من أوجب تقليد إمام بعينه استتيب، فإن تاب وإلا قتل.. شيخ الإسلام بن تيمية
عن عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ
حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ
بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ
الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ
وَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي قَالُوا بَلَى قَالَ قَدْ عَزَمْتُ
عَلَيْكُمْ لَمَا جَمَعْتُمْ حَطَبًا وَأَوْقَدْتُمْ نَارًا ثُمَّ
دَخَلْتُمْ فِيهَا فَجَمَعُوا حَطَبًا فَأَوْقَدُوا نَارًا فَلَمَّا
هَمُّوا بِالدُّخُولِ فَقَامَ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالَ
بَعْضُهُمْ إِنَّمَا تَبِعْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِرَارًا مِنْ النَّارِ أَفَنَدْخُلُهَا فَبَيْنَمَا هُمْ
كَذَلِكَ إِذْ خَمَدَتْ النَّارُ وَسَكَنَ غَضَبُهُ فَذُكِرَ لِلنَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا أَبَدًا إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ.
قال شيخ الإسلام بن تيمية
من أوجب تقليد إمام بعينه استتيب، فإن تاب وإلا قتل.
قال الشيخ محمد إسماعيل المقدم حفظه الله فى شرحه مقولة شيخ الإسلام:
يعني: من قال: إنه يجب تقليد أبي حنيفة أو الشافعي أو مالك
أو نحو ذلك فيستتاب فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه قال كلمة: (يجب) لأن الله
لم يوجب طاعة شخص طاعة مطلقة في كل ما يأتي ويذر سوى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، أما من عدا ذلك فلا يوجد عالم واحد من علماء المسلمين يقول:
يجب أن تقلد الشافعي أو مالكاً أو أحمد أو أبا حنيفة
، وإنما أقصى ما في التقليد أنه يسوغ أو يجوز رخصة للمقلد غير المجتهد
في أوضاع معروفة، لكن من قال: يجب تقليد إمام بعينه ويأثم من لم يفعل،
علماً بأنه لو أخذ بقوله بالدليل فيكون هذا مما يؤمر به، لكنه يأخذ قول
الإمام دون أن يعرف دليلاً، وهذا هو التقليد. فيقول شيخ الإسلام
: من أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه يوجب طاعة
شخص طاعة مطلقة غير الرسول صلى الله عليه وسلم، فالطاعة المطلقة والاتباع
المطلق لا يكون إلا لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فمن أسبغ هذه
المنزلة على أحد من الناس فقد أشرك بالله عز وجل. إذاً: هذا كله يثبت
أيضاً أن السيادة للشرع لا غير، حتى الإجماع، يعني: الإجماع نفسه الذي
إذا ثبت فإنه يعد حجة شرعية قاطعة ومعصومة؛ لأن الأمة لا تجتمع على
ضلالة، فإذا انعقد الإجماع بالفعل وثبت، فإنه أصل من أصول الشريعة، لكن
مع ذلك الإجماع لا ينعقد إلا على نص، فأولى ألا ينعقد على خلاف نص شرعي.
وهذا أيضاً يدل على أن السيادة للشرع؛ لأن الإجماع عندما ينعقد فإنه
يكون إجماعاً على نص، فالمرجع إلى النص لا غير، فالأمة في الإسلام لا
تملك أن تنشئ الأحكام كما هو الحال عند الغربيين، وإنما يقتصر دورها على
فهم الأدلة والتخريج عليها، يعني: دستور الدولة اللقيطة في فلسطين
المحتلة دستورها هو التوراة، وهم ينتسبون زوراً إلى نبي الله إسرائيل أو
يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فينبغي أن يكون المسلمون
دستورهم هو القرآن، فإذا كان المستند في الإجماع هو النص فما فائدة
الإجماع حينئذ؟ فائدته قطع الشك في دلالة الحكم على المراد، فجميع
الأئمة في الاجتهاد فهموا النص بهذه الطريقة فخرجوا منه بالإجماع على
مسألة معينة،