أصناف الناس عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بسم الله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع منقول من موقع الشيخ سفر الحوالي : ناقلا عن شيخ الاسلام بن تيمية :
(( يقول رحمه الله: "والناس هنا ثلاثة أقسام" أي أن الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ثلاثة أقسام:
النوع الأول:
"قوم لا يقومون إلا في أهواء نفوسهم، فلا يرضون إلا بما يعطونه، ولا
يغضبون إلا لما يحرمونه، فإذا أعطي أحدهم ما يشتهيه من الشهوات -الحلال
والحرام- زال غضبه وحصل رضاه" فبعض الناس يقوم بهذا الأمر ويقوم له لحظ
النفس وشهوته، فالعدل عنده ما تمكن به من أخذ ما يريد، والحلال ما حل في
يده، واستطاع أن يتملكه، أما الظلم والحرام، فهو أن يحرم شيئاً وإن كان
حرمه بحق وبعدل وبحكم شرعي.
قال:
"وصار الأمر الذي كان عنده منكراً -ينهى عنه ويعاقب عليه ويذم صاحبه ويغضب
عليه- مرضياً عنده، وصار فاعلاً له وشريكاً فيه ومعاوناً عليه، ومعادياً
لمن نهى عنه وينكر عليه وهذا غالب في بني آدم؛ يرى الإنسان ويسمع من ذلك ما
لا يحصيه، وسببه أن الإنسان ظلوم جهول" أي أن بعض الناس لا يقوم بالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر أو الإنكار إلا لذات الشهوة وحظ النفس، فإذا
حصّل ممن كان ينكر عليهم على شيء مما يريد، وحصلت شهواته من منصب أو مال أو
أمر من الأمور الدنيوية؛ نسي ذلك المنكر وأصبح مقراً له، بل يصبح معاوناً
لأصحاب المنكر.
وشيخ
الإسلام في كلامه هذا يعرض بأهل الأهواء وبغيرهم من الظالمين في التاريخ،
وهذا يقع في كل زمان ومكان، فتجد ممن ينكرون على الملوك والخلفاء أنهم
أنكروا عليهم لأنهم استأثروا بالدنيا دونهم، فإذا أُشركوا فيها، وأُعطوا
شيئاً من المناصب، رضوا وقالوا: هذا هو الحق والعدل؛ فهم لم ينكروا غضباً
لله ولا طلباً للعدل أو المساواة بين الرعية، وإنما أنكروا غضباً للنفس
وحباً لشهوة الملك أو السلطان. يقول رحمه الله: "فلذلك لا يعدل، بل ربما
كان ظالماً في الحالين، يرى قوماً ينكرون على المتولي ظلمه لرعيته واعتداءه
عليهم، فيرضي أولئك المنكرين ببعض الشيء، فينقلبون أعواناً له، وأحسن
أحوالهم أن يسكتوا عن الإنكار عليه، وكذلك تراهم ينكرون على من يشرب الخمر
ويزني ويسمع الملاهي؛ حتى يدخلوا أحدهم معهم في ذلك، أو يرضوه ببعض ذلك،
فتراه قد صار عوناً لهم" أي أنه أصبح من أعوانهم بعد أن كان منكراً عليهم،
قال: "وهؤلاء قد يعودون بإنكارهم إلى أقبح من الحال التي كانوا عليها، وقد
يعودون إلى ما هو دون ذلك أو نظيره".
يقول رحمه الله: "وقوم يقومون ديانة صحيحة" هؤلاء هم النوع الثاني،
وهم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر بدافع الديانة الصحيحة، قال:
"وقوم يقومون ديانة صحيحة، يكونون في ذلك مخلصين لله، مصلحين فيما عملوه،
ويستقيم لهم ذلك حتى يصبروا على ما أوذوا، وهؤلاء هم الذين آمنوا وعملوا
الصالحات، وهم من خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر،
ويؤمنون بالله".
أما النوع الثالث
فيقول: "وقوم يجتمع فيهم هذا وهذا، وهم غالب المؤمنين" فيهم شهوة من جهة،
ومن الممكن أن يسكتوا إذا أعطوا ما يرضيهم، ومن الجانب الآخر فيهم نوع من
الإنكـار والغيرة على الدين، فتتردد الأنفس بين الأمرين.
يقول:
"فمن فيه دين وله شهوة تجتمع في قلوبهم إرادة الطاعة وإرادة المعصية،
وربما غلب هذا تارة، وهذا تارة" فإذا ذكر بالله أخذته الغيرة وأنكر، فإذا
غلبت عليه الشهوة، ومال إلى ما أعطي من الدنيا، سكت.
يقول:
"وهذه القسمة الثلاثية كما قيل: الأنفس ثلاث" أي أن القسمة الثلاثية تكون
بحسب الأنفس الثلاث " أمارة ومطمئنة ولوامة، فالأولون هم أهل الأنفس
الأمارة التي تأمر بالسوء" كما قال تعالى: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ
النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي
غَفُورٌ رَحِيمٌ [يوسف:53] فالنفس الأمارة بالسوء: هي تلك التي تتبع الهوى
وتدعو صاحبها إليه.
قال:
"والأوسطون هم أهل النفوس المطمئنة التي قيل فيها: يَا أَيَّتُهَا
النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً
مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي
[الفجر:27-30] والآخرون هم أهل النفوس اللوامة، التي تفعل الذنب ثم تلوم
عليه، وتخلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً" أي أنهم هم الذين خلطوا واجتمع فيهم
الأمران . ))
.
والله المستعان