندنا في قوله:( ويعرف لعالمنا حقه)، وفي هذا توقير للعلماء ومعرفة حقوقهم واحترامهم وهذا –حقيقة- واجب على الجميع من الطلاب والطالبات، والدارسين والدارسات معرفة حقوق العلماء ومكانتهم في الأمة والحرص كل الحرص على توقيرهم والعلم ومعرفة أنهم هم أمناء هذا العلم ونقلة الشريعة فينبغي احترامهم وتوقيرهم ولذلك يقول سلم بن جنادة: «جالست وكيعاً سبع سنين ما رأيته مس حصاة ولا تحرك من مجلسه ولا رأيته إلا وهو مستقبل القبلة» ويقول الإمام أحمد عن الإمام الشافعي: «إنه كان كالعافية للأبدان وكالشمس للدنيا » ويقول أبو يوسف عن أبي حنيفة: «ما صليت إلا دعوت لأبي حنيفة مع والدي »ولذلك روي عن شعبة بن الحجاج - أمير المؤمنين في الحديث- أنه قال: «من علمني حرفاً كنت له عبداً » وهذه طبعاً مبالغة ليس المقصود العبودية المشهورة إنما المبالغة وهذا رواه عنه الخطيب في الجامع أنني أخدمه وأجله وأعتبر نفسي كأنني مملوكاً عنده وهذا -كما قلت لكم- مما اشتهر عندهم ولذلك ينبغي لكل منا أن يعرف حقوق أساتذته ومعلميه وشيوخه، وروي في الحديث (معلم الخير تستغفر له الحيتان في البحر) وروي في حديث آخر(معلم الخير ومتعلمه في الأجر سواء) فينبغي علينا أن نعرف لعلمائنا وأستاذتنا منزلتهم وأن نحرص أن ندعوا لهم وأن نوقرهم وأن نحترمهم، وقصة ابن عباس -حبر هذه الأمة- مع الشيخ زيد بن ثابت فيها- الحقيقة- قدوة ومنقبة لنا جميعاً فإنه كان يخرج لسؤال زيد بن ثابت فيقف عند بيته فيقول: فتسفني الريح ولا يطرق عليه الباب احتراماً له فإذا خرج زيد بن ثابت يسلم عليه ابن عباس ويمسك بركاب دابته حتى يركب ويقول: هلا أمرتني يا ابن عم رسول الله أن آتيك؟ فيقول ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا. ولذا أمر الخليفة هارون الرشيد أحد أولاده بأن يذهب للأصمعي وأن يتأدب وأن يستفيد منه ولما جاء الأصمعي أمره بتقبيل رأسه ومعرفة قدره ومكانته، ومرة هارون الرشيد قال لأحد أبنائه: إنما بعثتك لتتعلم العلم فصب على الأصمعي الماء وقدم له وضوءه للصلاة .
وهذا –حقيقة- يدل على مكانة العلماء وكما قال الأول:
قوم هم زينة الدنيا وبهجتــها*** وهم لها عمد ممدودة الطنب
تحيا بهم كل أرض ينزلون بـها*** كأنهم لبقاع الأرض أمــطار