الحديث الثامن عشر (اتق الله حيث ما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)
هنا سؤال: هل المراد بالحسنة التي تمحو تلك السيئة التوبة من تلك السيئة فقط
التوبة نوع من الحسنة، يعني لا تحصر الحسنة بالتوبة، التوبة حسنة تجب ما قبلها، لكن الأعمال الأخرى- وهذه التي سنكملها (واتبع السيئة الحسنة تمحه)
هذا فيه بيان مكفرات الذنوب، والمكفرات كثيرة منها التوبة التي أشارت
إليها الأخت، منها الأعمال الصالحة الأخرى: الصلاة، الصيام، الإنفاق، الخلق
الطيب، الحج، والعمرة، مثال على ذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) (والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهم) والأحاديث في المكفرات كثيرة، من المكفرات المصائب التي يصاب بها العبد من الأمراض وغيرها والهموم والأحزان (لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشى على الأرض ليس عليه خطيئة) وهكذا.
باقي
معنا المعلم الثالث: وهو المنهج في التعامل مع الخلق: وهو التعامل معهم
بالخلق الحسن، والخلق الحسن كما تكلمنا عنه في الحديث الأول في التعامل مع
الناس سواء كان هؤلاء الناس من أقرب الأقربين والوالدان الأولاد الإخوة
الأخوات وغيرهم، أو سواء كانوا أبعدين من المسلمين وغير المسلمين يجب أن
نتعامل معهم بالحسنى، وإذا تعامل المسلم معهم بالتعامل الحسن سيجد ثمرة ذلك
عند الله -عز وجل- من ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (إن أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاق)
والأخلاق الحسنة كثيرة الكلام الطيب، السلام، الهدية، العطية، التواضع،
عدم الحسد، عدم الكبر، عدم الكذب، الصدق، العفو، والصفح وغير ذلك من عموم
الأخلاق الحسنة عدم كره الآخرين، عدم اغتباطهم بما أعطاهم -سبحانه وتعالى-
كل هذا يدخل ضمن هذه الأخلاق العظيمة.
إذًا من خلال هذا الحديث عرفنا
المنهج الذي يجب أن يتعامل به العبد مع ربه -عز وجل- ولنا في رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال عنه الله
-عز وجل-: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)﴾[القلم: 4]؛ لذلك النتيجة يجب أن يسعى المؤمن لامتثال هذا الحديث، كما يمتثل الحديث الذي قبله، في جميع شئون حياته؛ لينال خيري الدنيا والآخرة.
عندي
سؤالين ورجاء: هل يجب إحسان التعامل مع النفس؟ السؤال الثاني: قد يشتم
الرجل والديه بشكل غير مباشر، كيف ذلك وما نصيحتك له؟ بالنسبة للرجاء أرجو
منكم أن تضعوا أسئلة قبل الدرس للدرس الماضي
تسأل هل يجب التعامل
مع النفس بالإحسان؟ نعم، يجب التعامل مع النفس بالإحسان، الإنسان لا يملك
نفسه؛ ولذلك حرم عليه أن يقتل نفسه أو أن يجرح نفسه، وهذا من التعدي على
النفس، ومن هنا يجب الإحسان على النفس حتى في عبادتها لله -عز وجل-، لذلك
الذين جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألوا عن عبادته، ولما
أخبرتهم زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- كأنهم رأوا أنها قليلة، ثم رجعوا
إلى أنفسهم، قالوا: هذا رسول الله غفر له ما تقدم من ذنبه، فقال قائل
منهم: أنا أصوم ولا أفطر، والثاني يقول: أنا لا أتزوج النساء، والثالث
يقول: أنا لا أنام الليل، ومع ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (
ما بال أقوام يقولون: كذا وكذا، فمن رغب عن سنتي فليس مني، أما إني أتقاكم
لله، وأخشاكم له، أصوم وأفطر، وأصلى وأنام، وأتزوج النساء ) لذلك
من قهر النفس، وعدم الإحسان إليها: أن الإنسان يشد عليها شدا، بحيث ينقطع
به الحبل في يوم من الأيام، مثل الذي يصوم الدهر كله، أو يقوم الليل كله،
أو يشد عليها فتجده يأخذ شهر شهرين لا يبتسم لا يضحك، لا يتعامل مع الآخرين
المعاملة الطيبة، يشد على نفسه شدًا كبيرًا، فهذا لا يحسن وقد ينقطع به
الحبل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ولن يشاد الدين أحدا إلا غلبه)فلذلك يجب الإحسان على النفس، ولكن لا يعني هذا أن تعمل بالمعاصي، وإنما أن تعمل بمنهج الله -عز وجل-.
كيف يغلبه الدين؟
يغلبه
الدين ينقطع به الحبل هذا الذي يقوم كل الليل سيكبر هل سيستطيع؟ لذلك عبد
الله بن عمر لما قال: إني أستطيع وألزم نفسه بوقت معين من الليل، قال:
ليتني أطعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن أخذ من الليل مأخذ ما
أستطيعه، لما كبر.
فلذلك يأخذ ما يستطيع الإنسان؛ ولذلك وجه النبي -صلى
الله عليه وسلم- حتى للذي يقوم الليل إذا غلبه النعاس أن ينام، والحسنة
ليست بكثرة العمل، وإنما بأحسن العمل، وخير العمل، أدومه وإن قل.
السؤال
الثاني: هل يشتم الرجل والديه بغير مباشر؟ نعم، إذا تعود على السباب، وسئل
النبي - صلى الله عليه وسلم – هل يسب الرجل والديه قال: ( نعم، يسب الرجل أب الرجل؛ فيسب أباه، ويسب أمه؛ فيسب أمه)
يعني: إذا سب الرجل شخص آخر؛ حينئذ ارتد على سب والديه، كأنه سب والديه؛
لذلك يجب على المسلم ألا يتعود على السباب والشتائم واللعن.
تسأل عن مكفرات بعض الذنوب؟
المكفرات
كثيرة ولله الحمد، وهذا من فضل الله -سبحانه وتعالى-، من أهم المكفرات
التوبة من الذنب؛ ولذلك ندب -الله سبحانه وتعالى- إليها في آيات كثيرة، حتى
لو كان الذنب كبير، بل أكبر من الكبير، فالمشرك إذا تاب قبلت توبته، وأصبح
مسلما، ويستحق دخول الجنة، كذلك التوبة تجب الكبائر، والله -سبحانه
وتعالى- يقول: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾ [الزمر: 53]، فما بالك بالذنوب الأخرى تجبها التوبة، منها أيضا اجتناب الكبائر: ﴿ إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾[النساء: 31]،
فاجتناب الكبائر مكفر للصغائر -بإذن الله عز وجل-، عمل الصالحات عموما
الصلاة مثلا كلما أكثر الإنسان من الصلاة كفرت ذنوبه، والصلاة ما بين
الصلوات الخمس مكفرات، والصلوات الخمس مكفرات لما بينهن، طبعا إذا كانت هذه
الذنوب صغائر، الصوم مكفر للذنوب، (من صام لله يوما باعد الله بينه وبين النار سبعين خريف)
يعني: سبعين سنة، والصوم في سبيل الله يفهمه الناس أنه في حال الجهاد، في
حال القتال، لا الصوم في سبيل الله يعني: الصوم لطلب الأجر والثواب، هذا في
سبيل الله، العمرة والحج بر الوالدين إطعام الفقراء والمساكين وغير ذلك
دلالة على الخير (من دعا إلى هدي كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجورهم شيء) وهكذا فالأعمال الصالحة مكفرة للذنوب، المصائب والبلايا والأمرض والأسقام التي إذا صبر عليها الإنسان كفرت ذنوبه (وما يصيب المسلم من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن إلا كان كفارة له ) فلذلك المصائب تكفر الذنوب لكن بشرط الصبر والاحتساب وغير ذلك.
عندما
يتوب الإنسان من ذنب معين كان له حب في قلبه وهو تاب منه؛ لأنه يخاف من
الله -عز وجل- هل هذا ينافي الإيمان والإحسان أو التقوى ؟
أولا:
حب المعصية لابد أن ينزع من القلب وهذا من البراءة من الكفر وأهله، فيجب
البراءة من المعصية كذلك، فلمَ ينهى الله -سبحانه وتعالى- إلا وفيه المضرة
على هذا الفاعل، والحب له هو جزء من الفعل، كما أن حب الله –تعالى- هو حب
التوحيد وحب الآخرين من المسلمين طاعة لله -عز وجل- فالمحبة في الله كذلك
يكون البغض في الله، من البغض في الله بغض المعصية نفسها؛ فلذلك يجب على
هذه الأخت أو غيرها ممن وقع في معصية يحاول أن ينزعها من قلبه، وفي هذا
السياق –هذا السؤال جيد- كثير من الناس يقول: ليت الله ما حرم كذا، ليت
الله ما حرم الربا، ليت الله ما حرم الزنا، ليت الله ما حرم كذا، هذا ينبئ
عن محبة لهذا الفعل، لهذا يجب أن ينزعه من قلبه، الله لم يحرمه إلا لأن
ضرره غلب نفعه، ولذلك يجب أن ينزع من القلب وعندما يتوب الإنسان من الذنب
فهذا -إن شاء الله- طريق للتوبة من هذا الفعل ونزعه من القلب.
إذن يتوب من حب هذا الفعل
نعم، يتوب من حبه، ولا يعني أنه يمر على الخاطر لا كثير ما يمر على الخاطر، الله -سبحانه وتعالى- عفا عما يمر على الخاطر (عفي عن أمتي ما حدثت به نفسه) لكن المقصود أن يتمنى فعل هذا الشيء فيحبه فهذا هو الحب المنهي عنه، أما المرور على الخاطر فهذا معفي عنه.
عندي
سؤالين: السؤال الأول: إنسان متقي الله -سبحانه وتعالى- ويلقي دروس في
الشيء الذي يستطعيه مثلا في العمل أو في المساجد لكنه يخشى من الرياء؟
يسأل
عن إنسان متقي يخشى من الرياء، وهذا علامة من علامات الإيمان، لكن يجب أن
يتعدى الأمر، الخشية بمعنى أنه يجب ألا ينتقل إلى العمل، يعنى يقول مثلا:
أنا لا أصلى السنة الراتبة خشية الرياء أنا لا أنفق على المسكين الذي أمامي
خشية الرياء، لا، هذا لا يجوز، هذا مدخل من مداخل الشيطان، فأنفق وإذا
خشيت الرياء تعالجه بالدعاء الوارد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا
خشي الإنسان وحس من نفسه شيء من الرياء (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك مما تعلم ولا أعلم ) فإذا خشي الإنسان الرياء من نفسه قال هذا الدعاء.
السؤال
الثاني: إذا اغتاب مسلم أخاه المسلم، هل لا بد أن يطلب منه السماح أم يكفي
أن يدعو له، خاصة أن هناك ناس يغتابون أمة كاملة أو بلد بأكمله فكيف نتبع
السيئة الحسنة؟
إن استطاع وقدر أن المغتاب لا يتأثر بطلب التحلل
فهذا أولى، لكن إن قدر أن الضرر أكثر، أو قدر أن المغتاب سيتأثر أكثر يكثر
من الدعاء له، ويكثر أيضا من ذكره بالحسنى في المجلس الذي اغتابه فيه، أو
الذي ذكره بغيبة فيه أو بأمثاله، فيثني عليه في مواضع، أو ويدعو له حتى يظن
أنه كافأه بذلك، إذا كانت الغيبة لمجموعة كبيرة أو لقرية أو لمدينة أو
لناس كثر فيستغفرون للمؤمنين والمؤمنات.
هل العصافير التي توضع في الأقفاص تدخل في عموم الإساءة للحيوانات؟
أضم
معه سؤالين: هذا سؤال يقول: إذا رأيت كلب - أعزكم الله – مريض أو عطشان
وتركته خوفا من الأذى أو خوفا من التعامل معه هل على شيء؟ وأخرى تسأل عن
استخدام"بف باف" لقتل الحشرات حيث يجعلها تتقلب كثيرا فهل نحاسب عليها؟
وهذا يقودنا إلى استخدام المبيدات الحشرية بشكل عام للمنزل فيقتل ويحرق في
النمل وغيره؟
الحيوانات في الحدائق كغيرها يجب أن يحسن إليها،
أما التعامل مع الكلب أو أي حيوان آخر بدون خشية الضرر فينبغي وهذا من
الإحساس، كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم – أن امرأة بغيا عفا الله
عنها ودخلت الجنة بسبب إسقئها للكلب، إلا إذا خشي الإنسان الضرر أو الضرر
على الآخرين، فالإنسان مقدم على الحيوان، أما ما يتعلق بالحشرات الضارة لا
مانع من استخدام المبيدات الحشرية، إلا إذا كانت ضارة وآذت أصحاب هذا
البيت. فلا مانع من استخدامها، الذي فيه مانع وهو محل خلاف بين أهل العلم
الذي يوضع كشكل حرق كالذي يوضع في بعض المحلات الحرق الكهربائي هذا محل
خلاف بين العلماء المعاصرين وبعضه يجيزه إذا لم يوجد وسيلة غير ذلك؛ لأن
التعذيب بالنار لا يجوز، فالحشرات المؤذية الذباب والبعوض ونحوها تزال سواء
بالمبيدات أو بنحوها.
نعود إلى مسألة الإحسان:
تسأل وتطلب تنبيها على صور الإحسان للزوجة وتذكر منها النفقة وعدم التطاول
عليها قولا وفعلا. وأخرى تسأل كيف يكون الإحسان في تربية الأبناء؟
أما
الإحسان إلى الزوجة: هناك واجبات يجب أن يقوم بها الزوج من هذه الواجبات
العشرة بالمعروف، والإنفاق عليها، فالإنفاق من واجبات الزوج أن ينفق على
زوجته بما تحتاجه من المطاعم والمشارب من الأكل والشرب واللباس، وحاجاتها
التي تحتاج إليها، كذلك من الإحسان العشرة بالمعروف فلا يسبها ولا إخوانها
ولا أقاربها ولا يسمعها ما يؤذيها من الكلام الذي يؤذي ولا يؤدي إلى فائدة،
كذلك من الإحسان إليها أن يلبي بعض الحاجات التي تقربها إليه مثل أن
يعطيها فرصة لزيارة أهلها لزيارة أقاربها وهذا من العشرة بالمعروف، فكل ما
يؤدى للعشرة بالمعروف -التحبب والتودد إليها- كما هو واجب عليه واجب عليها.
الإحسان
إلى الأبناء بحسن تربيتهم على طاعة الله -عز وجل- وتحفيظهم لكتاب الله،
لسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم – تربيتهم على الشعائر التعبدية: كالصلاة،
والصيام، والإنفاق، تربيتهم على الخلق والتعامل الطيب مع أهل البيت مع
الآخرين، بعدهم عن أصدقاء وصديقات السوء، وألا يجعل للشارع أن يربيهم أو
يجعل لبعض الأجهزة الملهية أن تشغل أوقاتهم، أن يجلب إليهم كل وسائل النفع
والفائدة التي تعود عليهم بالنفع في الدنيا والآخرة، فضلا عما تقوم به
حاجتهم الدنيوية من الأكل والشرب واللباس، أما الإحسان إلى الجار فسبق في
حديث سابقًا.
يقول: أنا إنسان ملتزم وارتكبت ذنبًا وقد تبت عنه، ثم ارتكبته، ثم تبت، هل بهذا أكون من المتقين؟
الإنسان
كما أشرنا في الكلام معرض للخطأ والصواب، وقد يبتلى الإنسان بذنب ثم يتوب
منه، ويبتلى بذنب ويكون الشيطان متسلط عليه في هذا الذنب وتضعف نفسه وما
دام أنه تواب مرة ومرتين ولو عاد إلى الذنب نفسه، فنسأل الله –تعالى- أن
يقبل توبته، ونسأل الله ألا يخرجه من دائرة المتقين؛ لأن من صفات المتقين
أنهم يتوبون، وهذا من فضل الله -سبحانه وتعالى- : ﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾[البقرة: 286]،
فهذا من التقوى بإذن الله عز وجل، لكن لا يعني هذا أن هذا مسوغ للذنب؛
لأنه يخشى أن يموت الإنسان وهو على ذنبه فيحرص على قطع هذا الذنب.
مع العلم أني ندمت وخفت بعد الذنب، السؤال الثاني: كيف نربي في أنفسنا التقوى؟ وما العوامل المساعدة على ذلك؟
عوامل
التقوى كثيرة من أهمها: أن يربي الإنسان نفسه، أن يستشعر عظمة الله
-سبحانه وتعالى- لأننا لو أخذنا مثال -ولله المثل الأعلى- الإنسان في
وظيفته وفي عمله لو عرف أن المسئول سيمر عليه الآن وسيراقب عمله أو سيدقق
ما وراءه من المعاملات حينئذ سيجتهد؛ لأن شعوره هذا يقوده إلى أن يتقن
عمله، لذلك عندما يربي الإنسان في نفسه شعور بعظمة الله -سبحانه وتعالى- في
أثناء كل عمل حتى السر وأخفي، حتى ما يخفيه العبد بينه وبين نفسه يعلمه
الله -سبحانه وتعالى- فضلا عن الكلام الظاهر، فضلا عن الأعمال البادية
للناس، فتربية النفس على استشعار عظمة الله -عز وجل- هذا عامل من عوامل
التقوى، المحافظة على الفرائض عامل من عوامل التقوى؛ لأن أفضل ما تقرب به
العبد لربه -عز وجل- هو ما افترضه عليه -سبحانه وتعالى-، الإكثار من
القراءة لكتاب الله -عز وجل-؛ لأن فيه لفتات كبيرة لصفات المتقين لفتات
كبيرة لأحوال الأنبياء لأحوال الرسل لعوامل التقوى ما يجب أن يعمله
الإنسان، فكثرة القراءة في كتاب الله تجعله قريبًا من هذه التقوى ومن
المتقين -بإذن الله -عز وجل- فضلا عن النوافل والمستحبات الأخرى، كذلك
مصاحبة الأخيار المتقين، القراءة في سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم –
وأحواله، القراءة في سير الصحابة والتابعين والأئمة وأهل الفضل والإحسان،
كل هذا يجعل الإنسان يرى أن هؤلاء قدوة يتشبه بهم.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشابه بالكرام فلاح.
هل
إتباع الحسنة بالسيئة أو إتباع الحسنة للسيئة يعني: إتباعها فورا أم إذا
طال الزمن ننوى بهذا الحسنة السيئة تلك القديمة؟ ولعلها تشير إلى حديث
قرأته حول إذا أذنب العبد ذنبا لم يكتب إلا بعد ساعات أربع أو هكذا قرأته
في وقت سابق
لا شك أنه إذا كان مباشر أولى، وليس من مصلحة العبد
المذنب أن يتراخى في عمل الحسنة هذا يدل على تراخيه مع السيئة، فلذلك كل ما
شعر بالذنب يحاول أن يعمل حسنة ليمحو السيئة.
سؤال
آخر: بعض الناس يحتجون من الجهلة والعامة بحديث جارية بني إسرائيل بترك
الفرائض والواجبات والاقتصار على أنها صالحة بسيطة أرجو التوضيح؟ فأقصد أن
الناس يظنون أنها كانت لا تصلى وليست على ملة ودخل الجنة بسقي كلب..
أما
بالنسبة للتنبيه عن زانية بني إسرائيل التي سقت الكلب بأنها لم تكن تصلى
أو لم تصم، لا، كانت تعمل الشريعة، هي لم تكن مشركة لكن عليها ذنب الزنى
فقط، فغفر لها بسبب هذه الحسنة، لا أن الإنسان يهيم في معاصيه من هنا
وهناك، ويبحث عن كلب أو عن قط وأسقيه، وحينئذ يغفر الله لي، لا هذا بيان
لفضيلة هذا الفعل فقط وليس هو عرضا؛ لأن الناس بأن يخطئوا ويذنبوا.
ولا يدل على أنه موجب لدخول الجنة
مكفر لهذه السيئة التي تحول عن دخول الجنة ولو مدة.
السلام
عليكم، بالنسبة للإنسان إذا كان عنده عمل لقد سألت بعض المشايخ الخبراء
فأجازوني لهذا العمل وبعض المشايخ الآخرين لم يجيزوه هل يرخص أن يعمل هذا
العمل وهو عمل شخصي ليس عبادة؟
أولا القاعدة في هذا أن يسأل
الإنسان من يثق بعلمه ودينه، ومن الخطأ أن يسأل أكثر من عالم فيقع في هذه
البلبلة؛ لينتقي الأوثق منهم وبما أفتاه الأوثق بالنسبة لديه والأكثر راحة
لفتاواه وعلمه، وإلا فكل أهل العلم محل لذلك -إن شاء الله- لكن الإنسان قد
يرتاح لفلان لعلمه لخشيته لله لتقواه لمقدار علمه لقربه منه لمعرفته له
وهكذا؛ فيسأل وهذا لا ضير، والرسول - صلى الله عليه وسلم – عندما جاءه أحد
السائلين وقال: إن ابني كان عفيفا على امرأتي، فسألت أهل العلم فأخبروني عن
كذا، لم يلمه النبي - صلى الله عليه وسلم – عمن هو، مادام من أهل العلم
وسأله فيكفي، لكن عندما جاء للنبي - صلى الله عليه وسلم – أعطاه الحق، لذلك
لينظر إلى من هو الأوثق عنده من هؤلاء أو الأقرب من هؤلاء فيسأله ويأخذ
بفتواه ويمشى بذلك ولا يمشي على هواه.
السلام عليكم يقول النبي - صلى الله عليه وسلم –( ما من مؤمنات يتقابلان فيتصافحان إلا تحاتت خطاياهم كما تحات ورق الشجر) هذ حديث أريد مدى صحته؟ وحديث آخر يقول فيه النبي - صلى الله عليه وسلم – (ما من مؤمنان يلتقيان فيتصافحان إلا نزلت عليهما مائة رحمة تسعين للمبتدأ وعشرة للمستقبل) فهل هذا الحديث أيضا صحيح؟
الحديث الأول الذي فيه فيتصافحان فتتحات خطاياهما هذا الذي أعرف أنه صحيح، أما الحديث الآخر التي ذكرته في توزيع الحسنات لا أعرفه.
بالنسبة
للإحسان عن نقل فتاوى العلماء فأنا أنقل فتاوى العلماء للعامة هل هذا يعد
من الإحسان إليهم؟ وأريد أن توجهوا نصيحة للآباء والأمهات في الإحسان إلى
الأبناء؛ لأن بعض الآباء يقول: أنا أحسن إليهم وهم في الحقيقة لا يحسنون
إليهم، إما بتبرج البنات، أو خروج الشباب إلى الشوارع وإلى الضياع.
إذا
كان الناقل يجيد النقل ولا يخطيء ولا يحور ولا ينقل بالمعنى الذي يفهمه
وقد يكون لم يفهم السؤال؛ ومن ثم لم يفهم الجواب، وقد يكون الجواب في مسألة
معينة فلا ينقل، لكن إذا كان فاهما للسؤال فاهما للجواب ينقل فهذا من نشر
العلم.
الآباء الذين ينعمون على أبناءهم بالأكل والشرب واللباس وغير
ذلك، لكنهم يهملونهم من جهة التربية ومن جهة ترك الحبل على الغارب لهم، لا
شك أن هؤلاء ظلموا أنفسهم وظلموا أبناءهم وبناتهم فعلى الأب والأم مسؤولية
كبير (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وإن الله سائل كل عما استرعاه، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم: 6].
إذًا المسألة مسؤولية كبيرة والإبن والبنت سيتعلقان برقبة الأب يوم القيامة رآني على هذا ولم ينهني.
فإذًا ينتبه الآباء كما أن عليهم واجب الإطعام والإشراب والشرب واللباس وغير ذلك، فعليهم واجب التربية وهذا أعظم.
يسألون عن مبدأ إتباع السيئة بالحسنة أو الندم والتوبة، هل ممكن أن يأتي مثلا في علاقة الزوجة مع زوجها أو الابن مع أبيه؟
نعم،
الخطأ إذا كان في حق الآخرين مثلما قلنا يتحلل منهم، أو يدعو لهم إذا كان
مع الذين يعاشرهم، إذا كان الخطأ من الابن على الأب فيجب على الابن أن
يستعطف الأب، وأن يستأذنه، وأن يسترحمه، وأن يدعو له، وأن يكثر وأن يقوم
بخدمته، وأن يري أباه أنه فعلا أخطأ فلأجل أن يسامحه الأب لذلك لدينا الزوج
والزوجة نفس الوضع؛ لأن هذه العشرة ليست عشرة يوم وليلة بل هي عشرة دائمة،
وخلفها ووراءها وأمامها أشياء من العلاقات الكثيرة التي تحتاج إلى
تحسينها.
هناك سؤال مهم: هل حسن الخلق يعتبر
نتيجة حتمية للتقوى؟ أم من الممكن أن لا يكون المتقى بالضرورة على خلق حسن
خصوصا نشاهد أناس نحسبهم من أهل التقوى لكنهم مقصرون من جانب الأخلاق؟
بقدر
ما قصروا من جانب الأخلاق بقدر ما نقص عندهم من التقوى؛ لأن الخلق
والتعامل هو الوجه العملي للتقوى القلبية، وبناء على ذلك بقدر ما عند هذا
المتعامل المعاملة السيئة من معاملات سيئة غير حسنة بقدر ما نقص عنده من
التقوى، ولو كانت التقوى تامة عنده أو قريبة من تامة لما كانت أخلاقه سيئة،
فالمتقي حقيقة لا تكون أخلاقه سيئة، لكن قد ينقص بلا شك في جانب من
الجوانب، نعم، هذه حالة الناس جميعا، لكن لا تكون أخلاقه كلها سيئة، أو
تغلب عليه الأخلاق السيئة، فصاحب الأخلاق السيئة نقص عنده بقدرها من
التقوى، فينتبه إلى هذه المعادلة التي نبه عليها