بين ضعف الإيمان والتراخي في حفظ القرآن!
بين ضعف الإيمان والتراخي في حفظ القرآن!
إبراهيم بن عبدالله الأزرق
السؤال:
يا شيخ أنا طالب بالرياض
أدرس في قسم الهندسة، استقمت منذ سنتين ونصف تقريباً، أشكو من ضعف الإيمان
والتساهل بارتكاب المعصية، وأشكو بأنني غير سعيد في الدنيا، علماً بأن
دراستي أشغلتني عن طلب العلم، حيث إن حفظي للقرآن بطيء جداً، حفظت جزئين
فقط، وأنا حزين بأن غيري من الشباب قد حفظوا القرآن وأنا مازلت؛ ما نصيحتك
لي يا شيخ؟
الإجابة:
الأخ الحبيب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله أن يوفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأعمال، وأن يبارك لنا ولك، وبعد:
إني ألمس من خطابك هذا أن
الله قد حباك عقلاً وفهماً وليست هذه مجرد دعوى مني أو مجاملة لا والله،
ولكن القبول في كلية الهندسة، وكذلك بحثك عن علاج بهذه السبيل، بالإضافة
إلى ملاحظتك واستشعارك للمشكلة كلها مؤشرات تؤيد ما أقول.
ومشكلتك لها شقان:
الأول: يتعلق بضعف الإيمان، والثاني: بحفظ القرآن.
وللشقين تعلق ببعضهما.
أما ضعف الإيمان فيعرض
للمسلم بين فينة وأخرى، وله أسباب من أعظمها: إما التقصير في الواجبات أو
مقارفة بعض السيئات، والدواء مقرر في اعتقاد أهل السنة والجماعة، فعندهم
أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ولا علاج أنجع لضعف
الإيمان من الاستكثار من الصالحات ومجاهدة النفس عليها، وتجنب السيئات
وحبس النفس عنها، فلو بادرت إلى الصلوات واعتنيت بها فأسبغت وضوءك، وبادرت
إلى المسجد، وصليت السنة، ثم قمت مع الإمام وجدت لتلك الصلاة ولو بعد حين
من المجاهدة حلاوة، ورأيت كيف تزيد إيمانك، وتدعوك إلى الخير، وتزجرك عن
السوء، وهكذا الصدقة والصوم وسائر القربات، فإنك إن التزمتها وما زلت
تتقرب إلى الله بها أحبك، كما قال الله - تعالى - في الحديث القدسي
الصحيح: ((ما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال
عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به،
وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني
لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس
المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته))، فإذا جاهدت نفسك على الطاعة
وبلغت محبة الله - تعالى -، فلا تسل عن الخير المترتب لك في الدنيا
والآخرة جراء حب الله لك.
ومن جملة الطاعات والقربات التي توصلك إلى هذا المقصود قراءة كتاب الله وحفظه والعناية به.
وهذا الجواب كما لا يخفاك
أخي السائل إرشاد عام، وكأني بك تقول: كيف الطريق إلى الالتزام به؟ بل
لعلك تقول: لو كنت قادراً على هذا ما سألت!
لكن الغرض من الجواب
السابق: أن تستشعر أساس الإشكال المذكور وتعلق بعضه ببعض والتنويه بأهمية
مجاهدة النفس لعلاجه، وبعد ذلك يأتي ذكر أمور معينة بإذن الله - عز وجل -
على مجاهدة النفس، فمن ذلك:
أولاً: الاستعانة بالله -
تعالى - فإن ما لم يكن بالله لا يكون، كما أن ما لم يكن لله لا ينفع،
فإذا قرأت في صلاتك قول ربك - سبحانه -: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ
نَسْتَعِينُ) (الفاتحة:5) فاعلم عظمها، وأيَّ مسؤول تسأل.
ومن جملة استعانتك بالله سؤاله واللَّجَأَ إليه أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته.
ثانياً: من الأسباب
المعينة كذلك ترتيب برنامج والحرص على الالتزام به، فلا يكون ذهابك إلى
المسجد عفوياً أو قراءتك للقرآن كيفما تيسر لا، احرص على أن يكون لك
برنامج ثابت من بنوده أن وقت كذا خاص بالقرآن فلا يرتبط فيه بغيره، بل
يعتذر عن أي موعد آخر يزاحمه، فإذا قيل لك نريد أن نذهب غداً في الساعة
الفلانية إلى كذا، فقل: لا عندي موعد!
وكذلك اجعل لك موعداً مع
النوافل ولاسيما المرتبطة بالصلوات قبلها أو بعدها، أو قبلها وبعدها سواءً
كانت راتبة كالعشر أو اثنتي عشر ركعة المعروفة، أو كانت سنة غير راتبة
كالأربع قبل العصر، والتنفل قبل الجمعة.
فإن فات من الراتبة شيء فوطن نفسك على قضائها.
ثالثاً: اتخذ صحبة صالحة جادة، وأؤكد على جادة فما كل الصالحين جاد تعينك على الطاعات، وتيسر لك أمرها وتحببك فيها.
وهذا هم اعتنى به العقلاء أعني الصديق الصدوق المعين على الخيرات، قال بعضهم:
هُمومُ رِجالٍ في أُمورٍ كَثيرَةٍ *** وَهَمّي مِنَ الدُنيا صَديقٌ مُساعِدُ
رابعاً: شاور كما صنعت
هنا دائماً أهل الفضل والعقل، وانظر في نصحهم وتأمل كلامهم، فربما نفعك
الله بكلمة تخرج مِنْ فِيِّ حادب عليك، محب لمصلحتك ينفعك الله بها.
وكلما كان المُشاوَر
عاقلاً فطناً ديناً بصيراً بحالك كانت إجابته لك أقرب لواقعك وما يناسبك،
بخلاف البعيد فقد تغيب عنه من أمور حياتك ما لو علمها لكان نصحه أكثر
ملاءمة لك.
خامساً: تجنب أضداد ما
ذكر هنا، فإن من اعتمد على نفسه واستقل بعقله لن تكون عاقبة أمره حميدة
كمن التجأ إلى الله وطرق بابه وشاور عباده، ومن عمت الفوضى حياته ضاعت
جهوده وتشتت، ومن صحب نافخ الكير فسوف يجد منه ريحاً خبيثة إن لم يحرق
ثيابه، ومن ترك مشاورة العقلاء والاستفادة من تجاربهم وعقولهم حرم خيراً
كثيراً.
والنصائح الخمس الماضية
لو التزمت بها كفيلة -إن شاء الله- بحل مشكلتك بشقيها، فجرب واصنع لك
برنامجاً لمدة شهر فقط، ...وسوف ترى النتيجة بإذن الله، واعلم بأن الله
وعد ووعد الله لا يتخلف فقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) (العنكبوت:69)، فجاهد نفسك في التماس ما
يصلحها، ووالله ليهدينك الله، وعد الله ومن أصدق من الله حديثاً.
وفقني الله وإياك لمرضاته وفتح لي ولك أبواب الخير وجعلنا من المشتغلين بها ودمت في رعاية الله وحفظه مؤيداً مسدداً